08-سبتمبر-2018

يقترح الرئيس المكسيكي حلًا غير عنيف لمعضلة المخدرات (Getty)

بينما كان طلاب من كلية "المعلمين" في منطقة إيغوالا بالمكسيك، يتظاهرون بحماس في أيلول/سبتمبر 2014، وهم يرفعون شعارات يسارية تنديدًا بفساد الطبقة السياسية وعصابات المخدرات المنتشرة في البلاد، فوجؤوا بهجوم عنيف من أفراد الشرطة المكسيكية، حيث كبّلوهم ورموهم على الأرض تحت وابل من الشتائم.

يعمل الكثير من المكسيكيين في تجارة المخدرات والجريمة المنظمة، ولتفكيك كل هذا، يجب على الحكومة تقديم شيء أفضل

اعتقلت الشرطة 43 طالبًا وأقحمتهم داخل حافلة، وفي الطريق سلمتهم إلى عصابة جيريروس يونيدوس الإجرامية، التي اقتادتهم إلى غابة مهجورة ودفنتهم في مقبرة جماعية.

لم يكن هؤلاء الطلاب سوى نزر يسير من خراب حرب المخدرات المستعرة في المكسيك، حيث صنف المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية هذا البلد كثاني أكثر دولة دموية في العالم، مباشرة بعد سوريا، بحوالي 23 ألف قتيل في عام 2016 فقط، كما أن إحصاءات السلطات المكسيكية تشير إلى أن 37 ألف شخص قد اختفوا في المكسيك منذ عام 2007، أما المنظمات غير الحكومية فتقول إنه من المحتمل أن يكون الرقم أعلى بكثير، إذ غالبًا ما لا تبلغ العائلات خوفًا من العقاب.

اقرأ/ي أيضًا: رغم تسليم "إل تشابو" والحرب على المخدرات.. المكسيك أرض العصابات الخصبة

على مر عقود دمرت كارتيلات المخدرات المجتمع المكسيكي برمته، وعندما وصل الرئيس الصلب فيليبي كالديرون، إلى الحكم عام 2006، ظهرت تباشير الأمل على محيا المكسيكيين، وهو يخطب عليهم بأن "هذه المعركة يجب أن نخوضها معًا كمكسيكيين، سنقوم بالرد على الجريمة"، فيما أعلن حربًا لا هوادة فيها ضد عصابات المخدرات وأرسل الجيش للقيام بالمهمة.

ومع ذلك، حتى مع الدعم المالي الأمريكي لم تفلح محاولته تلك، وتأججت نيران حرب المخدرات أكثر فأكثر، مما تسبب في حصد حياة عشرات الآلاف بين المدنيين والقوات الحكومية ورجال العصابات، وبجانب ذلك، أصبح جهازا الشرطة والقضاء بدون جدوى، بعد أن تغلغل الخوف والفساد في داخلهما.

لكن رئيس المكسيك الجديد، وهو يساري يدعى أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، وعد بالمصالحة الوطنية والسلام وإنهاء حرب المخدرات. وانتُخب لوبيز في الأول من يوليو/ تموز بأكبر هامش فوز لرئيس في التاريخ الديمقراطي الحديث للمكسيك، وكان شعار حملته الانتخابية هو "العناق وليس النار".

لا يؤمن الرئيس لوبيز بـ"الحرب" كاستراتيجية لحل مشكلة المخدرات والجريمة في المكسيك، ويوضح أمام ناخبيه: "لا يمكن حل مشاكل العنف بقبضة من حديد وبمزيد من السجون، لا يمكننا محاربة الشر بمزيد من الشر". ولذلك فهو يقترح تغييرًا كليًا يتناول الأسباب الجذرية للجريمة والعنف.

وتتلخص خطة الرئيس المكسيكي الجديد لحل مشكلة المخدرات في إعادة أفراد الجيش تدريجيًا إلى ثكناتهم، واستبدالهم بشرطة أفضل تدريبًا وأكثر جرأة، وقوننة الماريجوانا والخشخاش، مع العفو عن المخالفين من أفراد المخدرات غير العنيفين، بالإضافة إلى تقديم تعويضات ودعم لضحايا حرب المخدرات، وزيادة تمويل البرامج الاجتماعية والتعليم، ووضع بدائل وظيفية في المناطق الفقيرة والعنيفة.

وبحسب تحليل الحكومة المكسيكية نفسها، فإن أقل من نصف ضباط الشرطة  فقط هم من يلبون معايير "الكفاءة المهنية"، و10% منهم فقط تدرب على التحقيق الجنائي، وبالكاد يتعدى راتب الشرطي الواحد 500 دولار في الشهر.

 وهو ما قد يفسر العجز الواضح لجهاز الأمن والقضاء المكسيكيين في السيطرة على الوضع ومعاقبة جناة عصابات المخدرات، إذ إن 4% فقط من الجرائم المبلّغ عنها في المكسيك تؤدي إلى عقوبة رسمية، وهذا أحد الأسباب التي تجعل القليل من المكسيكيين يثقون بالسلطات، ويجعل الكثيرين منهم يشعرون أنه لا يوجد سبب يدعو للاتصال برقم هاتف الشرطة.

اقرأ/ي أيضًا: عهد "أملو" في رئاسة المكسيك.. اليسار إذ يصالح الواقع

أما بالنسبة لقوننة الماريجوانا، فتؤيد المرشحة المحتملة لشغل وزارة الداخلية، سانشيز كورديرو، هذا الإجراء، متسائلة: "لقد شرعتها كندا، ومعظم أوروبا، ونصف الولايات المتحدة أيضًا. ما الذي نفكر فيه، هل نريد قتل أنفسنا؟"، وتقترح أيضًا تشريع الخشخاش (وهو نبات يستخدم لصنع الهيروين) وحصره في الصناعة الدوائية، ومن ثمّة ينتظر أن تُعرض خطة العفو على الأشخاص الذين ينتجون أو يزرعون المخدرات لفائدة العصابات.

على مر عقود دمرت كارتيلات المخدرات المجتمع المكسيكي برمته

ويعمل الكثير من المكسيكيين في تجارة المخدرات والجريمة المنظمة، ولتفكيك كل هذا، "يجب على الحكومة تقديم شيء أفضل، وتحويل أجزاء كبيرة من المجتمع بسلاسة. إنه عمل ضخم يتطلب جهدًا بيروقراطيًا شاملًا ومنسقًا، يعيد بناء أرضية المجتمع من الأصل"، كما يقول مؤرخ سياسات المخدرات فرويلان إنسيكو. وقصة العثور مؤخرًا على 11 جثة مقيده ومخنوقة في منزل مهجور، تخبر الكثير عن ما ينتظره الرئيس الجديد.

ويحتاج تطبيق خطة الرئيس المكسيكي إلى موارد مالية وخبرات، بالإضافة إلى مزيد من الدعم الدولي والأمريكي، لكن السياسة الأمريكية تجاه كارتيلات المخدرات كانت دومًا غير متسامحة، ويستبعد أن تساير درب لوبيز المتسم  بـ"السلمية". وكان الرئيس ترامب قد قدّم عرضًا للحكومة المكسيكية، مفاده السماح للقوات الأمريكية بالدخول إلى المكسيك والقضاء على عصابات المخدرات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من هتلر إلى داعش.. كيف صنعت المخدرات جنودًا "خارقين"؟

بالصور.. أحد مخابئ بابلو إسكوبار يتحوّل إلى فندق فخم في المكسيك