28-أغسطس-2016

السيسي مع الملك سلمان خلال زيارة الأخير للقاهرة (Getty)

التقرير التالي ترجمة لتقرير "معهد دراسات دول الخليج في واشنطن"، والذي يتحدث عن المأزق الحاصل لدول الخليج ودعمها للنظام المصري الحالي.

تغيرت الظروف منذ 2013، بالنسبة إلى كلٍ من دول الخليج ومصر. انخفضت أسعار النفط بشدة في أواخر عام 2014، ما عرَّض جميع دول الخليج لعجز مالي

__

إذا كان يمكن الحكم من التجربة، فإن إدارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للاقتصاد المصري على وشك دخول مرحلةٍ حرجة. يدرك السيسي الآن أن الشعب المصري هو الوحيد القادر على القيام بإصلاحاتٍ سياسية ذات قيمة. في اعترافٍ واضح بأن الأمور لم تسر كما كان مخططًا لها، قال السيسي: "إن المقاتل لا يحارب وحده، ينبغي على الشعب أن يحارب معه".

اقرأ/ي أيضًا: لماذا دخلت تركيا إلى الحرب السورية

سعت مصر أخيرًا إلى اتفاقية قرض مع صندوق النقد الدولي، بعد أشهرٍ من التفكير بالتمني في أن دول الخليج سوف تفي بـ وتمدد الأموال التي وعدت بها في 2013، عقب وصول السيسي إلى السلطة وإزاحة محمد مرسي من الرئاسة. تغيرت الظروف منذ 2013، بالنسبة إلى كلٍ من دول الخليج ومصر. انخفضت أسعار النفط بشدة في أواخر عام 2014 وفشلت في العودة إلى سابق مستوياتها منذ ذلك الحين، ما عرَّض جميع دول مجلس التعاون الخليجي إلى عجوزاتٍ مالية.

مساعدات-الخليج.png

فشلت مصر في تطبيقٍ إصلاحاتٍ ذات قيمة على الدعم، أو جذب الاستثمار الأجنبي. لم يتم الوفاء بالاستثمار في تنمية الإسكان والبنية التحتية الذي وعدت به دول الخليج خلال مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الذي كان يسوده التفاؤل الشديد في مارس 2015. ضرب الإرهاب قطاع السياحة، ولم تتحقق أغلب الاستثمارات المقترحة بمؤتمر شرم الشيخ، بما فيها خطة العاصمة الجديدة. حسب مجلة الإيكونومست، فإن التضخم السنوي يبلغ 14% ويرتفع، وبطالة الشباب تبلغ 40%.

تقترب مصر من نقطة انهيار وقد يتضح أن تحول اعتمادها على الخليج إلى الولايات المتحدة والمقرضين الدوليين كان على درجةٍ خطيرة من سوء التقدير. بعد 2013، اعتمدت مصر بشدة على المانحين الخليجيين وأجلت تقديم طلباتٍ إلى المؤسسات المالية الدولية للحصول على قروض. في الواقع فإن المساعدات والمنح الخليجية إلى مصر (والعديد من الدول المستوردة للنفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) قد حلت محل المؤسسات المالية الدولية بصورةٍ كبيرة.

المشكلة في الاعتماد على دول الخليج هو أن الصحة المالية لمصر تأتي في الأولوية الثانية بالنسبة للصحة المالية لها في وقتٍ تنخفض فيه الإيرادات، على عكس البنوك والمنظمات الدولية. للخروج من موقفها الاقتصادي الراهن، سوف تحتاج مصر (وتحديدًا السيسي) إلى إصلاح علاقاتها مع المانحين الغربيين والمؤسسات المالية الدولية، بالإضافة إلى الاستمرار في استرضاء الدول الخليجية المانحة وشركاء الاستثمار.

حصارٌ بين المقرضين

إحدى المشكلات هو أن الحصول على قرض صندوق النقد الدولي سوف يتطلب أن تتفاوض مصر على تمويلاتٍ إضافية من مصادر ثنائية، على الأرجح دول الخليج. الاحتياجات المالية لمصر هي ببساطة أكبر من أن يغطيها قرضٌ واحد.

مشكلة قرض صندوق النقد الدولي أنه سوف يتطلب أن تتفاوض مصر على تمويلات إضافية، الاحتياجات المالية لمصر هي ببساطة أكبر من أن يغطيها قرضٌ واحد.

وسع صندوق النقد الدولي قدرته الإقراضية حتى تصبح مصر مستحقة ليس فقط لاتفاقية مساعدة، حيث عادةً ما يتم رد المبالغ المستحقة في إطاراتٍ زمنية أقصر تتراوح مدتها بين ثلاث إلى خمس سنوات، ولكن أيضًا إلى تسهيل الصندوق الممدد، والذي سوف يمنح مصر وقتًا أطول لسداد الدين، يصل إلى 10 سنوات، وسوف يسمح بزيادة حجم الدين ليتجاوز المخصصات العادية في أحكام حقوق السحب بالصندوق. حسب تقريرٍ للمجموعة المالية هيرمس فإنه يتوقع أن يكون حجم قرض صندوق النقد الدولي حوالي 12 مليار دولار، رغم أن احتياجات مصر التمويلية في السنوات الثلاث القادمة تقترب من 21 مليار دولار.

اقرأ/ي أيضًا: درع الفرات..تحرك تركي لإفشال الانفصال الكردي

يُتوقع أن يُقرض البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي جزءًا من فجوة المليارات التسعة المتبقية، لكن دول الخليج يتم التواصل معها من أجل الحصول على ما يصل إلى 6 مليارات دولار. حتى الثالث والعشرين من أغسطس، أعلنت الإمارات العربية المتحدة عن وديعةٍ بقيمة مليار دولار (وإن كان البنك المركزي المصري لم يؤكد ذلك). يعد ذلك مبلغًا صغيرًا بالنسبة للودائع التي وضعتها دول الخليج عام 2013 بالإضافة إلى الاستثمارات والمساعدات العينية التي أعلن عنها. لم يتم تسليم 4 مليارات دولار وعدت بها الإمارات والسعودية منذ ثلاث سنوات.

إذا كانت دول الخليج قد أوفت بجميع وعودها لمصر بالمساعدة بين عامي 2013 و2016، هل كانت مصر لتكون في أزمتها المالية الحالية؟ الإجابة هي ربما نعم، وهذا هو سبب عدم وفاء دول الخليج بالودائع والاستثمارات المتوقعة. لقد اعتبروها أموالًا مهدرة (كما خلقت ميزانياتهم العمومية طلبًا داخليًا على الإنفاق أيضًا).

حتى إذا كانت المشاريع العقارية، ومن بينها إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، قد سارت كما كان مخططًا لها، فإنه ليس هناك الكثير من المشكلات على أنها كانت لتعالج مشكلات بطالة الشباب أو الطلب على إسكان محدودي الدخل. لم تكن مصالح المستثمر متفقة بالكامل مع أولويات السياسة العامة في أي وقت. أضف إلى ذلك حكومةً لم تكن مهتمة بالقضاء على قطاعٍ عام منتفخ ومصالح تجارية تابعة له، فإن فشل أجندة الإصلاح محتم.

حسب السيسي، يدير الجيش وهيئته الهندسية عمل أكثر من ألفي شركة قطاع خاص وعام في مخططات المشاريع العملاقة والاستثمار في البنية التحتية. يستمر عجز الدولة، والقوات المسلحة، على التخلي عن السيطرة على قوى السوق الكبيرة والصغيرة، ويضم ذلك سعر اللحم وتوفير المواد الغذائية، في خنق التعافي الاقتصادي.

لكن المؤسسات المالية الدولية ومجتمع المانحين لا ينجح دائمًا في عمله أيضًا. حل مجلس التعاون الخليجي محل دور المؤسسات المالية الدولية في مصر في الأعوام الثلاث الأخيرة.

يتضح تمامًا الآن الافتقار إلى الشَرطية على المساعدات والقروض وتطاير الدعم. علاوةً على ذلك، ربما لا تتفق مصالح دول الخليج في تطبيق أجنداتها التنموية الخاصة، باستقدام كيانات مرتبطة بدول الخليج للقيام بمشروعات الإنشاءات والبنية التحتية داخل مصر، مع الحاجات التنموية للمصريين على المدى الطويل. عندما لا تعد تلك المشروعات مربحة، أو تعاني الشركات نفسها من ضائقة، فإن أجندة التنمية تصبح ثانوية بالنسبة إلى احتياجات كلٍ من الدولة الخليجية والشركة.

الحسابات تتغير والعلاقات تتطور. لا تزال مصر مهمة للخليج، ولا تستطيع دول الخليج تحمل كلفة قيام ثورة في مصر، أو ببساطة سقوطٍ مالي حر. بينما تصبح دول الخليج أكثر اندماجًا في الاقتصاديات الإقليمية والدولية، فإنها أيضًا في حاجةٍ إلى أن تتعافي مصر.

استقرار مصر على المحك، حيث يوجد احتياجان أساسيان: يجب أن تجمع ما يصل إلى 5 مليار دولار من الخليج ويجب أن تنفذ حكومة السيسي شروط السياسات المتبقية من خلال البرلمان للانتهاء من اتفاق صندوق النقد الدولي.

أولى المهام هي جلب الاستقرار إلى قيمة الجنيه المصري المستمرة في الانخفاض. يتوقع المصرفيون تعويمًا أو خفضًا كبيرًا في الأسابيع القادمة. بعد ذلك، يجب أن تكون الحكومة قادرة على توليد الدخل داخليًا من خلال نظام ضريبي فعّال وخصخصة البنوك وشركات البترول المملوكة للدولة. عجزت حكومة السيسي حتى الآن عن فرض ضريبة قيمة مضافة أو إصلاحات لضريبة الدخل ذات قيمة، في السياسات وتنفيذها. يستمر قطاع السياحة في المعاناة، خاصةً مع استمرار حظر الطيران بين روسيا ومصر. كما تضررت كذلك التحويلات النقدية من الخليج، مع توجيه عمليات تسريح عمال قطاع الإنشاءات ضربة قوية للعمالة المصرية.

تعهدت دول الخليج، وخاصةً الإمارات، بالاستمرار في دعم مصر، لكن ليس إلى درجة دعمها عام 2013. لقد تغيرت أولوياتها مع تغير حجم مواردها. لكن المنطقة ذاتها متشابكة، واستقرار مصر سوف يكون له تبعاتٍ بالتأكيد على دول الخليج. إن من مصلحة دول الخليج الاستثمار في السلام والاستقرار بمصر.

السؤال هو كم سيكلف ذلك، وهل السيسي مديرٌ جدير بالثقة لذلك الاستثمار. هناك أيضًا فرصة أمام دول الخليج للعمل بالشراكة مع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي على تعافي مصر. قد تكون تلك عملية تعلم مهمة في تسليم وشفافية ومأسسة المساعدات الخليجية والاستثمار الأجنبي المباشر، ويخدم للتشجيع على تنسيقٍ أفضل بين دول مجلس التعاون الخليجي لتحقيق أهدافها الاقتصادية.