09-سبتمبر-2017

ينتظر داعش معركة مصيرية في دير الزور (جورج أورفاليان/ أ.ف.ب)

أعلن النظام السوري منتصف الأسبوع الماضي، فك الحصار المفروض من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مقاتليه في مدينة دير الزور شرقي سوريا، بعد ثلاثة سنوات، قاطعًا الطريق أمام الفصائل المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، والتي كانت لها محاولات خلال الأشهر الماضية، انطلاقًا من قاعدة التنف العسكرية، على المثلث الحدودي مع العراق والأردن.

دير الزور.. رحلة داعش من الصعود إلى الانهيار

تبدو قصة محافظة دير الزور المحاذية للحدود العراقية مختلفة عن معاقل التنظيم الرئيسية التي سقطت مؤخرًا، إذ شكلت المدينة مصدرًا ماليًا هامًا ساعده على تمويل عملياته العسكرية بسبب تواجد غالبية آبار النفط في ريفها الشرقي، والتي تعد من أهم المخزونات النفطية في سوريا، ولم يكن العرض العسكري الذي استعرض خلاله قوته في مدينة الرقة، وخروج زعيم التنظيم أبي بكر البغدادي، بجامع النوري في الموصل العراقية، إلا تمويهًا عن المحافظة التي أصبحت معقل عشرات القياديين.

تختلف دير الزور عن باقي معاقل التنظيم التي فقدها، لأنها تمثل مصدرًا ماليًا هامًا له بسبب تواجد غالبية آبار النفط فيها

ومع نهاية تموز/يوليو 2014، كان التنظيم قد سيطر على 95% من المدينة فضلًا عن أطراف المحافظة، وفرضَ على قوات الأسد مع المدنيين فيها حصارًا خانقًا، وبالفعل انحسرت مناطق النظام السوري فيها منذ تلك الفترة لثلاثة أحياء ومطارها العسكري مع اللواء 137، ما ساعده على ربط مناطق نفوذه بين الدولتين الجارتين، ومُعلنًا إنهاء عهد اتفاقية سايكس بيكو. يومها قال الرجل الثاني في التنظيم، أبي محمد العدناني: "ما بعد إزالة هذه الحدود؛ حدود الذل! وكسر هذا الصنم؛ صنم الوطنية، إلا خلافة على منهاج النبوّة، إن شاء الله تبارك وتعالى، تحقيقًا لا تعليقًا"، لكنه قُتل قبل أن يشهد انهيار "دولة الخلافة"، مع غالبية مؤسسي التنظيم المتشدد.

اقرأ/ي أيضًا: قصة داعش.. "تمدد" سريع وانحسار مُكلف و"بقاءٌ" محتمل

وتحولت المحافظة مع انحسار نفوذ التنظيم في العراق وسوريا، معقلًا لقادة الصف الأول، وأصبحت آخر الأماكن التي يُعتقد أن البغدادي يتوارى فيها عن الأنظار، في منطقة نائية بوادي الفرات، لا يستخدم وسائل التواصل الحديثة، وإنما يعتمد في نقل رسائله على وسطاء سريين.

أصبح من الصعب حاليًا بالنسبة للتنظيم المتشدد في ظل انهيار دفاعاته أمام الضربات الجوية المكثفة التي تشنها مقاتلات روسية لدعم قوات الأسد، ومع المليشيات الأجنبية على الأرض؛ أن يتفادى قيادييه موجات الاعتقال الناجمة عن إنزالات التحالف الجوية، ومن المتوقع أن تشهد المحافظة في وقت لاحق اشتباكات ستكون الأعنف منذ انطلاق العمليات العسكرية من أطراف دولية مختلفة ضد التنظيم.

فك الحصار عن قوات الأسد في دير الزور

ويوم الثلاثاء الماضي، أعلن النظام السوري رسميًا، فك الحصار عن مقاتليه والمليشيات المحلية في مدينة دير الزور، بعد وصول قواته إلى بوابة اللواء 137، الذي يعتبر صلة الوصل بين مناطقه المحاصرة وخارجها. وبث تسجيل مصور أول أمس الخميس، يُظهر دخول أول قافلة مساعدات إلى مناطق النظام منذ ثلاثة سنوات، وواحد آخر لزيارة وزير دفاع النظام السوري، فهد جاسم الفريج، لقوات الأسد في المدينة.

وخلال الشهرين الماضيين، استطاع النظام السوري أن يحقق تقدمًا هامًا في عمق البادية السورية، تحت غطاء جوي وفرته روسيا للمقاتلين على الأرض، في معارك خسر فيها التنظيم مساحات واسعة، كما أن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) باتت تسيطر على أكثر من 70% من مدينة الرقة، في حين قالت وزارة الدفاع الروسية، إن أربعة قياديين من الصف الأول للتنظيم، لقوا حتفهم في غارة جوية استهدفت اجتماعًا لهم في محيط المدينة.

التحالف الدولي يبحث عن مكان له في دير الزور

لكن التقدم الأخير للنظام السوري بالاشتراك مع المليشيات الإيرانية، يصطدم بمحاولات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، قطع الطريق على طهران لتحقيق طموحها بالسيطرة على طريق "بغداد – دمشق" السريع، لربطه مع جنوب لبنان حيث حزب الله، إذ إنه يعيق تنفيذ الاتفاق الأخير المرتبط بخروج مقاتلي داعش من جرود عرسال إلى مدينة البوكمال، باستهداف القافلة في عمق الصحراء السورية على بعد أكثر من 200 شمال المدينة.

كما أن التحالف بدأ خلال الأيام الأخيرة، بتكثيف عمليات الإنزال الجوي بغرض سحب عملائه المتغلغلين داخل التنظيم أو اعتقال قيادات منه، وهو ما أسفرت عنه عملية الإنزال، يوم الخميس الماضي، باعتقال أمير المالية للتنظيم في حقل التيم النفطي، وفق ما نقل موقع "فرات بوست" المختص بنقل الأخبار من داخل مناطق التنظيم في شرق سوريا.

يتزامن الهجوم على دير الزور مع توتر العلاقات بين موسكو وواشنطن، ما قد يُؤثر سلبًا على جهود القضاء على داعش

إلا أن عمليات الإنزال الأخيرة لم ترضى عنها موسكو، إذ اتهم مسؤول عسكري، التحالف الدولي، بالتعاون مع قياديين في داعش جرى إجلاءهم، "من أجل استخدام خبرتهم في الجبهات الأخرى".

اقرأ/ي أيضًا: روسيا تهدد الأمريكيين من سوريا

ويزامن الهجوم على دير الزور، التوتر في العلاقات الدبلوماسية بين موسكو وواشنطن، الأمر الذي قد يؤثر سلبًا على الجهود الدولية الرامية للقضاء على داعش، وبات من المحتمل أن يكون هناك تصادم على الأرض بين الطرفين، في حال قرر التحالف دفع قسد للمشاركة في معارك دير الزور، وهو ما لن يلقَ موافقة إيران بالمقام الأول لأنه بذلك يقوض آمال توسيع نفوذها الإقليمي.

 ماذا عن داعش؟

يبدو أن تنظيم داعش يعي جيدًا أن معركة دير الزور ستكون من أعنف المعارك التي يخوضها، فهي إلى جانب تواجد آلاف العناصر وغالبية القياديين فيها، أضحت أخر معاقله الكبرى، وبخسارتها تكون تعويذة التنظيم الذي لا يقهر قد أبطلت، فهو لأول مرة أعلن النفير العام رسميًا، لمن تتراوح أعمارهم ما بين 20 و30 عامًا، وهدد بتعرض الفارين من النفير، بالعقوبة، على أن يتم إرسالهم بعدها لجبهات القتال، ما يدل على أن التنظيم يحاول حشد أكبر عدد من المقاتلين في محاولة منه للمحافظة على مناطق يستطيع المناورة فيها.

ولم يكن النظام السوري ليستطيع لوحده رغم الدعم الإيراني غير المحدود، استعادة كل هذه المساحة في عمق الصحراء، لولا الغطاء الجوي الروسي الكثيف، ويرجع سبب عدم الحديث عن الكثافة النارية جوًا، كونها تستهدف مناطق تحت سيطرة داعش، وتاليًا النظام السوري يقودها بدون التنسيق مع جهات دولية تقاتل ضمن التحالف، تاركًا لموسكو مسؤولية التنسيق كونها القوة الدولية الوحيدة الداعمة له.

من جانبه يحاول داعش أن يعيد تنظيم صفوفه على غرار ما حصل بين عامي 2009 و2012، حين انهزمت نواته الأولى على يد القوات العراقية، لكن الحال يبدو اليوم مختلفًا بسبب المتغيرات السياسية، فقد استغل لصالحه عام 2012 حيث موجات الربيع العربي، ونضال الشعوب في سبيل تحقيق التحول الديمقراطي في المنطقة، ففي الوقت الذي كان المجتمع الدولي منشغلًا بالاحتجاجات الشعبية في الدول العربية، قام ببناء قوته العسكرية مجددًا ما أوصله لعز قوته.

وعلى الأغلب فإن التنظيم يراهن على استراتيجية الصمود التي اتبعها سابقًا، حتى يعيد بناء قوته العسكرية، لكن حجم الخسائر التي تكبدها تجعل مقاتليه يعيدون النظر في مكسب قتالهم إلى جانب التنظيم، في الوقت الذي تشير فيه كافة المعطيات –رغم عنف معركة دير الزور– إلى زواله قريبًا، وهو السبب المرجح لتسليم 113 مقاتلًا أنفسهم لقوات النظام، وهم من المقاتلين العائدين مع قافلة جرود عرسال.

ويُلاحظ أنه منذ خسارة التنظيم للقياديين المؤسسين، أصبحت عملياته العسكرية أقل تنظيمًا، ما أثر سلبيًا على مقاومته التي كانت ترعب الإعلام الغربي، وهو لا يزال يملك تواصلًا مع مناصريه أو عناصر في الدول الغربية، إضافة للتقارير الغربية التي حذرت من تنفيذ الجهاديين العائدين من سوريا والعراق هجمات مماثلة لتلك التي تعرضت لها أوروبا خلال العامين الماضيين.

 من يكسب السباق؟

في الوقت الذي يحاول داعش فيه تجنب الانهيار الأخير، يدخل الصراع الأمريكي الإيراني على دير الزور، مرحلة الذروة، كون واشنطن تصطدم بدعم موسكو للعملية العسكرية في شرق سوريا، وبالتالي فإن طموحات واشنطن قد تقف عند القضاء على التنظيم في الرقة، وهي التي قدمت في وقت سابق تنازل عندما طلبت من مقاتلي الفصائل التي تدعمها، الانسحاب من البادية السورية إلى داخل الأردن، في تبدل لموقفها بعد أن كانت تُعدّهم لبدء معركة دير الزور.

يبدو أن فرص التحالف الدولي في الوقوف بوجه طموحات إيران التوسعية، قد تضاءلت على خلفية ما شهدته ساحة المعارك من تطورات أخيرة

وتؤكد التطورات الأخيرة أن النظام السوري حقق تقدمًا مهمًا بكسره الحصار عن مقاتليه، وأصبح بالتالي يملك طريق إمداد بري من مدينة تدمر، مرورًا بالسخنة في عمق البادية، وصولًا إلى أطراف دير الزور، وبات قريبًا من استعادة السيطرة على ريف السلمية الشرقي بريف حماة أخر معاقل التنظيم في المنطقة بفرضه حصارًا كاملًا عليها.

اقرأ/ي أيضًا: هل نشهد حربًا أمريكية على إيران قريبًا؟

وعليه فإن التحالف الدولي بات يملك فرصًا قليلة للوقوف في وجوه طموحات إيران التوسعية، لذا فإن معركة دير الزور من المتوقع أن تشهد خلال الأيام القادمة مشاركًة من قسد، والذي ستعمل إيران على منع حدوثه مستفيدًة من الغطاء الجوي، غير أن السؤال الأهم الذي يبقى مفتوحًا حول مدى الجدية في القضاء على التنظيم، وإن كان يمكن في الأساس القضاء عليه بعد أن قام بتأسيس شبكة أنفاق تساعده على التخفي لفترة زمنية معقولة مستفيدًا من السنوات الماضية التي قضاها في المنطقة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الصراع على الشرق السوري.. حرب الوكالة المعلنة

داعش من "الدولة" إلى العصابة.. انحسارٌ مركزي وتمدد شبكي