16-يناير-2017

آلاف الأطفال في تجمعات سكنية جزائرية دون أي فضاء يلجؤون إليه للعب(إسماعيل مالكي/ألترا صوت)

تقول الأرقام إن عدد محافظات الجزائر 48 محافظةً، تضمّ 1541 بلديةً، على مساحة تقدّر بـ2.381.741 كيلومترًا مربّعًا، ويسكنها 40.4 مليون مواطن، كانون الثاني/يناير 2016، حسب تقديرات "الدّيوان الوطني للإحصاء"، ويعيش 94% منهم في المناطق الشمالية المشكلة لـ17% من المساحة الإجمالية للبلاد، ويُمثل السّكان الأقل من 15 عامًا نسبة 40%، أي حوالي 16 مليون طفل.

يتوفر في الجزائر التعليم المجاني في الأطوار الابتدائية والثّانوية لكن يفتقر البلد إلى ما يكفيه من حدائق ومساحات مخصصة للطفولة

هذا الرقم الذي يتفوّق على إجمالي السّكان، لثلثي الدّول العضوة في "هيئة الأمم المتحدة"، يجد مؤسساتٍ تربويةً تستقبله مجّانًا، في الأطوار التحضيرية والابتدائية والمتوسطة والثّانوية، إذ يُلزم القانون الجزائري الآباء بإلحاق أطفالهم البالغين سنّ السّادسة بالمدارس، لكنه يفتقر إلى ما يكفيه من حدائقَ ومساحاتٍ مخصّصةٍ للطفولة، ما عدا في مناطق محدودة.

اقرأ/ي أيضًا: لقاحات الأطفال القاتلة تهز قطاع الصحة في الجزائر

يذكر المستشار في التربية فارس لوماسين بعض مواصفات هذه المساحات: "أن تكون قريبة من التجمّعات السّكنية، وأن يكون وصول الأطفال إليها مشيًا أو على الدّرّاجات بعيدًا عن طرق المركبات الكبيرة، وأن تكون مساحتها قادرةً على استيعاب نشاط الطفل، وأن تبتعد ألعابها عن استعمال الكهرباء والحديد، وأن تتوفر على الصّرف الصّحي وبعض الأكشاك الضّامنة لخدمات يحتاجها الأطفال ومرافقوهم". يضيف: "يفترض أن نجد هذه المساحات في الأحياء السّكنية والمؤسسات التربوية والمستشفيات".

تتفاوت المدن الجزائرية في توفير هذه المساحات لأطفالها، كما تتفاوت في تحقيق المواصفات المذكورة في ما هو موجود منها، مع ملاحظة غيابها أكثر من وجودها. يقول المسرحي أمين قناديل لـ"ألترا صوت" إنه لا يفهم عدم التكامل بين المنظومات المعنية بالطفولة في هذا الباب، "ما معنى ألا تنسق مديريات الثقافة والرّياضة والتضامن والأسرة والشباب مع المجلس البلدي، لإقامة مساحة تستوعب حاجة الأطفال إلى أن يلعبوا وينطلقوا ويروّحوا عن أنفسهم؟". يضيف: "لطالما دخلت تجمعاتٍ سكنيةً يوجد فيها الآلاف من الأطفال، ولا يوجد فيها فضاء واحد يلجؤون إليه، ما عدا المدرسة والمسجد، وكأنهم ملزمون مثل الكبار، بأن يكونوا جديين ليل نهار".

وواصل المسرحي الجزائري، الذي ابتكر ألعابًا جديدة للأطفال تساؤلاته: "ماذا ننتظر من طفل لا نوفر له الفرص لأن يعبّر عن نفسه ومواهبه؟ لماذا نشكو من جرعة زائدة من العنف لدى الجيل الجديد، في الملاعب والمدارس والشوارع، من غير أن ننجز الفضاءات التي تمتصّ هذه النزعة العنيفة لديه؟ هل هؤلاء أطفال من لحم ودم وروح وعقل ورغبات، أم هم دمًى لا تتفاعل؟".

لماذا نشكو من جرعة زائدة من العنف لدى الجيل الجديد، في الملاعب والمدارس والشوارع، من غير أن ننجز الفضاءات التي تمتصّ هذه النزعة؟

اقرأ/ي أيضًا: كفالة الأيتام في الجزائر: أحلام الأطفال المبتورة

دخلنا حيًّا سكنيًا في مدينة بودواو، 38 كيلومترًا شرق الجزائر العاصمة، يضمّ 950 مسكنًا، فوجدنا أربع أرجوحات معطلة في السّاحة، سألنا عن ذلك، فقيل لنا إنها أنجزت بمبادرة من السّكان، لكنهم لم يقوموا بإصلاحها. يبدي أحد أعضاء لجنة الحي دهشته، "هل ستفلس البلدية إن هي أنجزت عددًا كافيًا من الأراجيح ذات النوعية المستعصية على التلف؟ لقد أنجزنا أربع أرجوحات بإمكانياتنا الخاصّة، وظهر أنها هشّة وغير آمنة". يواصل: "يفترض أن هناك قاعة خاصة باستقبال هؤلاء الأطفال، تتكامل مع المدرسة، في تمرير الرسائل التربوية، وتتكفل بالحاجة الطبيعية للّعب".

من جهته قال هشام محساس، أحد سكان الحي، إنه يأخذ ابنته إلى الجزائر العاصمة، بالنظر إلى توفر المساحات المخصّصة للأطفال هناك، "إذا احتسبنا تكلفة النقل وتكلفة الأكل وتكلفة تذاكر الدخول، فإن ما لا يقلّ عن 5000 دينار، ما يقارب 50 دولارًا أمريكيًا، لا تكفي لفسحة نصف يوم". يسأل: "لماذا تقوم بلدية ما بواجبها في هذا الباب، فيما تتقاعس أخرى؟ لقد جعل هذا الواقع نسبة كبيرة من الجزائريين تكبر محرومة من اللعب، لذلك فهم يزاحمون الصغار كلما وجدوا أنفسهم أمام أرجوحة، فما فسدت الأراجيح الأربع في حيّنا إلا بسبب استعمال الكبار لها".

ويشير الطفل كمال، 11 عامًا، من "مدرسة الهضبة" في المدينة، إلى مفارقة يراها غير منطقية، "من جهة يوصينا الجميع بعدم اللعب في الطرق والأرصفة، حتى لا نتعرّض للأذى، ومن جهة لا أحد يوفّر لنا الملاعب والمساحات الخاصّة بذلك". يضيف مرافقه عبد الكريم: "جعلنا من الأرض التي خلف العمارات ملعبًا لكرة القدم، غير أنها تكون موحلة طيلة فصل الشتاء، ممّا يضطرّنا إلى أن نقصد ملاعب أحياء أخرى، بكلّ ما يترتّب عن ذلك من مشاكل".

في الضّاحية الجنوبية لمدينة معسكر،400 كيلومتر غربًا، أجّرت البلدية الغابة لأحد المستثمرين الخواص، فأقام فيها ألعابًا للأطفال، إلى جانب أكشاك ومطاعم ومقاهي، فتحوّل المكان إلى وجهة مفضّلة للسّكان. يثمّن المصوّر دحو فرّوج الخطوة: "إنها نموذج على نجاح الاستثمار في هذا الباب، فما المانع من تعميمه وطنيًا؟ مادام يلبّي حاجة الأطفال إلى اللعب، وهي مسؤولية الجميع، ويوفّر المال للمستثمر والخزينة العامة؟". لكن يتدارك: "فقط على السّلطات أن تفرض على المستثمرين أن يوفّروا شروط السّلامة، وأن يجلبوا ألعابًا مبتكرة، انسجامًا مع شغف الطفل الجديد، وأن يُخصّصوا مساحاتٍ للمؤسّسات العمومية ذات الصّلة بالمواطن، مثل شرطة المرور وشركة الكهرباء والغاز، لتقوم بحملات توعية".

اقرأ/ي أيضًا:

ملكة جمال للمراهقات المحجبات في الجزائر..ما القصة؟

الأسرة الجزائرية في دوامة اختطاف البراءة