13-يوليو-2016

صورة أرشيفية لنهر الليطاني(ويكيبيديا)

طوال القرن الماضي، قرن الحروب المائية، اعتدت إسرائيل على لبنان منذ العام 1952 وحتّى احتلاله في العام 1982، بهدف سلب الثّروة المائية ومصادرة منابع الأنهر، كالليطاني والوزّاني، ومع ذلك فشلت في حرمان لبنان من هذه الشّرايين الحيوية. اليوم، أي في العام 2016، إسرائيل غيّرت استراتيجيتها، لا لتحقيقها اكتفاءً مائيًا ذاتيًا، بل بسبب الإهمال اللبناني.

أصبح الليطاني مقبرةً للثروة السّمكية، وخطرًا على المزروعات والسّياحة معًا، فلا يصلح لا للسباحة ولا للري

تنشط الدّباغات والمرامل، كما المصانع ومزارع الدّواجن على ضفاف نهر الليطاني، لتتم عامها الخامس والعشرين من عمر الجريمة البيئية المرتكبة بحق مجرى النّهر، في حين أن مشروع تنظيف الليطاني، والذي تبلغ تكلفته 880 مليون دولار لا يزال عالقًا في أدراج مجلس النّواب العاجز عن الانعقاد.

ومع أن القضاء منع المرامل من غسل رمولها في النّهر، وغرّم الفاعلين، أي أصحاب المرامل "بدوي – لبكي" قرابة 11 مليونًا، عاد هؤلاء للعمل، بذريعة حماية الرمول الموجودة من الانجراف للنهر بفعل المطر شتاءً، وشتاء المرامل استمر صيفًا، فأصبح النّهر مقبرةً للثروة السّمكية، وخطرًا على المزروعات والسّياحة معًا، فلا يصلح لا للسباحة ولا للري.

اقرأ/ي أيضًا: سدّ "جنّة" في لبنان: جهنم الطبيعة؟

نهر الليطاني، النّهر الذي حاربنا إسرائيل دفاعًا عن مياهه، اليوم ملوّث وحذّرت الجهات الطّبية من السّباحة فيه أو استخدام مياهه، نسبة العكر فيه 37%، وتشكّل مياه الصّرف الصّحي نسبةً كبيرةً من ملوثاته، ووصلت الوقاحة ببعض البلديات والمصانع والجهات المعنية، أن تموّه خطوط الصّرف الصّحي، بمجاري الأنهار والينابيع، لتخلط المياه الصّافية بمياه الصّرف الصّحي، إضافةً إلى المرامل والكسّارات التي تعمل على ضفاف النّهر دون حسيبٍ أو رقيب.

تتسبب الجراثيم الموجودة في مياه النّهر، كالكوليفورم والسيرومونا والسالمونيلا وغيرها بانتشار الأمراض، وتصل نسبة التّلوث والعكر فيه لـ37%، أي أن المتنفسّ الوحيد السّياحي في الجنوب، أصبح مصدرًا للتلوث والأمراض، وبيئةً خصبةً مؤّهلة للإصابة بالتّسمّم والتّيفوئيد، بمباركة الصّامتين عن هذه الجرائم.

ما يجري للليطاني جريمة بيئية موصوفة، في ظل صمت مريب من المسؤولين والصمت يترجم غطاءً للمجرمين

اقرأ/ي أيضًا: الحكومة والنّفايات: روائح الموت تنتشر

مجرى النّهر، يعتبر المقصد الوحيد للعائلات ذوي الدّخل المتوسّط، غير القادرين على الذّهاب للمقاهي والمنتجعات الباهظة، فالليطاني كان قُبلة العائلات، وما تلا استثماره من بناء مقاهٍ واستراحاتٍ على مجراه الممتد بين القرى، من سحمر-يحمر إلى القاقعية وكفرصير، وبالتّالي تنشيط الحركة الاقتصادية في المنطقة مع حلول الموسم الصّيفي.

يضاف إلى النّهر اليوم، ضحايا منتفعون منه، كالمزارعين وأصحاب المؤسّسات السّياحية، كما رعاة المواشي والقاطنين على ضفافه. الليطاني يعاني من استغلال منابعه وتلويثها، بالتّزامن مع سحب المياه الجوفية مما يؤدي للنقص في معدلاتها. الأزمة تمتّد لتشمل المحاصيل الزّراعية، وتهديد الرّزنامة الزّراعية، أي تصدير المحاصيل، فالحمضيات تشرب من مياه الليطاني الملوّثة، أي أن الحمضيات ستحمل الجراثيم أيضًا.

ما يجري جريمةٌ بيئيةٌ موصوفة، في ظلّ صمتٍ مريب من المسؤولين من نوابٍ ووزراء وبلدياتٍ جنوبية، والصّمت يترجم غطاءً للمجرمين بطبيعة الحال، ما فشلت إسرائيل في تحقيقه، أي حرمان جنوب لبنان من النّهر، نجح فيه بعض اللبنانيين أنفسهم، وحرموا الجنوب من رافدٍ يغذّيه سياحيًا، اجتماعيًا واقتصاديًا.

حال نهر الليطاني الآن(الترا صوت)

اقرأ/ي أيضًا:

لبنان.. "مرصد العنصرية" يرصد ما تغفله الدولة

مافيا النقل في لبنان.. طُرُق ارتزاق ملتوية