مع اقتراب عيد الأضحى وككل سنة، يستحضر المغاربة ذكريات مرتبطة بحدث كان له أثر على المجتمع، وذلك بعدما قرر الملك الراحل، الحسن الثاني، وبصفته "أميرًا للمؤمنين"، وأعلى سلطة في البلاد، منع شعيرة عيد الأضحى بشكل رسمي، في ثلاثة تواريخ ولأسباب مختلفة.
واجهت قدسية "العيد الكبير" لدى المغاربة، ثلاث قرارات برفض الاحتفال فيها بالأضحيات، وذلك خلال عهد الملك الحسن الثاني
عيد الأضحى عند المغاربة، مثل كل المسلمين، مناسبة معظّمة ومقدسة، وقد اختار أهل البلد له اسم "العيد الكبير"، لما له من حمولات دينية متمثلة في إحياء سنة النبي إبراهيم، وأيضًا لمكانته الاجتماعية، فحتى الأسر الأكثر فقرًا تسعى جاهدة لتوفير ثمن الأضحية.
ورغم هذه المكانة للعيد الكبير عند المغاربة، صدرت قرارات القصر في زمن مضى، بعدم الاحتفال به، فاستجاب من استجاب، واختار البعض التضحية سرًا.
1. حرب الرمال
في عام 1963، وبعد نحو سنتين من توليه حكم البلاد، ونحو عام من استقلال الجزائر، اندلعت ما تعرف بـ"حرب الرمال" بين الجارتين، بسبب خلافات على الحدود.
كانت لهذه الحرب التي انتهت بقرار وقف إطلاق النار عام 1964، آثار اقتصادية وخيمة، دفعت إلى التقشف، الذي ارتأى القصر أن من ضمنه إلغاء الأضحية.
2. الجفاف الأول
المرة الثانية لإلغاء الأضاحي في المغرب كانت عام 1981، بقرار من الحسن الثاني أيضًا، وذلك تحت ذريعة موجة الجفاف التي ضربت البلاد، وتسببت في كارثة غذائية.
لكن هذه المرة، لم تمر مرور الكرام مع المغاربة الذين أعياهم الجفاف أصلًا وسوء التغذية، فحصلت حالات تمرد عليه، حتى قام مجهولون بذبح كبشين وتعليق جثتيهما على واجهة مبنى بمدينة كلميمة جنوب شرق المغرب، مرفوقة بشعارات تعارض الملك وقراراته.
أدى ذلك التمرد الرمزي إلى اعتقال وتعذيب عدد من السكان، في واحدة من أشهر القضايا المرتبطة بسنوات الجمر والرصاص في المغرب.
3. سنوات عجاف
المرة الثالثة كانت عام 1996، مع استمرار موجات الجفاف التي بدأت تعرفها البلاد منذ أربعينات القرن الماضي.
خرج وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية آنذاك، الراحل عبد الكبير العلوي المدغري، ليتلو خطابًا مقتضبًا بالنيابة عن الملك الحسن الثاني، يُخبر من خلاله الشعب المغربي قرارًا بإلغاء ذبح الأضحية بسبب سنوات الجفاف.
وزير الأوقاف قال في رسالة الملك للشعب، إن "سنوات الجفاف التي مرّت بالمغرب، خاصة عام 1995، تدفع إلى قرار إلغاء الأضاحي، لأن ذبح الأضحية سنة مؤكدة، لكن إقامتها في هذه الظروف الصعبة من شأنه أن يتسبب في ضرر محقق".
وتابع المتحدث أن "ذبح الأضاحي سيؤثر على مخزون المغرب منها، زيادة على ما سيطرأ على أسعارها من ارتفاع يضر بالغالبية العظمى من أبناء الشعب المغربي، لا سيما ذوي الدخل المحدود"، وقرّر الملك ذبح كبش نيابة عن جميع المغاربة.
امتثل الغالية لقرار العاهل المغربي في تسعينات القرن الماضي، فاتجهت الأسر لشراء بعض الكيلوغرامات من اللحم وطبخها بطريقة غير الشواء كي لا يبعث اللحم رائحة تشكك السلطات، بينما ضحّى آخرون سرًا.
التمرد والذبح سرًا
في فترة التي حكم فيها الحسن الثاني المغرب، وجد المغاربة أنفسهم ثلاث مرات مخيرين بين طاعة "أمير المؤمنين" والتخلي عن أضحية العيد، وبين الذبح سرًا خوفًا من "المخزن".
ورغم أنه يحمل لقب "أمير المؤمنين"، إلا أن قراراته ووجهت برفض صريح أو ضمني من طرف الشعب المغربي، فلجأ الكثيرون للذبح سرًا، أو انتفضوا على القرار كما حدث في 1981.
وكان أعوان السلطة في سنوات منع الأضاحي، يتعقبون المنازل التي تنبعث منها رائحة الشواء، بل ويفتشون حاويات الأزبال بحثًا عن بقايا أضاحي لإنزال العقاب بأصحابها.
قرار منع الأضحية في عام 1981، ووجه برفض وتمرد شعبي، أفضى لمزيد من الاعتقالات والتعذيب للرافضين
ومع التمرد الحاصل في 1981، كان المتمردون على قرار الحسن الثاني، يخافون الوشاية ممن حولهم، في الوقت الذي اختارت فيه بعض الأسر السفر إلى القرى ليعيدوا ويضحوا بعيدًا عن أعين المتربصين.