26-سبتمبر-2017

من مسرحية القرص الأصفر لربيع قشي

ورثت الجزائر ثمانية مسارح من الفترة الفرنسية، في مدن الجزائر العاصمة ووهران وسيدي بلعباس وتيزي وزو وقسنطينة وباتنة وعنابة وبجاية. ولم تُنجز خلال فترة الاستقلال كلها إلا مسارح مدن مستغانم والجلفة وأم البواقي والعلمة وسوق أهراس ومعسكر وبشار وأدرار وبسكرة وسعيدة، بعضها لم يباشر نشاطاته إلى غاية اليوم، وبعضها لم تنطلق أشغال إنجازه بعد.

في زمن البحبوحة المالية، التي أثمرها ارتفاع أسعار البترول كثرت إنتاجات المسارح الجزائرية

في زمن البحبوحة المالية، التي أثمرها ارتفاع أسعار البترول، ما بين عامي 2004 و2015، كثرت إنتاجات هذه المسارح، بغضّ النظر عن الجودة وعدالة الاهتمام بالفاعلين المسرحيين المختلفين، وتعددت المهرجانات المحلية والوطنية والعربية والعالمية التي أقامتها، وانتعشت الورشات والأيام التكوينية والملتقيات العلمية، وبات سائدًا أن المسرحي الجزائري لا يجد الوقت للعودة إلى بيته، فهو إما مشارك في مهرجان، وإما في جولة لتقديم عرض، وإما يتدرب في عمل جديد.

اقرأ/ي أيضًا: عيسى شوّاط.. الاستثمار في بلاغة الجسد

أفرز هذا الواقع، بعد سنوات بائسة من الركود واغتيال المسرحيين وهجرتهم والشحّ في الميزانية الحكومية، جيلًا جديدًا من المخرجين والممثلين والسينوغرافيين والموسيقيين وكتّاب النصّ والرّاقصين، استطاع أن يعطي إشاراتٍ إيجابيةً على واقع مسرحي جزائري جديد ومختلف.

مع موت عرّاب هذه المرحلة الفنان محمد بن قطّاف، الذي كان يدير "المسرح الوطني الجزائري"، ويوجّه معظم المهرجانات والنشاطات المسرحية، وإقالة وزيرة الثقافة خليدة تومي، التي كانت تسند ظهره حكوميًا، وهبوط أسعار النفط قبل سنتين، كان المسرح أول الحقول الثقافية والفنية التي مسّتها سياسة التقشّف، التي اعتمدها وزير الثقافة الحالي الكاتب عز الدين ميهوبي، حتى أن وجوهًا مسرحية قالت إن الأمر لا يتعلّق بقلة الموارد المالية، بدليل أن حقولًا فنية أخرى بقيت على قيد النبض، "بل هو انتقام سياسي من المسرح، الذي عرّى فساد المرحلة، في السنوات السابقة". كما ذهب إليه المخرج ربيع قشّي، الذي وظّف الكرسي المتحرّك في عمله المسرحي "القرص الأصفر"، الذي أنتجه مسرح حكومي، في إشارة إلى مرض الرئيس بوتفليقة.

يرصد الممثل بودشيش بوحجر مظاهر التقشف، التي باتت تطبع المشهد المسرحي الجزائري لـ"الترا صوت" بالقول: "اختفت بعض المهرجانات المسرحية، وتذبذب موعد تنظيم بعضها مع التخفيض في ميزانيتها، منها "المهرجان الوطني للمسرح المحترف". وتمّ التخلّي عن استضافة فرق ووجوه مسرحية أجنبية، والتقليص من عدد المسرحيات المنتجة، بل امتدّ التقليص إلى عدد الممثلين في المسرحية الواحدة، ونزلت مستحقات الفنانين إلى النصف وربما أكثر، وقلّ توزيع المسرحيات الجديدة على المدن والتجمّعات السكنية".

جعل هذا الواقع الجديد نبرة الاستنكار والاحتجاج والسخرية أقوى، في أوساط المسرحيين الجزائريين. كتب المخرج والممثل والسينوغرافي أحمد رزاق ساخرًا: "على الذين لهثوا حتى تعبوا من أجل منصب مدير مؤسسة مسرحية أن يدركوا أن المؤسسات الثقافية أفلست". يضيف: "إن الوزير محق في عدم تنصيبه مدراء لكثير من المسارح. ما الجدوى من ذلك ومعظمها أفلس، وسيغلق أبوابه مع مطلع السنة القادمة؟".

في الجزائر، اختفت بعض المهرجانات المسرحية، وتذبذب موعد تنظيم بعضها مع التخفيض في ميزانيتها

من جهته، قال الممثل والمخرج المسرحي مختار حسين، إن بناية المسرح الحكومي في مدينته معسكر، 400 كيلومتر إلى غرب الجزائر العاصمة، بقيت مجرد جدران، "ومن المفارقات المضحكة أنها تضمّ 38 عاملًا مقابل ممثل واحد، ولو حوّلت رواتب هؤلاء العاملين الإداريين إلى جمعية نشيطة، لقامت بإنتاج عروض بعدد شهور السّنة".

اقرأ/ي أيضًا: عبد الله بهلول.. أن تمارس المسرح وتدرسه

أما مسرحيو مدينة الجلفة، 300 كيلومتر جنوبًا، فقد وصل بهم الأمر إلى الدخول في اعتصام ثم في إضراب مفتوح، "احتجاجًا على الرداءة التي باتت تكرّسها إدارة المسرح، بحكم أنها لا تمتّ بصلة إلى الفن والفنانين"، بحسب الفنان سالم نفطي. يضيف: "كونك مسيّرًا ناجحًا في السّابق لمؤسسة أمنية أو تجارية، لا يعني كونك صالحًا لتسيير مؤسسة مسرحية. إذ هناك فرق بين أن تسيّر موظّفين وصفقات، وأن تسيّر مواهب ومشاريع ورهانات فنية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

عزّوز عبد القادر.. أن تسحب أفريقيا إلى المسرح

أيوب عمريش.. سندباد المسرح في الجزائر