11-أكتوبر-2016

اثناء زيارة الملك سلمان لمصر (أ.ف.ب)

يظن العديد بأن البرود الذي تعيشه العلاقات المصرية السعودية طيلة الفترة الجارية هو مؤشر لانتهاء التحالف بين البلدين، حتى ذهب البعض فيما ذهب إلى أن العربية السعودية قرّرت رفع الغطاء السياسي والمالي عن نظام السيسي، وهو تمنّي تصدّه أسس أكثر تجذرًا وتعقيدًا في العلاقات بينهما. وإن كان يمكن القول ببعض المغامرة إن شهر العسل قد انتهى، فإن الزيجة "الاستراتيجية" متواصلة في كل الحالات، فيما قد لا يكون الحاصل إلا جولة ابتزاز جديدة من صاحب فكرة الفكة لأهل "الرزّ".

يجب الوعي أساسًا بأن تعامل السيسي منذ صعوده بعد الانقلاب يجب مقاربته، وذلك من قبيل التدقيق لا الهزل، من زاوية أن الرجل هو أقرب منه لصاحب عزبة لا يمانع في توسيع مساحة "البيع والشراء" من رئيس دولة.

السيسي أقرب لصاحب عزبة لا يمانع في توسيع مساحة "البيع والشراء" منه إلى رئيس دولة

ولعلّ إهداء جزيرتى تيران وصنافير للعربية السعودية وأخيرًا القرار الجمهوري بمعاملة ملك البحرين معاملة المصريين في تملك أراضٍ في سيناء لحسابه الشخصي وليس لحساب دولة البحرين، هما المؤشران الأكثر تعبيرًا عن سقف تعامل السيسي الذي لا يزال يغرق نظامه مع تصاعد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وحينما تحدث الرجل عن "الرز" في تسريب صوتي، فهو فعلًا يقارب علاقاته مع الخليج من هذا المنطلق.

قررت العربية السعودية مؤخرًا ترشيد نفقاتها بشكل فارق في تاريخها، وهو ما يعني بالضرورة تقليل حجم المساعدات المالية للنظام المصري، ولعلّ مؤشرها في ذلك هو إعلان شركة أرامكو بتعليق تقديم المساعدات البترولية الشهرية لمصر منذ بداية الشهر الجاري أي قبل حتى تصويت المندوب المصري لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن، ليكون الثاني هو أقرب لردّة الفعل وليس العكس.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا قالت هيومان رايتس ووتش عن سجن العقرب؟

في الواقع وتجاوزًا للمسألة الاقتصادية في ذاتها، مثل صعود الملك سلمان أولى مؤشرات لإمكانية تراجع الانخراط السعودي في الدعم المطلق للنظام المصري، وذلك من منطلقات قالها محللون سعوديون قريبون من البلاط الملكي: وهي أن النظام المصري يغرف كثيرًا ولكنه يغرق، وبالتالي سيمثل عبئًا على السعوديين، وعليه وجب كبح مدى الانخراط وعدم التورط أكثر معه.

ولعله من المهم في هذا الجانب استذكار سبّ المذيع "الواد" مجدي الحسيني، الذي يتلقى تعليماته مباشرة من اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي بحسب تسريب صوتي، للملك سلمان في وقت سابق ونعته بـ"الخرف" إضافة لنقد عملية عاصفة الحزم السعودية في اليمن، فيما بدا حينها هجوم موجّه.

المشكلة التي يواجهها السيسي حاليًا أنه يختنق بسبب الأزمة المتصاعدة في البلاد، ولم يعد يكفي وضع بيضه في سلة واحدة ربما لن توفر المردود المطلوب للتغطية عليه. وهو يعلم أن الدعم السخي الذي تلقاه من العربية السعودية تقابله مواقف وهو قد قام بما عليه بالنسبة له منذ أن أعطى وعده الشهير "مسافة السكة".

غير أن ضرورة "الانفتاح" على الروس الذي يتوازى مع الانسحاب المحسوب للولايات المتحدة، هو من قبيل الأمر المفروض، ولذلك صوّر الإعلام المصري زيارة السيسي لموسكو فيما مضى بأنها فتح مبين ورسالة موجهة للأمريكان بأن مصر "سيدة نفسها"، وهو قول يستبطن الارتهان لها.

ولعله من المهم الإشارة إلى أن الحديث بأن مصر "سيدة نفسها" عاد بقوة في الفترة الحالية من إعلاميي النظام على ضوء البرود في العلاقات مع العربية السعودية. ويستلزم التوجه نحو الروس مواقف "حسن نوايا"، ولذلك صوتت مصر للقرار الروسي وكذلك للقرار الفرنسي، وكأن لسان حال النظام يقول بالعامية المصرية "أنا راشق في أي مصلحة".

تجني اليوم السعودية ثمن دعمها المفتوح لنظام السيسي منذ انقلابه، المتقلب بدوره معها أيضًا

يبتز السيسي حاليًا المملكة العربية السعودية لأنه يعلم أنها لا يمكن لها أن ترفع الغطاء عنه وإلا سيكون أمامها خياران سيئان بالنسبة لها، الأول أن تخرج مصر من المظلة الخليجية إقليميًا، والثاني أن يغرق النظام وتذهب أموال الدعم "هباء" وهو ما يجعل السيسي مستعدًا للقيام بأي شيء لمنع ذلك.

قد يسأل أحدهم أما لصبر السعوديين حدود؟ ربما ولكن في مصر لا خيار لهم إلا البقاء إلى جانب النظام رغم مشاكساته بين الحين والآخر. لذلك لا يتعلق الأمر بمراجعة خيار سواء بالنسبة لهم أو كذلك بالنسبة للسيسي بل بتحديد السقف، وعليه هما يعلمان أنهما بحاجة إلى عقد تسوية تعديلية تتضمن حزمة جديدة لواجبات كل طرف تجاه الآخر.

هم يعلمون ما يريد وهو يعلم ما يريدون، وبين هذا وذاك، هناك سقف يجب أن يتم تحديده من جديد. ومع ما يعيشه السعوديون حاليًا من مزيد من التخبط في اليمن وتراجع تأثيرهم في سوريا بالتوازي مع تغوّل الدور الإيراني في المنطقة، قد لا يرون فيما يفعله نظام السيسي حاليًا إلا صداع يجب التعامل معه بسرعة لأن هناك "ما هو أهمّ"، وإن كان العنصر المالي في ذاته بات محلّ حساب بالنسبة للعربية السعودية.

اقرأ/ي أيضًا:
ما قد يخبرنا به نمر الغابة عن الهجرة غير الشرعية
حرب باردة في مجلس الأمن حول حلب.. ومصر مع الجميع