15-فبراير-2017

فايكنغ، مسلسل مثير للجدل في انتظار جزئه الخامس (من المسلسل)

انتهى منذ أيام عرض الحلقة الأخيرة من القسم الثاني لمسلسل "فايكنغ" بأجزائه الأربعة، والذي أعلنت قناة "History" منذ انتصاف الحلقات الخمس الأولى من قسمه الأول، آذار/مارس الفائت، أنه سيكون له جزء خامس مؤلف من 20 حلقة مثل سابقه.

تعرض مسلسل فايكنغ لنقد شديد بسبب ما اعتبره البعض خروجه عن السياق التاريخي لبلاد الشمال وعدم تعرضه لقصائد "إدا" الشهيرة

والحقيقة أن تكتب عن مسلسل عرضت أولى حلقاته عام 2013، ووصل عددها حتى الآن إلى 50 حلقة، من المؤكد أنك لن تستطيع أن تتحدث عن جميع الشخصيات، أو الأحداث التي رافقت صعود ترافيس فيميل، الذي لعب دور (راغنار لوثبروك) ملك "الفايكنغ"، وقادهم لغزو "الغرب المسيحي" من بلاده أرض الشمال التي وصف سكانها بـ"الوثنية".

اقرأ/ي أيضًا: مسلسل مستر روبوت والعبودية الناعمة

قبل المضي في الحديث عن المسلسل علينا التنويه أن "الفايكنغ" نال قسطًا من النقد بسبب خروجه عن السياق التاريخي لبلاد الشمال، مثالًا على ذلك نقرأ في النسخة الإنجليزية لمحرك البحث "ويكيبيديا" عن سيرة الملك راغنار لوثبروك أن شخصيته بحسب الأساطير الإسكندنافية ليست سوى "مزيج من شخصيات تاريخية مختلفة"، ومن الممكن أنه ليس لها وجود. كما أن البحث أكثر في مسيرة هذه الشخصية التي يقال إنها تمتد في نسبها للإله "أودين" (كبير الآلهة في الأساطير الإسكندنافية)، إضافة لاختلاف الكتبة في عدد أولاده فمنهم من قال كان لديه ثلاثة أولاد، ومنهم من يقول ستة، فيما اتفقت معظم الروايات على أن الملك راغنار تزوج ثلاث مرات، ونراه في المسلسل تزوج مرتين فقط.

حتى أن ويل ديورانت في "قصة الحضارة" عندما يتحدث عن طبائع أهل الشمال، والذين يقصد بهم شعب "الفايكنغ" لا يأتي على ذكر راغنار، رغم أنه ذكر طبيعة علاقاتهم الاجتماعية، وقوانينهم، مع وصف دقيق لأحكامهم الصادرة ضد مخالفي القانون، كما يصف مكانة المرأة لديهم بأنها "لم تكن أم الخطيئة بل كانت أم الرجال الأقوياء البواسل"، وهو ما يعكسه المسلسل عندما تدير الزوجة الثانية لراغنار الحكم في غيابه حين يذهب لغزو باريس، أو زوجته الأولى التي تصبح الملكة بعد وفاته وقتلها للزوجة الثانية ثأرًا منها على سرقة زوجها الملك راغنار.

كذلك لم يتطرق العمل للحديث عن أن "الفايكنغ" كانوا يشتهرون بالعزف على الآلات الموسيقية، أو في إلقائهم للأشعار التي كانت ترد بذكر سريع في سياق الحلقات دون أن تقدم أي بيت منها، إذ يقول ديورانت إن بلاد الشمال اشتهرت بمجموعة قصائد تسمى "إدا"، وهي "معظمها قصائد أغانٍ قصصية عن الأبطال والآلهة الإسكندنافيين".

ويذكر في الجزء الـ14 من "قصة الحضارة" في فصل "أهل الشمال" أن "أعظم قصائد الإدا قوة هي قصيدة الفولسيا (...) وتختلف عن هذه القصيدة في الأسلوب (أغنية الواحد الأعلى) التي يصوغ فيها أودين، بعد أن يمر بمختلف الظروف، ويلتقي بجميع الناس، ما تمليه عليه حكمته من أمثال ليست كلها من الأمثال الخليقة بالآلهة".

هذا إذا أردنا أن نتكلم عن العمل من وجهة نظر تاريخية، نظرًا أن جميع المراجع التاريخية اتفقت على البنية القوية لرجل "الفايكنغ"، وبراعتهم في القتال وبناء السفن والإبحار وغيرها الكثير، وإذا كان العمل الذي يدمج في نصه المكتوب قصص أربع دول إسكندنافية أظهر أنهم شعوب تعتمد في الغزو على "القتل، النهب، الاغتصاب"، لا أظن أن أيًا من الحروب على مر التاريخ كانت خالية من هذه الأفعال المتواجدة حتى يومنا هذا، لأنه ذلك حالها جميعها بلا استثناء، ثم إن حياتهم الاجتماعية كان فيها تقدمًا حضاريًا أكثر من جيرانهم الغربيين.

على صعيد الشخصيات التي شاركت في العمل، يمكن أن نجد عددًا محددًا منها لعب دورًا بارزًا في الأجزاء الأربعة، أولها ثنائية راغنار – الراهب إثيلستان، الذي جسد شخصيته الممثل جورج بلاغدين، وكانت واضحة منذ الحلقة الثانية عندما جرب لأول مرة "الفايكنغ" غزو العالم الغربي، والحوار الوجودي الذي دار بين الاثنين عندما كان إثيلستان يحمي "إنجيل يوحنا"، وسأله راغنار: "من بين كل الكنوز التي أراها في هذا المكان اخترت حماية هذا (إنجيل يوحنا) لماذا"، ليجيب الراهب: "لأنه من غير كلمة الرب.. هناك الظلام فقط".

أظهر مسلسل فايكنغ الشعوب الإسكندنافية كشعوب تعتمد على القتل، النهب والاغتصاب غير أنها ممارسات ميزت مختلف الغزوات ولم تقتصر عليهم

طوال الحلقات التي عرضت قبل أن تصل في الجزء الرابع إلى غزو باريس، كان راغنار محاطًا بجمع كبير من الأصدقاء المخلصين، من بينهم الراهب إثيلستان، الذي بدل ديانته للوثنية، وصُلب بعد أن اعتقله الإنجليز في إحدى غزوات الشماليين ليحرره من الصلب ملك "ويسيكس"، وبقي وثنيًا إلى أن عاد للمسيحية قبل أن يقتل في بلاد الشمال، وكان الصديق الأكثر قربًا من راغنار، بعد أن قتل جميع أصدقائه الذين شاركوه في غزو بلاد الغرب، حيثُ ظهر المنعطف الأهم في مسيرة ملك "الفايكنغ" حين كان يحاول أن يجد موطنًا جديدًا لشعب الشمال، في عجزه عن دخول باريس، بسبب مقتل مرشده في الغزوات، الراهب المسيحي على يد غوستاف سكارسغارد "فلوكي/صانع القوارب"، الذي أراد بقتله تقديم قربان غالي الثمن للإله "أودين".

فايكنغ، مسلسل مثير للجدل في انتظار جزئه الخامس (من المسلسل)

أكثر ما يميز المسلسل أنه يعتمد إذا ما أردت أن أقارب الوصف للحالة الصوفية في الإسلام، التقرب من الآلهة التي نعرف في الحلقات الأخيرة من الجزء الرابع أن راغنار لم يكن يؤمن بها مثل المسيحية، عكس معتقدات شعب "الفايكنغ" الذين وجدوا أن شعوب "الغرب المسيحي" لديهم ديانة مختلفة تمامًا في طقوسها، وهو ما كان يدركه راغنار جيدًا.

لم يكن راغنار على طول الحلقات التي ظهر بها، 45 حلقة، يعكس أنه يريد الغنائم، والتي ظهرت منذ لقائه الأول للينوش روش (إكبرت ملك ويسيكس)، بقدر ما كان مهتمًا بتأمين أراضٍ صالحة للزراعة من أجل أن يستوطن فيها شعب الشمال، وتخليد اسمه بين أعظم الملوك المكتشفين، وهو عندما سلم نفسه كان يسعى وراء إكمال مسيرة ما بدأه.

اقرأ/ي أيضًا: "أنا حلومة".. مسلسل كرتون تونسي بلمسة شابة

"الحيوانات الصغيرة ستصرخ بشدة.. عندما تسمع صراخ الحيوان الكبير"، آخر كلماته التي قالها في وجه ملك "نورثمبريا" قبل أن يرمى بحفرة مليئة بالثعابين، لأنه كان يعرف أن هزيمته في باريس لن تجعل أحدًا من محاربي الشمال يتبعونه، أراد لأبنائه أن يغزوا هم السواحل الغربية، وأن يكون لهم دافع محمول بالثأر حتى ينجحوا في ذلك.

الشخصية الثالثة التي لعبت دورًا محوريًا في المسلسل كانت فلوكي (صانع القوارب)، الذي بفضله وصل راغنار لأول مرة العالم الغربي، عندما صنع له قاربًا للإبحار نحو العالم المجهول، ونال بعدها شهرة كبيرة في بلاد الشمال، جعلته يحبط جميع المؤامرات التي أُحيكت للقضاء عليه. ما قدمه فلوكي من شخصية متأثرة بما ينسج من حكايا عن الآلهة في الأساطير الإسكندنافية، حالات الفزع والارتجاف التي كانت تظهر على وجهه خلال الإبحار، طريقة حديثه عن الآلهة، الاضطرابات النفسية الممزوجة مع الأحلام، وكلامه الأكثر اهتزازًا مع زوجته، جعلت منه إنسانًا مضطربًا، أظن أن هذا الرجل سيقدم تجربة مختلفة إذا ما لعب دورًا رئيسيًا في أحداث "Marvel" المقتبسة عن قصص الكوميكس.

ومن وجهة نظر شخصية ثانية، أرى أن سكارسغارد في دور (فلوكي) كان من أكثر الممثلين الذين أدوا دورهم بمهارة عالية، علمًا أنه كان مرشحًا لتجسيد شخصية راغنار لكنه رُفِض بعد تأديته لمشاهد تجريبية. سكارسغارد كان أكثر من مقنع في عكس شخصية فلوكي على الأداء الجسدي، منها مثلًا عندما قام بدفن زوجته مود هيرست "هيلغا"، وهو يقول لها: "عندما مات بالدر ابن (الإله) أودين لم يبكِ الناس فحسب، لكن النار بكت، وبكى الحديد وجميع المعادن، وبكت الحجارة، وبكت الأرض..".

لكن قبل ذلك كان فلوكي يخوض صراعًا وجوديًا عندما غزا الكسندر لودفيج (بيورن لوثبروك) بلاد الأندلس الإسلامية، ووقف داخل المسجد مذهولًا من مظهر الرجال الذين كانوا يؤدون شعائر الصلاة، جاهلًا بما يعبد هؤلاء القوم الذين يوجه جميع الرجال أنظارهم إلى الحائط، هذا المشهد يرجعنا تمامًا للحظات الأولى التي دخل فيها راغنار إلى الكنيسة في أول إبحار إلى الغرب والتقى بها الراهب إثيلستان، في النهاية يقول فلوكي: "مات جزء مني بموت ابنتي أنغربودا، ومات جزء مع راغنار، ومات الجزء الأخير من جسدي مع حبيبتي الحزينة هيلغا، أنا لا شيء الآن، وأمنح هذا اللاشيء للآلهة لتفعل به ما تشاء"، ثم ينهض مغادرًا المكان.

وأيضًا كان في العمل شخصية أخرى أساسية، ظهرت بوجه مشوه، إنه جون كافانا (العراف)، الذي كان ينقل ما تقوله الآلهة لجميع شخصيات العمل، وهم بدورهم كانوا يلجؤون إليه لمعرفة ما يخبئه لهم المستقبل، كانت جميع كلماته محاطة بالألغاز لكنها لم تخطأ على مدى سير الحلقات، أهمها صراخه عندما كانت جيوش "الفاينكغ" تتلقى الهزيمة على يد الباريسيين، هي مهمة جميع العرافين على أية حال، ومن هنا كانت معظم الحلقات مصبوغة بنوع من الصوفية الإسكندنافية خالصة المعالم، باعتمادها على التفاسير التي كانت تأتي مع الأساطير، منها الغربان التي أنبأت الجميع بموت الملك راغنار.

نهاية، يفتح المشهدان الأخيران من الحلقة الأخيرة الاحتمالات أننا سنكون أمام موسم خامس دموي لا يختلف عن النسخ السابقة في إراقة الدماء، مقتل أحد أبناء راغنار على يد شقيقه إليكس أندرسن (إيفار)، الذي سيكون له دور بارز في الحلقات القادمة، ظهور الأسقف (هيغموند) بمشهد صلاة كنسية، يلحق بعده بمشهد جنسي للأسقف عينه وإلى جانبه سيف يشتعل ضياءً، ما يدل على أن الجزء لن يتأثر بموت شخصيات العمل الرئيسية، وأولها الملك راغنار، إنما سيقدم شخصيات جديدة تقف في وجه مقاتلي الشمال الوثنيين، وعلينا ألا ننسى ابن راغنار من علاقته الجنسية مع ملكة "مرسيا" الإنجليزية، الذي أنكره في لقائه مع الملك إكبرت، وزوجة بيون التي شُوه وجهها بضربة سيف في أولى معاركها فقررت هجره، واختفت بعدها من جميع الحلقات.

فايكنغ، مسلسل مثير للجدل في انتظار جزئه الخامس (من المسلسل)

اقرأ/ي أيضًا: 

مسلسل البابا اليافع.. كيف عرى المسلسل شخصية البابا

مسلسل "الندم".. ولكن ما سبب "الأزمة"؟