25-يونيو-2023
lj

ذبح الأضاحي صار في المغرب عادة اجتماعية يستدين الكثيرون من أجلها. (GETTY)

لعيد الأضحى مكانة خاصة في قلوب المغاربة، كما يبدأ النقاش حول شعيرة ذبح أضحيته قبل شهور من حلول موعده، إذ يحرص كثيرون على اتباع هذه السنّة الإسلامية حتى وإن ضاقت بهم الأوضاع المادية وحتى لو اضطرهم ذلك إلى الاقتراض.

الحرج الذي يجد كثير من المغاربة أنفسهم فيه عند حلول العيد وهم محاصرون ما بين الشعيرة التي أصبحت بمثابة عادة اجتماعية يستدان من أجلها، والأوضاع المادية الصعبة، يدفع كثيرًا من الأصوات للمطالبة بتدخل الدولة، ليلغي الملك الذي يحمل لقب أمير المؤمنين تطبيق هذه الشعيرة ويرفع الحرج عن كثيرين.

استغنى المغرب عن سُنة ذبح الأضاحي في ثلاث مناسبات بتعليمات من الملك الراحل الحسن الثاني، الأولى كانت في عام 1963 بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور الذي تسببت به حرب الرمال التي دارت مع الجارة الجزائر، تلتها الكارثة الطبيعية المتمثلة بالجفاف الذي ضرب المغرب سنة 1981 والتي نتج عنها نفوق الماشية، أما الثالثة فكانت في سنة 1996 نظرًا لتعاقب موجات الجفاف على البلاد والتي بلغت حدتها سنة 1995.

الحرج الذي يجد كثير من المغاربة أنفسهم فيه عند حلول العيد وهم محاصرون ما بين الشعيرة التي أصبحت عادة اجتماعية يستدان من أجلها، والأوضاع المادية الصعبة، يدفع كثيرًا من الأصوات للمطالبة بتدخل الدولة، ليلغي الملك الذي يحمل لقب أمير المؤمنين تطبيق هذه الشعيرة ويرفع الحرج عن كثيرين.

يحل عيد الأضحى في المغرب هذه السنة في ظل ظروف اقتصادية حرجة لم تختلف كثيرًا عنها السنة الماضية، إذ إن الظروف التي  تمر بها الطبقتان المتوسطة والفقيرة في المغرب ترجع بالأساس للتضخم، الذي لم يعد ناتجًا عن أسباب خارجية، بل صار محليًا، حسب ما صرح به المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي.

يُلقي التضخم بحمله على غالبية الأسر المغربية، فرغم انخفاض معدل التضخم من 8.2 بالمائة إلى 7.1 بالمائة في شهر ماي الماضي، إلا أن القدرة الشرائية للمغاربة مازالت ضعيفة مع اقتراب عيد الأضحى.

إلغاء شعيرة ذبح الأضحية

اكتسح وسم #إلغاء_عيد_الأضحى مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب قبل شهر من حلول العيد، ونادى الكثيرون برفع حرج شراء الأُضحية هذه السنة لأن الوضع الاقتصادي لم يعد يسمح للأسر بإقامة سنة الذبيحة.

ردًا على هذه المطالب خرج رئيس الحكومة عزيز أخنوش، مُحاولًا طمأنة الشعب المغربي بأن الحكومة ستستورد الأغنام وقد استوردت بالفعل 30 ألفًا من رؤوس الأبقار لتوفير اللحوم، مؤكدًا على أن شعيرة عيد الأضحى لهذه السنة قائمة ولن تُلغى.

سُمية، أستاذة في إحدى المدارس الخصوصية بمدينة طنجة وأم لأربعة من البنين والبنات، كبراهم تبلغ 22 سنة. تحكي عن معاناتها بسبب الظروف المادية الصعبة التي تعيشها معظم الأسرالمغربية فتقول: "منذ جائحة كورونا إلى الأزمة، ثم ضياع المحاصيل بسبب الجفاف واستبدالها بالمستوردة غير النافعة، صرنا نكتفي بشراء الخضراوات ولا نستطيع أن نشتري الفاكهة عندما يشتهيها الأولاد".

تصف وضعها المعيشي فتضيف: "صعوبة الظروف المعيشية بدأت تتجلى أكثر في رمضان، حين بدأت أسعار الخضراوات واللحوم ترتفع بشكل صاروخي، ومن المعروف أن شهر رمضان تصرف فيه الأسر المغربية أكثر من المعتاد، وتلاها عيد الفطر الذي يتطلب مصروفات أكثر خاصة أننا نسافر لقضاء العيد مع العائلة في مدينة مكناس، وهاهو عيد الأضحى يصل ومازال ثقل المصاريف التي صرفناها بين رمضان وعيد الفطر تُتعبنا".

حن
(GETTY)

وتضيف: "مع اقتراب عيد الأضحى تكثر لوازم هذه المناسبة، لكن أبسط الحاجيات صارت غالية الثمن، بالرغم من أننا نعتمد على راتبين في البيت. خيرني زوجي بين شراء الأضحية أو السفر لقضاء هذه المناسبة مع العائلة، فشراء خروف يكفي أسرتنا بـ 3500 درهم أي ما يعادل 350 دولارًا ليس بالأمر السهل، لأن تحقيق الأمرين معًا مُكلف جدًا بالنظر إلى الغلاء الذي نعيشه فيه".

تشرح عن قرار وزجها باقتناء أضحية العيد:" لو أن الأمر عائد لي لاخترت عدم شراء الأضحية، ولاتفقت مع باقي ساكني العمارة والعمارة المجاورة على العزوف عن الشراء لتفهم الحكومة أن الشعب المغربي لم يعد قادرًا على تحمل الأسعار الباهضة، خاصة وأننا لن نخالف الشرع في شيء فذبيحة عيد الأضحى سُنة مؤكدة وليست بفرض واجب. لكن زوجي يقول:’ كيف نحرم أطفالنا من فرحة العيد’ خاصة أن ابني ذو الخمسة عشرعامًا طلب مني أن نشتري خروفًا مغربيًا وليس مستوردًا، وهو ما قرر زوجي فعله، لكننا ننتظر اليوم الذي يسبق العيد طمعًا في انخفاض الأسعار قليلًا، وقد قرر تأجيل دفع الفواتير الأساسية كالماء والكهرباء والأنترنت، والاقتراض من أجل شراء الخروف والاحتفال بعيد الأضحى كما نفعل في كل عام".

تختم سمية: " الأسعار تتصاعد والأجور باقية على حالها.. الله ياخذ فيهم الحق".

غلاء يتجاوز العيد

قبل أيام من عيد الأضحى، أحيت الجبهة الاجتماعية ذكرى انتفاضة 20 يونيو أو ما يُعرف بانتفاضة "شهداء الكوميرا" في سنة 1981 التي ذهب ضحيتها قتلى بسبب انتفاضتهم على غلاء المعيشة، تزامنًا مع الإضراب العام الذي دعت إليه الكونفدرالية المغربية الديمقراطية للشغل. وخرج متظاهرون في العاصمة الرباط والدارالبيضاء وفاس وطنجة ووجدة وبني ملال وخنيفرة ومراكش وآسفي  تلبية لدعوة "الجبهة الاجتماعية المغربية" في وقفات احتجاج على ارتفاع أسعار مواد الغذاء الأساسية، والمحروقات وانهيار القدرة الشرائية لجُل المغاربة.

بالرغم من أن الحكومة استطاعت من خلال استيراد الماشية أن تغطي على زيادة الطلب برفع العرض إلا أنها لم تستجب بشكل فعال لمطالب تسقيف الأسعار التي ترتفع بين الليلة وضحاها.

مخت

يقول الباحث في الاقتصاد بدر زاهر الأزرق في هذا الصدد:"عيد الأضحى يأتي هذه السنة في ظرفية استثنائية، التضخم وارتفاع الأسعار يلقيان بظلالهما على القدرة الشرائية للمغاربة، إضافة إلى الجفاف الذي ضرب المغرب السنة الماضية، والذي أثرعلى الفلاحة المغربية التي عرفت تراجعًا في إنتاج الحبوب وأعلاف الاستهلاك الحيواني، ما جعل حجم القطيع يتراجع بحدة، والذي أدى إلى قلة العرض وكان سببًا أيضًا في ارتفاع أسعار اللحوم التي بلغت أسعارًا قياسية، إذ تشير أسعار الأضاحي إلى أنها ارتفعت بنسبة 100 إلى 150 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية.

ويضيف: "تبلغ أسعارالماشية 5000درهم أي ما يعادل 500 دولار وهو سعر مرتفع بالمقارنة مع مداخيل الأسر المغربية، وستبقى الأسعار مرتفعة بالنسبة للقدرة الشرائية رغم عمليات الاستيراد من بعض الدول الأوروبية لتدعيم العرض. السبب في الوضعية الاقتصادية لعيد الأضحى بالمغرب هي الشبكة الكلاسيكية الموسومة بتعدد المضاربين وتعدد المتدخلين، والتي تدفع إلى استمرار ارتفاع أسعار الأضاحي، إذ كان على الدولة التدخل أيضًا لتقليص عدد المضاربين للتحكم بالسوق، ودعم العلف".