21-مايو-2016

أيوب عمريش (ألترا صوت )

إذا كانت مجزرة "ساقية سيدي يوسف" التي امتزج فيها الدمان التونسي والجزائري، بقنابل طيران الاحتلال الفرنسي في الثامن فبراير/شباط 1958، تقدَّم على أنها اللحظة التاريخية المشتركة بين البلدين الجارين، ويتم الاحتفال بذكراها سنويًا، من غير أن ترقى إلى سوق ثقافية واقتصادية حرة، بحكم وقوعها على الحدود، فإننا نستطيع أن نعتبر التجربة المسرحية للفنان أيوب عمريش لحظة فنية مشتركة، يمكن للتونسيين والجزائريين التأسيس عليها لتجاوز شحهم غير المبرر في التبادل المسرحي.

التجربة المسرحية لأيوب عمريش لحظة مشتركة، يمكن للتونسيين والجزائريين التأسيس عليها لتجاوز شحهم في التبادل المسرحي

ولد الممثل والمخرج والناشط المسرحي أيوب عمريش عام 1958 لأم تونسية وأب جزائري نزح في ثلاثينيات القرن العشرين من منطقة القبائل الكبرى واستقر في منطقة قربة التونسية، والتي تعد عاصمة المسرح الهاوي، منها وفيها مر كبار المسرح التونسي منهم لمين النهدي والمنجي العوني وعبد القادر مقداد.

اقرأ/ي أيضًا: شوقي بوزيد يصرخ.. ماما أفريقيا

هذا المناخ المسرحي المنتعش حدّد الميل الفني للطفل أيوب مسبقًا، فانخرط عام 1969 في فرقة "نجوم المسرح" التي كان يديرها عبد العزيز خليل، وأطلق العنان لعطشه المسرحي ممارسة ودراسة، مما أهله لافتكاك جائزة أحسن ممثل في "المهرجان القومي للمسرح المدرسي" عام 1976، وجائزة أحسن ممثل في "المهرجان القومي لمسرح الهواة" عام 1978.

كونه حاملًا للجنسية الجزائرية اضطره في العام نفسه، إلى دخول الجزائر لأداء واجب الخدمة العسكرية، وحدث أن تم تعيينه في مدينة "سوق أهراس" غير بعيد عن تونس، فحمل معه هواجسه الفنية إلى الثكنة وتولى مهمة النشاط الثقافي داخلها، بالموازاة مع هروبه خلال نهايات الأسبوع إلى دار الشباب التي حملت اسم الرئيس هواري بومدين الراحل حديثًا يومها، وتأسيسه فرقة "نجوم المسرح" فيها، وفاء منه للفرقة التونسية التي احتضنت بداياته في منطقة قربة.

شغفه المسرحي وخلو المشهد يومها من المؤطرين، جعله يقوم بلملمة شتات الراغبين في ممارسة الفن الرابع، وتوزيعهم في العديد من المسرحيات رشحت إحداها للمشاركة في "المهرجان الوطني لمسرح الهواة" بمدينة مستغانم عام 1981. وهي السنة التي تقمص فيها روح السندباد، فباشر جملة من الرحلات إلى مدن جزائرية مختلفة أسس خلالها فرقًا وكوّن شبابًا.

منها رحلته إلى مدينة سعيدة، 500 كيلومتر غربًا، وتأسيسه فرقة "ثلاثي المسرح" بدار الشباب، حيث رشحت مسرحيتها الكوميدية "يا سلام على الفن" لمهرجان مستغانم عام 1985، ورحلته عام 1987 إلى مدينة ورقلة، 800 كيلومتر جنوبًا، وتأسيسه فرقة "دار الثقافة"، في عز حاجة المنطقة الصحراوية إلى يد مسرحية تُمدّ إلى شبابها المنسيين داخل حقول الغاز والبترول.

يلفت أيوب عمريش الانتباهَ إلى الطاقات الفنية التي بات الجيل الجديد من المسرحيين الجزائريين يتمتع بها

انتفض الشارع الجزائري عام 1988 مطالبًا بالحرية السياسية والحزبية والنقابية، ما دفع بالسلطة السياسية إلى فتح الأبواب واسعة بما يشبه الفوضى لذلك، وهو العام الذي شهد انتقال عمريش إلى مدينة المدية التي تبعد عن الجزائر العاصمة بمائة كيلومتر، وتأسيسه فرقة "نجوم المسرح" مرة أخرى بدار الثقافة، مقدمة العديد من الأعمال التي حاولت أن ترصد جملة الاختلالات الناجمة عن التحولات المرتجلة منها مسرحية "ظواهر".

اقرأ/ي أيضًا: مسرحية "الراحلة".. الألم بالجملة

لم يستسلم "سندباد المسرح"، مثله مثل عشرات المسرحيين الجزائريين، للإكراهات التي فرضها منطق العنف والإرهاب في تسعينيات القرن العشرين في الجزائر، وواصل سعيه إلى الانتصار لمنطق الحياة والفن، بتكوين الشباب وبعث النشاطات المسرحية، إلى أن عاد إلى مدينة سوق أهراس عام 1997 وتأسيسه فرقة مسرحية أخرى، بالموازاة مع تمثيله في العديد من الأفلام السينمائية منها "صديقتي أختي" لمحمد لبصير، وإخراج وكتابة أعمال جديدة للمسرح الجهوي للمدينة منها مسرحية "شاهد وشهيد".

يلفت عمريش الانتباهَ إلى الطاقات الفنية التي بات الجيل الجديد من المسرحيين الجزائريين يتمتع بها، رغم شح المنابر العاملة على ذلك، فالجزائر لا تتوفر إلا على معهد واحد للتكوين المسرحي يعرف هو الآخر إهمالات مختلفة، وينبّهه إلى جملة من العيوب فيه، يقول إنها قادرة على إجهاض روحه الإبداعية.

يقول لـ"الترا صوت": "أخطر هذه العيوب في الجيل الجديد تسرعه في إثبات نفسه. أعرف أن ضيق المضمار يخلق روح التسرع بالضرورة، لكن الهاجس الأكبر الذي يتعين على الفنان أن يتقمصه هو التكوين لا المنافسة، فما ضاع اسم وراءه مبدع حقيقي".

اقرأ/ي أيضًا:

غزة تسير حافية على "السجادة الحمراء"

عمر سليمان..أسعد شخص في العالم