02-أكتوبر-2022
المركز العربي

اختتام أعمال ندوة "الرياضة والسياسة والمجتمع"

اختتمت في الدوحة يوم الأحد 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2022 أعمال ندوة "الرياضة والسياسة والمجتمع" التي عُقدت على مدار يومين بمشاركة 25 باحثًا وباحثةً.

وقد عقدت هذه الندوة في مقر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، من باب التفاعل الجاد مع استضافة دولة قطر لفعاليات بطولة كأس العالم 2022، حيث يطمحُ المركز من خلالها، بوصفه مؤسسة متخصصة في العلوم الاجتماعية والإنسانية، إلى تناول موضوع الرياضة عبر مقاربات نقدية، تهدف إلى فهم هذه الظاهرة، من خلال مداخل علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والتاريخ والعلوم السياسية والعلاقات الدولية والدراسات الثقافية، وما يدور في دائرتها من حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية، مع أخذ فقر الإنتاج العربي في الاعتبار في هذا المجال.

في اليوم الثاني من الندوة، خصصت الجلسات لمعالجة موضوع الرياضة والحركات الاجتماعية وظاهرة الألتراس وأثر السياسات الرياضية في الاندماج الاجتماعي والاقتصادي والهندسة الاجتماعية والثقافية للجسد الرياضي، فضلًا عن حضور الهوية الجندرية للمرأة في الممارسات الرياضية. 

الظاهرة الرياضية في العالم العربي لم تتحول بعد إلى حقل بحثي في العلوم الاجتماعية يقوم على نشاط جماعة علمية في المجال تنتقل بالأسئلة التي تطرحها الظاهرة من المحلي إلى الكوني نظريًا ومنهجيًا

الرياضة والحركات الاجتماعية: ظاهرة الألتراس في المغرب العربي

عُرضت ورقتان في الجلسة الخامسة من الندوة التي ترأسها مولدي الأحمر، رئيس تحرير دورية "عمران". قدّم محمد نعيمي، أستاذ علم اجتماع التنظيمات في معهد التنمية الاجتماعية بالرباط، الورقة الأولى، وهي بعنوان "حركة الألتراس في المغرب: محاولة للفهم"، وحاول من خلالها فهم تعقيد مجال كرة القدم في المغرب الذي تتشابك فيه عوامل شتى. فبوصفه جزءًا من الفضاء العام، يسري عليه ما يسري على الفضاء العام نفسه في شموليته، من مراقبة واستغلال سياسي. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يكون هذا المجال فضاءً للتعبير عن هموم شرائح اجتماعية شعبية، أو عن مطالب سياسية مثله في ذلك مثل الشارع نفسه.

أمّا الورقة الثانية، "مجموعات الألتراس في تونس: تقاطعات حقول الرياضة والسياسة والدين"، فقدّمها قيس تريعة، الباحث في مخبر الثقافات والتكنولوجيات والمقاربات الفلسفية بجامعة تونس. وقد بحث فيها ممارسات مجموعات الألتراس في تونس من خلال تتبع دلالاتها السوسيولوجية عبر حقول الرياضة والسياسة والدين، وتتبع امتدادات هويّات هذه المجموعات وتأثيراتها الاجتماعية المتبادلة، مبينًا أن تقاطعات الرياضة والسياسة والدين في تونس أفرزت أشكالًا جديدة من الرفض نقلتها مجموعات الألتراس من فضاء العيش اليومي إلى الحقل الرياضي، ومن الحقل الرياضي إلى الحقل السياسي.

وبحثت الجلسة السادسة التي ترأسها مراد دياني، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الموضوع نفسه، وذلك من خلال ورقتين؛ وردت أولاهما بعنوان "بنية العنف في الحقل الاجتماعي الرياضي الجزائري: مقاربة سوسيو-أركيولوجية لممارسة كرة القدم"، وقد قدّمها علي سموك، أستاذ علم الاجتماع بجامعة باجي مختار، وهشام صاولي، باحث الدكتوراه في علم الاجتماع بجامعة آكلي محند أولحاج. حاول الباحثان فهم ممارسات العنف في الحقل الرياضي الجزائري التي أشارا إلى أنها ظاهرة مركّبة تتجاوز المجال الرياضي إلى النسق الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي برمته، وأنها ترتبط بصراع العصبيات، مستنتجَين أن العنف في الحقل الرياضي الجزائري نتيجة منطقية للممارسة الرياضية في السياق السياسي والاقتصادي الجزائري الذي أخرج لعبة كرة القدم من الترفيه والفرجة إلى وسيلة لتحقيق مصالح فئة محدودة مُهيمِنة على المجال الرياضي.

أما الورقة الثانية "غرافيتيا الألتراس وبناء هوية مجموعات المشجعين: دراسة سوسيولوجية لعملية التملك الرمزي للمجال في مدينة تطوان"، فقدمها وديع جعواني، أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في جامعة تطوان، وعيسى الغياتي، الباحث في علم الاجتماع في جامعة عبد المالك السعدي. وقد ركزت هذه الورقة على الألتراس خارج الملعب، من خلال دراسة الممارسات الغرافيتية لألتراس فريق المغرب التطواني. ووجد الباحثان أن هذه الممارسات تعبّر عن التملك الرمزي للمجال؛ إذ تدخل جماعات الألتراس في صراعات رمزية مع الجماعات الأخرى.

الرياضة والحكامة مقاربات من الإدارة المحلية

ترأّس الجلسة السابعة هاني عواد، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وشاركت فيها ورقتان؛ الأولى بعنوان "الرياضة والحكامة: مقاربات من الإدارة المحلية" لعبد الرحيم غريب ويوسف سيام ومحمد بوخلخال، الباحثين في جامعة الحسن الثاني، وقد تطرقوا فيها إلى السياسة الرياضية الجهوية بالمغرب، فحصًا لقدرتها على ترسيخ الدور الرئيس الذي يمكن أن تؤديه الرياضة بصفتها قاطرة للتنمية وتحقيق الاندماج السوسيو-اقتصادي. أمّا الثانية فهي بعنوان "المال العام وأندية كرة القدم الجزائرية الجمعية الرياضية للخروب في قسنطينة مثالًا" للطيب رحايل، الباحث في مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بقسنطينة، وقد ركّز فيها على علاقات رؤساء أندية كرة القدم بالمال العام في فضاء مدينة الخروب بقسنطينة في الجزائر، وكيفية مساهمة المال العام في بناء نوع من الوجاهة لدى رؤساء أندية كرة القدم.

الرياضة والمرأة مقاربات جندرية

اختتمت الندوة بالجلسة الثامنة التي ترأستها روضة القدري، أستاذة علم الاجتماع بمعهد الدوحة للدراسات العليا، وعُرضت فيها ورقتان. في الورقة الأولى، "الهندسة الاجتماعية والثقافية للجسد الرياضي بالمغرب" تطرّق هشام كموني، باحث الدكتوراه في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس، إلى التمثلات والآليات التي تجري بواسطتها عملية بناء الجسد الرياضي وصناعته في المغرب، وذلك من خلال دراسة حالة مدينة الرباط، مبينًا أن الداعي إلى ممارسة الرياضة، بوصفها نشاطًا اجتماعيًا، لم يعُد مرتبطًا بعائداته الصحية والبدنية ضد العِلل والأمراض والترويح عن النفس فحسب، بل امتد إلى نصوص اجتماعية تتصل بالخصوصيات المجالية والتراتبية الاجتماعية أيضًا.

وفي السياق ذاته ركّزت شيماء الغازي، باحثة الدكتوراه في جامعة محمد الخامس في ورقتها، "النساء الرياضيات في المغرب: عن أي هوية جندرية يمكن أن نتحدث؟"، على العلاقة بين الجسد الرياضي للمرأة والهوية الجندرية، وعلى حالة النساء الرياضيات المغربيات. وأشارت الباحثة إلى أن التجربة الجسدية للمرأة الرياضية تختلف عن التجربة الجسدية للرجل الرياضي. ففي حين يكون الأداء الرياضي للرجل عبر الانخراط في أفعال جسمانية مطابقة لهوية جندرية متوقعة، يُشكّل الفعل الرياضي النسائي عبر مدخل الجسد نوعًا من أداء المرء لجندره الطبيعي على نحو خاطئ؛ ما يعني قيامه على تنازع بشأن علاقة الرياضة النسائية بالهوية الجندرية.

مولدي الأحمر

وفي ختام الندوة، توجّه مولدي الأحمر رئيس تحرير دورية "عمران"، بالشكر إلى الباحثين والحضور الذين شاركوا في الندوة، وأشار إلى أن الظاهرة الرياضية في العالم العربي لم تتحول بعد إلى حقل بحثي في العلوم الاجتماعية يقوم على نشاط جماعة علمية في المجال تنتقل بالأسئلة التي تطرحها الظاهرة من المحلي إلى الكوني نظريًا ومنهجيًا، وأن هذه فرصة للمشاركين - وهم في أغلبهم من الشباب - كي ينخرطوا في شبكات تواصل وبحث في الموضوع، وأضاف قوله إنه لم لا تُقترح مشاريع بحثية موسّعة وطويلة المدى على مراكز البحث المختلفة في المنطقة تشمل جملة القضايا التي تتعلق بممارسة الرياضة في العالم العربي في مختلف أبعادها الاجتماعية وتقديم الإضافة في ذلك.

أعلن المركز أن دوريتَي "عمران" و"سياسات عربية" ستنشر كل منهما، على حدة، عددين خاصين بهذه الظاهرة يضمّان عددًا من الأوراق المقدمة في الندوة.

وفي هذا السياق، لاحظ أنه لولا فرصة تنظيم كأس العالم لكرة القدم في قطر، فربما لم يكن لهذه الندوة العلمية، ولكل الندوات التي تنعقد حول الموضوع هذه الأيام، أن ترى النور، ملاحظًا أن هذا مؤشر آخر دالّ على الترابط الوثيق بين النشاط المعرفي والديناميكيات الاجتماعية، رغم الاختلاف بين المجالين. ثمّ أعلن الباحث أن دوريتَي "عمران" و"سياسات عربية" ستنشر كل منهما، على حدة، عددين خاصين بهذه الظاهرة يضمّان عددًا من الأوراق المقدمة في الندوة.