17-مارس-2016

لاجئون سوريون (Getty)

منذ أربع سنوات وبعد أن ترّدى وضع حلب لتصبح أخطر مدينة في العالم، اضطر موسى الشرقي وعائلته مغادرة حي القاطرجي بحثًا عن مكانٍ أكثر أمانًا، ليستقر بعدها في حارة الناعمة جنوب بيروت 15 كم. لم يستطع موسى تحمّل أعباء القلق الذي بدأ يراود السوريين في لبنان نتيجة القرارات التعسفيّة بحقهم، فقرّر الالتحاق بسربِ المهاجرين إلى القارة العجوز، وبعد رحلة دامت أكثر من ثلاثة أشهر انتهى به المطاف إلى المملكة المتحدة.

 الخطوة التي يقوم بها أغلب المهجرين السوريين بعد حصولهم على حق اللجوء هي "لمّ الشمل"، حيث يحصل على تأشيرة دخول مؤقتة "فيزا" لبقية العائلة

يقول موسى: مشيت أكثر من شهرين على قدميّ، كان وضع الطريق أسوأ بكثير مما هو عليه الآن، لكن يجب أن أصل برّ الراحة. الخطوة المهمة التي يقوم بها أغلب المهجّرين السوريين بعد حصولهم على حق اللجوء هي "لمّ الشمل"، حيث يحصل على تأشيرة دخول مؤقتة "فيزا" لأفراد عائلته ثم يتمّ جلبهم إلى الولاية التي يقيم بها ليعيشوا معًا فرصتهم الجديدة في الحياة، وهذا ما قام به موسى الشرقي لأجل عائلته لولا أنّ خطأً ما سيعكّر صفوَ قصّته لتصبح بينَ فكّي قلب الأبوّة وعقلها.

اقرأ/ي أيضًا: ريبيكا لي..الطالبة التي غيرت وجه الطب في أمريكا

فبعد حصول جميع العائلة على تأشيرة "لمّ الشمل" من القنصليّة البريطانيّة في بيروت توجّهوا إلى المطار وكلّهم شغفٌ إلى اللّقاء الذي سيجمعهم أخيرًا تحت سقف الأمان، وبحكمِ أنّ السوريّ هو البطل المعذّب في كلّ القصص التي تردُ عبر الخمس سنوات الماضية، ستتفاجأ عائلة الشرقي التي يفصلها عن الأب والزوج موسى ساعات خمس، أنّ الأمن العام اللبناني قد وافق على سفر كلّ من ريّان ابنة الثانية عشرة وعلي ابن العاشرة، إضافة لحلا ابنة السبعِ سنوات مع أمهم رجاء، وأنّ عمر ابن الثمانية أشهر لن يُسمَح له بمرافقتهم. 

تقول رجاء: لم أكن أتصوّر ونحن في المطار أن شيئًا ما سيفصلنا عن الخلاص سوى مسافة الطائرة، "مو على أساس نحن عرب، هيك بتعمل فينا الشقيقة؟". عمر الشرقي الطفل السوريّ الرضيع الذي وُلِد في زمن الحرب خارجَ الوطن كان مكان ولادته هو العائق بينه وبين لقاءِ أبيه الذي لم يرَه بعد. عمر الذي وُلِد في لبنان وحصل على جواز سفرٍ من العاصمة دمشق كان قد سُجّل مكان ولادته: دمشق، ما جعل الأمن العام اللبناني يحتجّ على ذلك بذريعة أنّ اسم عمر لم يكن قد دخل النظام فكيف ولدَ في دمشق ولم يُسجّل له دخول من أيّ نقطة حدوديّة؟ وبعدَ تقديم شهادة الولادة التي تثبت أن عمر ولِد في بيروت حارة الناعمة، كانت حجة الأمن العام الشقيق هي (دمشق)، يجب أن يتمّ تبديل جواز السفر بوضع بيروت مكان دمشق.

باءت كلّ المحاولات بالفشل، وأوشكت تأشيرة لمّ الشمل الخاصة بعائلة الشرقي على الانتهاء ممّا اضطرهم إلى اتخاذ قرارٍ بتركِ عمر مع زوجة عمّه اللبنانيّة والمغادرة، تلافيًا لكارثة أكبر وهي فقدان فرصة لمّ الشمل. كيفَ لأمّ أن تتركَ ابنها الرضيع وتسافر من قارة إلى قارة؟ هذا السؤال الذي سيبادر إلى ذهنِ الجميع، وتجيب رجاء: هي فرصتنا الوحيدة، فوضعنا السيئ في لبنان إضافة لحاجة ابنتي حلا المصابة بـ(متلازمة داون) للرعاية الصحيّة، جعلني أتخذ قرارًا خاطفًا بتركِ عمر، وفي الحالتين ستكون التضحية كبيرة، لكن لا خيار لديّ.

اقرأ/ي أيضًا: كواليس النصب باسم الرئيس

ختم الأمن العام اللبناني على جواز سفر رجاء الأم منع دخول إلى لبنان مدة خمس سنوات نتيجةً لتأخّرها عن تسوية وضعها، وسافرت مع أطفالها الثلاثة إلى بريطانيا تاركةً الرابع رضيعًا بلا أمّ مع زوجة عمّه في لبنان.

قصد موسى الشرقي اللجنة الدولية للصليب الأحمر في كارديف عاصمة ويلز طالبًا المساعدة بقضيّة عمر الإنسانيّة، وبالتنسيق مع الصليب الأحمر في بيروت، استطاعوا تسويّة وضعِ عمر بعد أربعة أشهر من الانتظار الذي أحرقَ قلبَ أبويه. 

في التاسع عشر من شباط/فبراير الحالي وصلَ عمر برفقةِ إحدى شابات الصليب الأحمر اللبنانيّ مطار هيثرو في لندن، واستقبلته عائلته برفقة الصليب الأحمر البريطانيّ ووسائل الإعلام المحليّة ليبكي مشهد العناق الحضورَ جميعًا، وبعد يومين احتفلت عائلة الشرقي بعيد ميلاد عمر الأول في كارديف. بصوتٍ واحد شكرَ موسى ورجاء الصليب الأحمر الدوليّ على مساعدتهم وانفردَ موسى ساخرًا ومخاطبًا الأمن العام اللبناني: "سجّل أنا عربي".

اقرأ/ي أيضًا: 

زواج الواحات..طقوس مصر الشعبية

زهير اليحياوي..شهيد الانترنت التونسي