20-نوفمبر-2019

من الفيلم (IMDB)

فصلٌ جديدٌ من فصول تطبيع السعودية مع إسرائيل، يأتي بصيغة ثقافية سينمائية، عبر مشاركة فيلم سعودي في مهرجان إسرائيلي.

فيلم "المرشحة المثالية" للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، الحائز على جائزة من مهرجان البندقية الدولي في دورته الأخيرة لهذا العام، كثر الحديث عنه في اليومين الماضيين منذ أعلنت الخارجية الإسرائيلية، يوم الإثنين 18 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، أنه سيكون فيلم افتتاح مهرجان سينما المرأة في إسرائيل.

إسرائيل والسعودية.. تاريخ من التطبيع

لا يتوقف الأمر عند حدود مشاركة فيلم سعودي في مهرجان إسرائيلي، إنّما هي جزئية من حكاية طويلة وسلسلة من اتفاقيات تطبيع سعودي مع الكيان الصهيوني. وإذا حاولنا الوقوف عند أسباب هذا التطبيع المتعمد والمعلن فسنرى بأن كلًا من السعودية وإسرائيل في حاجة لبعضهما البعض بشكلٍ دائم. فمن جهة، يتركز اعتماد السعودية على إسرائيل، خصوصًا في هذه الفترة، نتيجة عزلتها بعد ما قامت به من أخطاء على المستوى الدولي، وأهمها اغتيال الصحفي جمال خاشقجي. كما أنها تعتمد على الوجود الإسرائيلي كل الاعتماد في ظل وجود نظام قمعي يطرح على الدوام سؤال شرعيته وقدرته على الاستمرار، وفي ظل غياب أيّ رؤية واضحة لدى صانع القرار في السعودية لتحديد ملامح الفترات المقبلة، ولطالما اعتمدت المملكة على الحماية الأجنبية في تعزيز وجودها في المنطقة، وغيرها من الأسباب التي لا تنتهي وترتبط بشكل رئيسي بما هو عليه الحال في المملكة السعودية.  

مشاركة الفيلم السعودي "المرشحة المثالية" ممارسة سياسية تطبيعية تفصح عن علاقات راسخة بين السعودية وإسرائيل

على المقلب الآخر، تسعى إسرائيل كما تسعى السعودية بالضبط، لتحقيق مكاسب على المستوى السياسي الداخلي بإقامة علاقات اقتصادية وثقافية مع دول الخليج العربي. كما أن الإسرائيلي في حاجة إلى حليف عربي له في المنطقة، يقيم معه مثل تلك الشراكات الثقافية التي من شأنها تخليص الاحتلال من عبء صورته القبيحة على الدوام، وجعله يبدو في حالة دفاع عن النفس ليس إلا. كان قد أعلنها بنيامين نتنياهو مرارًا وعبر أكثر من منبر، أن إسرائيل تحظى بعلاقات تاريخية مع أنظمة عربية، وعليه وعبر حركات تطبيع مثل هذه تسعى إسرائيل لتحسين صورتها. ما يعني، حسب ذلك، أن إسرائيل لم تعد هذا الكيان الطارئ في المنطقة، فهي اليوم تحظى بصداقات ودعم عبر علاقات ثقافية اقتصادية، وكذلك تجمعها علاقات شراكة مع حلفاء عرب، وهو ما يجعل الصحافة الإسرائيلية تحتفي بمشاركة الفيلم السعودي في افتتاح المهرجان دونًا عن غيره من الأفلام العربية أو الأوروبية الأخرى المشاركة في المهرجان.

اقرأ/ي أيضًا: وثائقي "النكبة" أو "حلم هرتزل".. بيان تطبيعٍ سعودي وقح

من جانب آخر، تعود مشاركة الفيلم بالخير على السعودية أيضًا، فهي خطوة لتصديره عالميًا على أنه واحد من المشاريع التي تلقي الضوء على ما هو قادم في مستقبل السعودية.

سينما لأهداف بعيدة

لا يتعلق الأمر بفيلم المنصور على الإطلاق، ولا بإقامة مهرجان ثقافي إسرائيلي يدعم قضايا المرأة، إنّما بالتركيز على ضرورة التعاون مع السعودية من قبل أقطابٍ قوية ذات نفوذ في المنطقة، من أجل تحسين صورة الأمير الشاب الذي يحاول إخفاء ملامح جرائمه عبر المشاريع الثقافية.

يمكن اعتبار فيلم "المرشحة المثالية" من حيث إنه فيلم سعودي حائز على جوائز وسبق وأن شارك في العديد من المهرجانات السينمائية العالمية، خطوة تتخذ في هذا الإطار، ومن جهة أخرى، فاليوم يشهد معهد العالم العربي في باريس معرضًا للتعريف بمدينة العلا الأثرية التي تقع شمال غرب المملكة بالقرب من المدينة المنورة، للتعريف بالإرث التاريخي والثقافي للسعودية، في خطة مدروسة تهدف لجعل تلك المدينة واحدة من الوجهات السياحية العالمية.

هذا إلى جانب وجود أصداء عن تعاون فرنسي سعودي من أجل إقامة معارض فنون بصرية ولوحات من الفن التشكيلي العالمي ستعمل فرنسا عبر خبرائها بتولي تلك المهمة التي ستقام في مدينة جدة، التي تؤسس لفكرة الافتتاح الثقافي السعودي في ظل حكم الأمير الشاب، مرورًا على هيئة الترفيه التي تسعى جاهدةً لإطلاق العديد من المشاريع، مثل افتتاح المرقص الحلال وغيرها من المشاريع الضرورية للناس بالطبع، لكنها تسوّق في محاولة للتغطية على الحقائق.

بالعودة إلى السينما قليلًا، نجد أن هناك فرصًا لا تعد ولا تحصى يمكن أن يستغلها السينمائيون للترويج لقضايا إنسانية، أو للتعبير عن آرائهم السياسية حول قضايا مختلفة في العالم، تأتي في هذا السياق دعوة المخرج البريطاني كين لوتش لمقاطعة إسرائيل بعد عرض فيلم أنا دانييل بلايك عام 2016 في مهرجان كان السينمائي. لسنا هنا بغية عقد المقارنات بين مواقف السينمائيين، ولكن للإضاءة على ما يمكن أن تحمله الفنون بكافة أشكالها من قدرة على التنويه لقضايا العالم المتنوعة حتى لو لم يكن موضوعها مرتبطًا بمناصرة تلك القضايا. أمّا في حالة المخرجة السعوديّة فنحن أمام عملية مزدوجة: تطبيع ثقافي مع كيان مجرم وتلميع صورة ديكتاتور متجبّر.

يتطرق فيلم "المرشحة المثالية" لواحدة من أكثر القضايا إشكالية في المجتمع السعودي، وهي قضية عمل المرأة، من خلال طرحه لموضوعة التمييز على أساس الجنس في المجتمع.

حسب مقولة فيلم "المرشحة المثالية" فإن السعودية تشهد على العديد من التغييرات التي كان آخرها السماح للمرأة بقيادة السيارة، وتقليص سلطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خصوصًا على النساء، وقامت بإظهار ذلك في مشهد قيادة بطلة الفيلم للسيارة، وجاء تلك الفكرة في ملصق الفيلم أيضًا الذي ينتهز كل الفرص الممكنة من أجل تكريس فكرة التغيير الذي تعيشه السعودية.

ستظل المشاريع الفنية السعودية تصب في خانة تلميع صورة محمد بن سلمان، وإظهاره كصاحب نهج جديد وجريء

يرى البعض بأن هذه القضية بدأت تأخذ شكلًا مختلفًا بعد تولي محمد بن سلمان الحكم، لكن في حقيقة الأمر لم يحدث توليه وانفتاحه المفترض الكثير من التغييرات على أرض الواقع بما يتعلق بموضوع عمل المرأة ودورها في المجتمع. بل على العكس هناك اعتقالات للكثير من الناشطات.

اقرأ/ي أيضًا: تطبيع السعودية الشامل مع إسرائيل.. الثمن الذي لا يهم ابن سلمان

ستظل هذه المشاريع تصب في خانة تلميع صورة الحاكم، وإظهاره كصاحب نهج جديد وجريء، دون أن يتم التركيز على أن الثمن المقابل لهذا الانفتاح هو انتهاكات إنسانية وفساد وسوء في الحكم وتفريط بمال البلاد ومدّ جسور الودّ مع العدو.

 

اقرأ/ي أيضًا:

5 أفلام فضحت النظام السعودي من الداخل

بعد هزائم ابن سلمان المتكررة.. "أمير الأنيميشن" ينتصر في فيلم كرتوني