05-يوليو-2016

محمود نصر في دور الكاتب عروة

أجبرت الثورة السورية نتاجًا فنيًا جماهيريًا كالدراما التلفزيونية، يتحكم به النظام من خلال المؤسسة الحكومية، أو شركات الإنتاج التي يملكها أركانه، على التطرق لموضوع الاعتقال السياسي، الذي هو ليس حكم بالحبس يصدر عن محكمة بوجود محامٍ، بل عملية اختطاف تعسفية لا يعرف متى تبدأ ومتى تنتهي مدتها، ودون أية أسباب أو بوجود أسباب قراقوشية تصدر عن محاكم هزلية، وحيث أنه ما من مواطن محصن من أن لا يكون عرضة لما يرتأيه مزاج عصابة تسمي نفسها دولة.

أجبرت الثورة السورية الدراما التلفزيونية التي يتحكم به النظام على التطرق لموضوع الاعتقال السياسي

في مسلسل "الندم" للكاتب حسن سامي يوسف والمخرج الليث حجو، تعرض تجربة اعتقال سياسي للشاب هشام "جابر جوخدار" اعتباطية تمامًا، فالشاب البسيط لا يمنح حتى شرف ممارسة نشاط سياسي معارض محدود، فيعتقل قبل الثورة بأعوام دون أن يعرف لماذا دخل تلك الأقبية الرهيبة التي يتعرض فيها للتعذيب ويتمنى الموت، قبل أن يصبح الموت تحت التعذيب من أهون الأشياء على جلاوزة السلطة السورية بعد عام 2011 إذا استثنينا أحداث سجن تدمر في الثمانينيات. ويعود هشام فيعتقل من جديد خلال الثورة دون أن يوضح المسلسل السبب، إلا أنه من المرجح أن هشام امتلك هنا شرف السبب، فلم يتردد بالمشاركة في الاحتجاجات ضد نظام العصابة.

اقرأ/ي أيضًا: عن واقعية الدراما السورية بعد موسم مخيّب

لكن المسلسل المنتج من قبل شركة رجل الأعمال محمد حمشو، أحد الأركان غير الرسمية، لنظام النهب والقتل، يريد أن يقول إن هناك من شارك في الاحتجاجات من باب النقمة إثر "ممارسات خاطئة" من جهات لا يتحمل الرئيس مسؤولية أعمالها، ربما لأنه لا يعلم وهنا المصيبة أعظم! فبطل العمل الكاتب عروة، محمود نصر، يقول لضابط المخابرات اللطيف والمثقف الذي يناقشه في المقهى إنه ليس ضد النظام، لكنه يحتج على اعتقال شاب وفتاة من المقهى ويرى أنهما لا يشكلان خطرًا على أمن الوطن. تعرف عروة إلى هذا الضابط حين استدعاه ليحقق معه بخصوص هشام خطيب شقيقته ندى، رنا كرم، بتحريض من شقيقه الأكبر عبده، باسم ياخور، رجل الأعمال النافذ ذي العلاقات الأمنية.

يمثل عبده الجيل الجديد من الطبقة التجارية المدينية المتحالفة مع السلطة، وهو ابن تاجر اللحوم التقليدي إبراهيم الغول أبو عبده "سلوم حداد" الذي تضعف قبضته الحديدية على العائلة والأعمال مع تقدمه في السن وتقوية ابنه عبده لموقعه، خاصة مع هروب الشقيق الأوسط سهيل "أحمد الأحمد" من تسلط الأب ومغادرته البلاد، يشار إلى أن الممثل باسم ياخور يتابع هنا نمطية الأدوار السلبية التي يبدو أنه لا يستطيع الخروج منها إلا نحو الأدوار الكوميدية.

اقرأ/ي أيضًا: الدراما السورية منشغلة بالتطرف

في الندم، يتابع باسم ياخور نمطية الأدوار السلبية التي يبدو أنه لا يستطيع الخروج منها إلا نحو الأدوار الكوميدية

ينقسم المسلسل بين مشاهد الزمن الحاضر المصورة بالأبيض والأسود كدلالة على فقر الحياة والعيش في هذه المرحلة، والاستقطاب الحاد الذي تشهده البلاد التي يؤكد المسلسل أنها كانت تعج بالسلبيات وأن فيها فسادًا لا يوجد له نظير في العالم كما يرى البطل عروة، ومشاهد الماضي الذي كان زمنًا ملونًا فيه رومانسية وتراحم، فيما تقوم الآن جهات مجهولة بقصف أماكن غير معلومة قد تسمى حي جوبر الدمشقي، وفي البلد "أزمة" حسب التعبير المحايد أخلاقيًا تجاه الدكتاتورية والإجرام.

قد يكون "الندم" أقل أعمال الدراما السورية النظامية سوءًا، وفيه بقايا من حس سليم لا يستطيع الذهاب إلى النهاية كأمر بدهي كونه صادر عن أصل "الأزمة"، وإن كانت الحياة ملونة حسب المسلسل قبل عام 2011، فإن ذلك لا يتعلق بأي جانب إيجابي لدى السلطة، بل بحيوية مجتمع وجماليات إنسانية فيه، نقل المسلسل شيئًا مما تبقى منها، قبل أن يجهز وحش الظلام الأسدي الطائفي على آخرها.

اقرأ/ي أيضًا:

مسلسل الندم.. زمن الخراب دائري

نبتدي منين الحكاية.. دراما الطبقة المخملية السورية