23-أبريل-2019

كاريكاتير لـ توماس/ إيطاليا

مشكلة المثقف من أعمق وأشد المشاكل التي تعانيها مجتمعاتنا، فهي تكشف عن أزمة تكوين وتشكيل الفكر والثقافة والعقل في العالم العربي.

المثقفون كتلة الوعي الفاعل في المجتمع وأحد أهمّ مصادر قوته وتأثيره وتدبيره

من هو المثقف؟ سؤال يُطرح ليتمّ تعريف وتحديد الصورة الحقيقية، بعيدًا عن الخلط والغوغاء وسط كل التحولات الإقليمية التي تشهدها المنطقة العربية.

اقرأ/ي أيضًا: نبيل صالح.. هكذا تكون العلمانية الأسدية!

المثقفون كتلة الوعي الفاعل في المجتمع وأحد أهمّ مصادر قوته وتأثيره وتدبيره، فهم يشكلون الجمال والمعرفة مُحطمين القبح والجهل.

مع المثقف نحن إزاء فكر نابض بالحيوية والتحدي وتخطي الرموز والأفكار الراكدة، ليصبح منهجًا ووجهة نظر وأسلوب تصوّر تُغذيها الخبرة والتفرد، لكن يظلّ في المفهوم الاصطلاحي هو الناقد الاجتماعي، مهمته أن يحدّد ويحلّل ويعمل من خلال ذلك على المساهمة في تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ نظام اجتماعي أفضل. وفي تعريف المُثقّف ككلّ صورة للمفهوم العام في الثقافة العربية الحديثة.

في هذا الصدد يقول داريوش شايغان: المثقفون يبدون محاربين أكثر ممن هم مفكرين يتأملون بهدوء وراء طاولات عملهم.

أما الثقافة فيُعرّفها المستشرق النمساوي غوستاف فون جرونباوم، في كتابه "عن هوية الإسلام الثقافية" بما يلي: إنها نظام مغلق من الأسئلة الأجوبة المتعلقة بالكون وبالسلوك الإنساني.

لكن ما نلاحظه في الحقبة الأخيرة يُظهر جليًّا تلك العلاقة المُعتلّة بين المثقف مع مجتمعه، وعدم نجاعته في إحداث تلك الخطوة الفارقة لإيصال صوته ووضع بصمته في ركب الحياة ككل، فنحن نرصد عزلته وكذلك العجز عن إدراك التحديات والتحولات التي تمرّ بها الأمة العربية، وأحيانًا يصبح مجرّد عابر يتبع الصفوف في آخر الركب، وهذا الأمر جعل فئة من المحللين تٌحمله مسؤولية كل الازمات.

ورغم مشاهد التواجد لمثقفين وكتاب عرب في منصات تلقي الضوء عليهم وعلى نتاجهم الفكري والثقافي الغزيز (روايات، قصص، مسرحيات، شعر، نقد، مقالات، حوارات... إلخ) لكنها لا تبرز كل الحقيقة، بل تكاد لا تخلو من الاستفزاز الذي يُروّج لأهداف ما تظل نمطية ولا تتجاوز تلك التحديّات المناطة بعهدته، ومن جهة أخرى وجد المثقف العربي نفسه مُكّبلًا بأنظمة تعيق تأثيره الملموس في سائر الحركة الثقافية أو بالأحرى التوعوية.

لكن حسب آراء بعض الباحثين، فهو مطالب بحراك مع منظومة كاملة للفكر المعاصر لصقل التقارب والتحاور مع الآخر في ظل تمازج مع الزمان والمكان.

وعلى ضوء ما جاء آنفًا، أضحى المثقف أيضًا متوجّسًا من شيوع العولمة وثقافة الاستهلاك، باعتبار وجوده الضئيل أمام سطوة معايير ثقافة جديدة جارفة تُبطل من ضراوة تأثيره وأهميته، رغم أن هناك مثقفين جسّدوا حالة نضالية فارقة فكانوا في طليعة المجتمع وبارزين في المشهد الثقافي والاجتماعي. لكن من المؤسف حقًا أن يقبل بعض المثقفين العرب بتوزيع ولاءاتهم لتغذي خلافات الأنظمة والحكام، رغم أن البعض الآخر حاول التغلب على الواقع المأساوي بمشاريع إصلاحية هدفت للخروج من هذه الأزمة، لكن باءت مشاريعهم بالفشل، الأمر الذي أدّى إلى تخلف حضاري لم تعرفه الأمة العربية على مرّ العصور.

هذا الأمر عبر عنه المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد قائلًا: من الممكن تقسيم المثقفين الذين عاشوا أعمارهم كلها أفرادًا في مجتمعهم، إلى المنتمين واللامنتمين بصورة ما".

هل يُشترط للنهوض الحضاري وجود ثقافة عالمية إنسانية ذات خصائص محددة؟ إذًا لماذا شلّ الغزو الثقافي والسياسي الغربي الإمكانيات الداخلية الذاتية وأدّى إلى انفلات واضح؟ ولماذا اكتفى بعض المثقفين العرب بإلقاء أسباب أزمتهم على على البنية السياسية دون العمل على نقدها وتفكيكها؟

وجّه المفكر علي حرب، في هذا الصدد، نقدًا لاذعًا للمثقف العربي، وانطلق في هجومه من مقولة أن المثقف يسعى من خلال عمله الفكري والتنظيري إلى توظيف سلطته العلمية والمعرفية لزيادة نفوذه الاجتماعي.

أما لؤي صافي فيعزو عجز المثقف عن التأثير في محيطه وتطوير ثقافة مجتمعه، إلى طبيعة الحلول التي يقدمها والتي لا تتوافق مع طبيعة المشكلات التي تمرّ بها الشعوب العربية في الوقت الراهن.

رأى علي حرب أن المثقف يسعى من خلال عمله الفكري والتنظيري إلى توظيف سلطته العلمية والمعرفية لزيادة نفوذه الاجتماعي

إذًا، فالتفاعل الفكري المُنعش للثقافة مرتبط أساسًا بالتقارب والتواصل، ومرهون بالمعترك الفعلي للثقافة والفنون بالساحة الفكرية وبالمثقف، بما يدور فيها من فكر، وللمجلات الثقافية الدور الأكبر في الإنعاش الفكري كما تطرقت إلى ذلك الإعلامية عائشة مصبح العاجل إنه حين يتم الإعلان عن ولادة مجلة ثقافية فهي ولادة حقيقية لحياة يتنفس من خلالها المثقف، ويطلق حمامات فكره في فضاء يشعّ بالتجديد، مخاطبًا العقول ومشركًا طيوف الأرض لتدور في فلك التكوين الجديد للخطاب المتسامي مع النور والتنوير.

اقرأ/ي أيضًا: اضمحلال "ثقافة الآخر"

وبالتالي فإن المجلات الثقافية تعمل على إفراز مكونات جديدة تواكب زمن التحولات المتسارعة، وتجعل من المثقف متمرسًا أكثر في تدوين مطارحات واقعية شبيهة بالبيئة التي تندفّ منها شواغله المعاصرة، إذ يسعى جاهدًا لجعل هذا المفهوم يتجذّر في معالم الواقع المحيط به وما تختزله الذاكرة الشعبية من مشاهد وترسّبات يومية، منطلقًا من ذاته كفاعلة في المجتمع، لترسم مجالًا فكريًا ينخرط في السياق العام، وذلك بفتح الأبواب أمامه وخلق فضاءات تفضي للعطاء والتخاطر من خلال الحوارات والمنتديات الفكرية.

ولنا أن نتساءل هل للمثقف المعاصر فعلًا صيت لا يُنكر، وقدرة على إماطة اللثام عن الحقائق، وكشف الأوهام التي تلتصق بالمجتمع لتضفي عليه فسيفساء فكرية وحرية؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

محاسب ومهندس يتصارعان على حب العروسة!

الفعل السياسي غير الإقصائي كضرورة لاستكمال التغيير