11-أكتوبر-2016

جزائرية صغيرة ترتدي لباسًا أمازيغيًا في منطقة الوادي بالجزائر(دي أغوستيني/Getty)

لم تستطع مسابقات الجمال أن تكون مقبولة داخل الفضاء الجزائري، في السنوات الأخيرة، فهي مطاردة في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أينما أقيمت، في الفنادق أو المؤسسات الثقافية أو الأحياء الجامعية، بحجة الحفاظ على أخلاق المجتمع ومراعاة مشاعره الدينية العامة.

كانت مسابقات الجمال مطاردة دائمًا وغير مقبولة في الجزائر بحجة الحفاظ على أخلاق المجتمع ومراعاة مشاعره الدينية العامة

هذه المرة، حاول بعض القائمين على زرع هذه الثقافة، من مؤسسات الموضة وجمعيات المجتمع المدني، أن يجعلوها تبدو "أكثر محافظة"، من خلال حصرها في المتحجبات، في سابقة من نوعها، حتى لا يُقال إن الهدف هو الميوعة والتمييع، فبادرت "المنظمة الوطنية للمجتمع المدني وترقية المواطنة"، إلى تنظيم مسابقة ملكة جمال المحجبات المراهقات، اللواتي تتراوح أعمارهن بين 7 سنوات و15 سنة، تحت شعار "جمالها في حجابها".

اقرأ/ي أيضًا: أطفال خبز الجزائر اليابس

الإضافة في المسابقة أيضًا، إلى جانب معطى الحجاب، أنها كانت برعاية "المديرية الولائية للشؤون الدينية والأوقاف" لمحافظة قسنطينة، 500 كيلومترًا شرقًا، وكانت النتيجة نفسها، تحرك الإعلام والشخصيات الدينية ومواقع التواصل الاجتماعي، بين مستحسن ومستهجن ومتحفظ.

يقول عضو في بلدية "حامّة بوزيان"، أحد الأطراف الراعية للمسابقة، رفض الكشف عن هويته، إنه يتقبّل النقاش الذي أثارته المسابقة، و"سنستفيد من الأفكار البناءة فيه، غير أنني أستغرب موقف المنحازين إلى رفض كل المبادرات، بحجة أن المجتمع الجزائري محافظ، لقد وصلتنا مئات طلبات المشاركة، ألا ينتمي هؤلاء إلى المجتمع الجزائري؟".

في السياق نفسه، يقول الباحث في التراث الإسلامي بوزيد بومدين لـ"ألترا صوت" إن "المسابقة تنويع في الترفيه الثقافي، وإن الحجاب المعاصر فرض نفسه، ولا مشكلة في أن تكون له مسابقة خاصة به"، مضيفًا "إنه في تطور مستمر عكس الملاءات والحجابات التقليدية، ومن هنا فالصراع بين شكلين في اللباس رغم كونهما يؤديان المقصد الديني في تغطية الجسد، وحدث الخلاف الفقهي في التفاصيل، لكن اللمسة الجمالية في الخياطة والتركيب ونوعية القماش والجسد الذي يغطيه يعطي رغبة عند الفتاة غير المتحجبة في ارتدائه".

ويرى بومدين المعارضين لمسابقات الجمال مهما كانت طبيعتها باسم اتقاء الفتنة، هو موقف ضد الجمال، موضحًا "الانسحاب من الحياة في ذكر الموت وترويج خطاب الآخرة وذم الدنيا ونشر معجم الترهيب في مجابهة معجم الترغيب فضاء عدائي للجمال".

يرى بعض الجزائريين أن اعتماد الحجاب في مسابقات الجمال، هو "توريط" له، من شأنه أن يميّعه ويخرجه عن إطاره

اقرأ/ي أيضًا: مجهولو النسب بالجزائر.. دون حقوق أو هوية

على النقيض، يرى الناشط التربوي رابح دارم أن "توريط الحجاب في مسابقات الجمال، التي هي ثقافة وليدة بيئة مختلفة، من شأنه أن يميّعه ويخرجه عن إطاره الذي هو ستر الجسد". ويوضح: "مثل هذه المسابقات تحرّف مفهوم التنافس، فبدل التنافس فيما يستطيعه الفرد نجد المنافسة فيما ليس للفرد فضل فيه وهو الجمال، ثم إنها مسابقة تعطي انطباعًا بأن الدين فرض الحجاب على الفتاة الصغيرة، وهذا غير حقيقي".

بين هذا وذاك، أعدّت أسرة "بن حمزة" ابنتها شيماء، 15 عامًا، للمسابقة، من خلال خياطة ملابس تشكل حجابًا جزائريًا خالصًا، متمنية أن تكون الهوية الجزائرية للحجاب، ضمن شروط المسابقة. يقول الأب: "في السنوات الأخيرة، ضاع الحجاب الجزائري، بين أنماط تأتي من فضاءات إسلامية كثيرة، بحجة أنها تمثل اللباس الشرعي، وأرجو أن تشكل هذه المسابقة، إذا سمح لها بالاستمرار، فرصة لتكريسه من جديد، من خلال فرضه، بكلّ أنواعه، على المتسابقات".

من جهة شيماء، "المسابقة ليست لاستعراض عضلاتي الجمالية، بل لتقديم نموذج أصيل للباس الإسلامي، وترغيب الفتيات في الإقبال عليه، فقيم الموضة والجمال والأناقة، ليست حكرًا على اللباس المتحرر"، هذا ما صرحت به الفتاة الصغيرة لـ"ألترا صوت"، وتختم: "أتمنّى أن تستغلّ المتوجة لقبها، في مباشرة حملة وطنية في محاربة ظاهرة اختطاف الأطفال"، وهو المشكل الذي تكرر بكثرة مؤخرًا في الجزائر واستدعى حتى دعوات لتشريعات جديدة وطلبًا لتدخل حكومي.

من المراهقات المشاركات في مسابقة الجمال الجزائرية(حمزة بومقواس)

اقرأ/ي أيضًا:

الأسرة الجزائرية في دوامة اختطاف البراءة

فقدان الأب في الجزائر.. اليتم الأصعب