07-أغسطس-2023
lkjh

أكثر ما يرغب به الأطفال اليوم هو العمل كـ"يوتيوبرز" في الولايات المتحدة وبريطانيا. (GETTY)

تكثر في الصيف الاجتماعات العائلية وإجازات المغتربين ولقاءات الأصدقاء، ويتواجد الأطفال في المشهد بعدد أكبر من الشتاء وخلال السنة الدراسية. ولأني أحاول، قدر الإمكان، أن أتحدث مع الأطفال عن أمور أعمق من مظهرهم الخارجي، عمن سرّح شعرهم أو اشترى لهم ما يلبسون، وأكون الخالة الظريفة التي تتحدث بأمور ممتعة، أكسر الجليد معهم بفتح مواضيع عن حيواناتهم المفضلة، أو الطعام الذي يحبونه، أو ماذا يريدون أن يصبحوا عندما يكبروا.

لطالما سُئلت وأنا صغيرة عن ماذا أحب أن أصبح عندما أكبر. وأتذكر كيف أن الإجابات – في جيلي من الأقارب والجيران والأطفال في المدرسة – تنوعت كثيرًا. كنت أسمع عشرات الوظائف مثل الأطباء، وعاملي الإطفاء، وروّاد الفضاء، والطبّاخين، والطيّارين، ولاعبي كرة قدم، ومصممي الأزياء، وغيرها.

الإجابات التي أحصل عليها مؤخرًا لنفس السؤال مقلقة، فجيلٌ كامل من الأولاد والبنات يرون أن أقصى درجات النجاح تتمثل في أن يصبحوا "يوتيوبرز" أو "فلوجرز" أو مؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي.

دراسة: أكثر ما يرغب به الأطفال في الولايات المتحدة وبريطانيا اليوم هو العمل كـ"يوتيوبرز"، بينما وظيفة رائد الفضاء هي الأكثر تفضيلاً في الصين وتتبعتها وظيفة المعلم، فالرياضي، ثم الموسيقي، وجاء بعدها اليوتيوبر. 

كان لدي فضول لأعرف إن كان الأطفال في دوائري الاجتماعية استثناءً، لكن الدراسات تشير إلى أن "المشكلة" أكثر عالمية مما ظننت للوهلة الأولى. ففي دراسة مسحية قامت بها شركة ليغو الدنماركية شملت ثلاثة آلاف طفل في الولايات المتحدة وبريطانيا والصين، أشارت النتائج إلى أن أكثر ما يرغب به الأطفال اليوم هو العمل كـ"يوتيوبرز" في الولايات المتحدة وبريطانيا. بينما كانت وظيفة رائد الفضاء هي الأكثر تفضيلاً في الصين وتبعتها وظيفة المعلم، فالرياضي، ثم الموسيقي، وجاء بعدها اليوتيوبر. 

جاذبية اليوتيوب 

إذا كانت هناك منصة يستخدمها حوالي 30 مليار في الشهر في 100 دولة حول العالم، وكانت عائدات أرباحها تعادل 29.24 مليار دولار العام الماضي، فإنها بالتأكيد ستكون مكانًا جذابًا للحصول على الشهرة والمال، بدليل وجود أكثر من 51 قناة على منصة اليوتيوب، وتحميل أكثر من 500 ساعة من مقاطع الفيديو على مدار الساعة. خلافًا لتوقعاتي، لم يكن المال والشهرة الدوافع الأولى.  بحسب دراسة مسحية أجريت على ألف طفلٍ في بريطانيا عام 2017، سُئل فيها الأطفال عن الأسباب وراء رغبتهم بأن يصبحوا "يوتيوبرز" كان الجواب الأول هو الإبداع ورغبتهم بصنع محتوى خلّاق، بينما كانت الشهرة السبب الثاني، وجاء الحصول على مساحة للتعبير عن النفس في المرتبة الثالثة، ثم حلّت النقود في المرتبة الرابعة. 

 جليس الأطفال الجديد

من الشائع الآن أن نرى أطفالًا بأعمارٍ متفاوتة تبدأ من حديثي الولادة حتى المراهقين واليافعين وهم في فقاعتهم يحدّقون في شاشاتهم بينما يتحدث الكبار في زيارة عائلية أو مقهى أو أي مكان عام. بمجرّد أن يبدي الطفل بعض التململ نجده يُسلَّم هاتفاً تصدر عنه أصواتٌ ظريفة لمقطع من الرسوم الملونة أو لأطفالٍ من نفس عمره لا يتحدثون بالضرورة بلغته الأم. مقاطع بالغة العشوائية لمنصّة تصفها الصحافية أليكس مادريجال أنها "أكثر غرابة وعولمة مما قد يتخيّله الكبار". 

هذا التعرّض المبكّر والكثيف، لا يجعل من اليوتيوب "لهّاية" وأداة لإسكات الأطفال وتسليتهم فحسب، بل يجعله مصباح علاء الدين الذي يأخذهم إلى أي مكانٍ يريدونه، ويسمعهم الموسيقى التي يطربون لها، ويعطيهم وصفات للطعام الذي يحبون ويجيب على جميع تساؤلاتهم، بعض النظر إن كانت الإجابات صحيحة أو تتوافق مع رؤية الوالدين. 

حت

تحذّر أستاذة علم الاجتماع في كلية ستي في نيويورك، كاثرين تشين، من أن الأطفال شديدو التأثر بمحيطهم وتفاعلهم الاجتماعي مع من حولهم. إذ تقول: "بما أن الأطفال كثيرو التعرّض لمنصة اليوتيوب ويرون المؤثرين باستمرار، فهم على دراية بتلك "المهنة" في وقت مبكر من حياتهم وشديدو التأثر بها". 

توافق خبيرة التواصل الاجتماعي ومديرة التسويق في شركة ناتس في فلوريدا، بام مور، على ذلك بقولها: "لم أسمع ابني يقتبس قولًا من أحد معلميه" لكنه قد يشير في حديثه لمؤثري اليوتيوب باستمرار، وهو أمرٌ بدأت ألاحظه مؤخرًا بين أقاربي اليافعين بالفعل. وتضيف مور: "لقد أصبح اليوتيوب جليس الأطفال الجديد، حتى أن الأطفال يفتقدون توجيه الأهالي وتعليمهم، وربما يرون آبائهم وأمهاتهم يعانون في وظائف متطلبة ومستنزفة، لذلك بالنسبة لهم فإن اليوتيوب هو الطريق للنجاح". 

مهنة مبكرة أم عمالة أطفال 

لكن على ما يبدو، لا يريد بعض الأطفال الانتظار ليكبروا للبدء بمزاولة مهنة "اليوتيوبر"، إذ يمكن لفيديو ظريف ومضحك يوثق براءة الطفولة على اليوتيوب أن يحصد مشاهدات خيالية ويعود على صاحبه بأرباح الإعلانات المرافقة على المنصة حتى وهو نائم. حلم الثروة السريع بالحصول على مال سهل وبمجهود بسيط لا يكون بالعادة حلم الأطفال فقط، فأهاليهم يشاركونهم (وربما حتى يسبقونهم) في تلك الأحلام. 

يرى البعض أن استغلال الأطفال في صنع محتوى لشبكات التواصل الاجتماعي ويوتيوب لا يختلف كثيرًا عن إرسال الأطفال للتسوّل على الإشارات وفي الأماكن العامة. في بعض الأحيان يداعب حلم الشهرة والمال الأهالي قبل الأطفال، وقد سمعنا عن حالات إساءة قام بها أباء وأمهات في سبيل تصوير مشهد مضحك أو غريب. 

الجانب المظلم من القصة

البروفيسور جون أوتس محاضر في قسم دراسات الطفل واليافعين في الجامعة المفتوحة في المملكة المتحدة وممثل للجمعية النفسية البريطانية التي ساعدت الحكومة البريطانية في تطوير سياسات صون الطفل لحماية الفنانين والإعلاميين الأطفال عام 2015.

يشير أوتس إلى دراسات أوضحت أن "تعرّض الأطفال للتنمر لا يكون بشكلٍ مباشر وفوري، فبعض الحالات التي ظهرت على التلفاز في عمر عامين أو ثلاثة أعوام، تعرّضت للتنمر بعمر 12 أو 13 عامًا عند مشاركة مقاطعها على شبكات التواصل الاجتماعي لاحقًا".

قائمة الأضرار المحتملة لوسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال التي أعدّتها الجمعية النفسية البريطانية تحتوي على نقاط عدة تتمثل بوجود تأثيرات فورية أو متأخرة، قصيرة أو طويلة الأمد، تتبعها أضرار في التقدير الذاتي، وفقدان الشعور بالاستقلالية، والتعب النفسي وزيادة مستويات القلق.

قائمة الأضرار المحتملة التي أعدّتها الجمعية النفسية البريطانية تحتوي على نقاط عدة تتمثل بوجود "تأثيرات فورية أو متأخرة، قصيرة أو طويلة الأمد". يضيف أوتس أن: "الأضرار النفسية هي إحدى الأمور المحتملة، ويتبع ذلك أضرار في التقدير الذاتي، وفقدان الشعور بالاستقلالية، والتعب النفسي بالإضافة إلى زيادة مستويات القلق التي يمكن أن تصل إلى اضطراب القلق العام (GAD) وهو حالة نفسية طويلة الأمد تجعل الفرد يشعر بالقلق بشكل يومي وتؤدي إلى شعور ملازم بعدم الارتياح والهلع وصعوبة التركيز ومشاكل في النوم". جميع هذه المشاكل تصيب البالغين من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، وبالتأكيد سيكون تأثيرها مدويًا على أطفال في طور النمو. 

بالإضافة إلى الآثار النفسية السلبية، هناك العديد من المخاطر التي قد يواجهها الأطفال النجوم على يوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعي مثل: تلقي التهديدات ورسائل الكراهية أو التعليقات غير الملائمة من الغرباء على الإنترنت. ناهيك عن تسريب معلوماتهم الشخصية، مثل عنوان منزلهم أو اسم مدرستهم، بواسطة أشخاص مشبوهين أو قراصنة، كما يمكن أن يتعرضوا لضغوط للأداء أو التصرف بطرق معينة من قبل والديهم أو المُعلنين أو حتى المعجبين، وكل ذلك يؤدي إلى فقدان براءة الطفولة والخصوصية لتصوير ومشاركة كل جانب من حياتهم مع الملايين من المشاهدين.

تقاسم مسؤولية حماية الأطفال

إذا لم يتمتع الآباء والأمهات ومقدمو الرعاية بالوعي الكافي، لا بد أن تكون هناك إجراءات احترازية لحماية الأطفال من مخاطر هذا العالم. يقترح البعض وضع مبادئ ومعايير واضحة ومتسقة لمحتوى يوتيوب الذي يتضمن قاصرين، مثل الحد الأدنى للعمر، والحصول على موافقة الأهل، والتدقيق على المحتوى وتصنيفه. حتى في إطار قانوني أوسع، خصوصًا بما يتعلق بالعقود مع الشركات المُعلنة والراعية، يدعو البعض إلى أن تكون هناك آليات لضمان احترام حقوق ومصالح الأطفال وحمايتها، مثل تقنين ساعات العمل وأخذ اعتبارات السلامة والكرامة والحقوق المالية وغيرها بعين الاعتبار. 

وبالفعل، حدّثت شركة يوتيوب سياساتها لصون الطفل بإغلاق قسم التعليقات على مقاطع الأطفال حماية لهم من التعليقات المؤذية والمُخلّة وخطاب الكراهية، وتشترط الشركة وجود بالغين أثناء تصوير مقاطع فيديو لأطفال قبل نشرها على المنصة. قد يتشكك البعض في كون ذلك كافيًا، لكن الشركة تقول إن سلامة الأطفال من أولوياتها وإنها ستحاول دائمًا حمايتهم بشتى الطرق الممكنة.