أيام معدودة تبقت على لحظة تاريخية تنتظرها الجماهير القطرية، لرؤية منتخب بلادها يخوض نهائيات كأس العالم لأول مرة في التاريخ، بعد أن فازت الدولة الخليجية في شرف تنظيم العرس الكروي العالمي قبل حوالي 12 عامًا.

تشارك قطر بمنتخب شاب تعقد عليه آمالًا كبيرة، لتقديم ظهور مشرف يليق بالاستعدادات والمشاريع الجبارة التي قامت بها الدوحة، لإخراج نسخة تنبأ جياني إنفانتينو بأنها ستكون "الأفضل في تاريخ كأس العالم".  

لفت "العنابي" الأنظار له في السنوات الأخيرة بشكل كبير، بعدما أظهر تطورا كبيرا في المستوى الفني خلال نهائيات أمم آسيا 2019، والتي نال لقبها على حساب المنتخب الياباني (3ـ1)، وكأس العرب الأخيرة التي حل فيها ثالثًا بعد منتخب الجزائر البطل وتونس الوصيفة.

الاستعداد للمونديال

منذ إعلان جوزيف سيب بلاتر، الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم، فوز ملف قطر بتنظيم مونديال 2022، بدأ الإعداد لتجهيز منتخب قوي يُشارك في النهائيات،  وقادر على مجاراة المنتخبات العالمية، على أساس مخطط وممنهج، عُمل عليه ابتداءً من المراحل السنية المُبكرة.

ولعبت أكاديمية  التفوق الرياضي "أسباير" دورا كبيرا في تجهيز منتخب المستقبل، حيث استقبلت المواهب الشابة وقامت على تطويرهم، من خلال إرسالهم إلى فريق يوبين البلجيكي، الذي تعود ملكيته للأكاديمية القطرية.

وأمن تواجد اللاعبون القطريون في بلجيكا نقلة نوعية في الفكر الكروي لهم، مع توفير احتكاك مباشر بالدوريات الأوروبية من جهة، وانعكاس التجربة البلجيكية الناجحة في تطوير كرة القدم، والتي اعتمدت على النهوض بالقواعد الشابة من جهة أخرى.

وجاءت أولى ثمار العمل الدؤوب لمسؤولي الكرة في القطر عام 2014، حين توّج الجيل الواعد لأكاديمية "أسباير" بلقب بطولة كأس أمم آسيا تحت 19 عام، في نسختها الـ 38، في ميانمار.

وفي 2019 واصل "العنابي" نجاحاته وحصد اللقب الأغلى للكرة القطرية، بفوزه بكأس أمم آسيا في الإمارات العربية المتحدة، بعد أداء رائع استطاع من خلاله الفوز جميع المباريات السبع و أنهى البطولة كأقوى خط هجوم (19 هدفا)، وأقوى خط دفاع حيث تلقت شباكه هدفا وحيدا فقط.  

وعقب التميز الآسيوي، كان لا بد من الذهاب بالمنتخب القطري إلى مستوى فني أبعد، فكانت المشاركة الشرفية في كوبا أمريكا 2019 هي الباب الأوسع للدخول والتعرف إلى خطط وتكتيك فرق عالمية، والاحتكاك مع لاعبين بقيمة النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي وخاميس رودريغيز.

صحيح أن النتائج لم تكن مرضية لطموح الجماهير القطرية ومن يتابعها من العرب، إلا أن مشاركة القطريين في كوبا أمريكا كان لها إيجابيات كثيرة وعظيمة، أهمها مواجهة منتخبات كبيرة وذات خبرة وجودة، ومدارس مختلفة وأساليب تكتيكية متنوعة، واللعب ضد نجوم الصف الأول في العالم تحت ضغوطات قوية وجدية.

المنتخب القطري لم يُحقق أي انتصار في الكوبا لكنه كان قريبًا من الفوز على الباراغواي، وصمد أمام كولومبيا حتى الدقائق الأخيرة قبل أن يخسر اللقاء بهدفٍ وحيد، وانهزم بأخطاء فردية أمام الأرجنتين بهدفين دون مقابل.

ويمكن اعتبار مشاركة منتخب قطر في كوبا أمريكا بمثابة معسكر إعدادي بمستوى فني عالٍ للكرة القطرية، التي قدمت في البطولة أداء جيدًا على المستوى الفردي والخططي، وحصدت نتائج كانت مقبولة نظرًا للفارق في الجودة والخبرات حينها.

التجربة ذاتها كررها القطريون لكن في أوروبا بالمشاركة في التصفيات المؤهلة للمونديال، والكأس الذهبية لمنتخبات أمريكا الشمالية والوسطى، ليكون المنتخب القطري بذلك قد احتك وتعرف على أغلب الخطط وأساليب اللعب التي قد يواجهها في النهائيات العالمية.

حظوظ العنابي في المونديال 

يخوض منتخب قطر نهائيات كأس العالم في المجموعة الأولى إلى جانب منتخبات قوية هي هولندا، السنغال، والإكوادور.

وتمتلك قطر عنصر الحماس وتأثير الجماهير التي من المنتظر أن يكون لها حضور قوي على المدرجات في المباراة الافتتاحية أمام الإكوادور، حيث ستمثل هذه المباراة أولى خطوات العبور إلى الدور الثاني والفوز بها سيُحدد بشكل كبير مستقبل المنتخب القطري في البطولة.

الانتصار على الإكوادور ليس بالمهمة السهلة لكنه في المتناول رغم العروض القوية التي قدمها المنتخب الأمريكي الجنوبي في التصفيات، نظرًا لكون المنتخب القطري قد استعد جيدا لمواجهة الأسلوب اللاتيني من خلال مشاركته في كوبا أمريكا، وخوضه عديد الوديات أمام المدرسة اللاتينية. 

بالنسبة "للعنابي"، الذي تمكن من هزم الإكوادور في مباراة ودية أقيمت في 2018 بثلاثة أهداف لاثنين، فإن الانتصار عليها مُجددا سيُعطي دافعا قويا لتقديم أداء مميز في مواجهة أصعب أمام السنغال، بطلة إفريقيا، والتي يُرشحها البعض للذهاب بعيدا في المونديال القادم.

وقد يكون التعادل أمام السنغال كافيًا لقطر لحجز بطاقة التأهل، خاصة وأن مواجهتها الأخيرة في دور المجموعات ستكون أمام هولندا، المرشحة الأبرز للصدارة، والتي قد تلعب تلك المباراة كتحصيل حاصل بعد أن تضمن تأهلها، هذا في حال عدم حدوث مفاجآت أخرى. 

منتخب شاب ومستقر 

يقود المنتخب القطري الأول المدرب الإسباني فليكس سانشيز منذ تموز/يوليو 2017، وهو الذي تسلم مهامه خلفا للأوروغوياني خورخي فوساتي الذي تقدم باستقالته في 13 حزيران/يونيو 2017 خلال التصفيات الآسيوية المؤهلة لمونديال "روسيا 2018".

تعيين سانشيز جاء حينها لفترة مؤقتة لكي يُكمل التصفيات ريثما يتم الاعتماد على مدرب جديد يتسلم الإدارة الفنية للمنتخب القطري في المستقبل، ولم يكن من المخطط أن يستمر فليكس في تدريب "العنابي" لهذه الفترة، قبل أن يستقر الاتحاد القطري على تعيينه مدربًا بصفة دائمة، ليكمل مشواره مع الجيل نفسه الذي قاده لبضعة أعوام إلى الفوز بكأس آسيا تحت 19 عاما.       

هذه الخطوة أمنت الاستقرار الكامل للمنتخب القطري على المستوى الفني والخططي، وساهمت في إعطاء المدرب فليكس سانشيز الوقت الأكبر لإيصال أفكاره للاعبين، وهذا ما حضرت نتائجه في السنوات التالية.

ويمتلك المنتخب القطري في صفوفه مجموعة شابة من اللاعبين المميزين أمثال أكرم عفيفي، والمعز علي، وبوعلام خوخي، وحسن الهيدوس، وصلاح زكريا، وعبد العزيز حاتم، وغيرهم من الأسماء البارزة في الدوري القطري.

المنتخب القطري استعد خلال 12 عامًا لكل أنواع الخصوم تقريبا، وخاض 22 مباراة دولية بين رسمية وودية العام الماضي، ولعب هذا العام عديد المباريات التحضيرية، وكل هذا يأتي في سبيل تحقيق نتائج مشرفة إلى جانب النجاح التنظيمي.