10-أغسطس-2023
gettyimages

التقرير لم يشمل حوادث العنف التي نفذت من قبل عناصر الشرطة (ألترا صوت)

رصد تقرير مطول لوكالة رويترز  تزايد ظاهرة العنف السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة، وقارن التقرير الموجة الجديدة من العنف السياسي بموجة العنف التي عرفتها السبعينيات من القرن الماضي. 

وبناء على ذلك كشف التقرير عن مفارقتين، فعلى عكس سبعينيات القرن الماضي، فإن الكثير من العنف السياسي اليوم يستهدف الأشخاص بدلاً من الممتلكات، كما أن معظم أعمال العنف المميتة الأخيرة التي تعقبتها رويترز جاءت من اليمين المتطرف. 

وأورد التقرير مثالًا حديثًا على ذلك، يتمثل في إقدام مؤيد لترامب في ولاية أوهايو تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 على إطلاق 3 رصاصات قاتلة على رأس جاره لأنه كان يشتبِه في أنه ديمقراطي.

أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن الانقسامات التقليدية، المتجذرة عادة في الاختلافات السياسية بين اليمين واليسار، أفسحت المجال لتصور أن أعضاء الحزب السياسي المعارض هم قوة شريرة عازمة على تدمير النسيج الاجتماعي والثقافي لأمريكا

وبحسب تقرير رويترز فقد أودت أعمال العنف السياسي في الولايات المتحدة منذ بداية العام الحالي بحياة 39 شخصًا على الأقل، ما أدى إلى اضطراب العديد من جوانب الحياة الأمريكية.

كما رصدت رويترز منذ هجوم أنصار ترمب على مبنى الكابيتول، رفضًا لنتائج الانتخابات التي فاز بها بايدن، 213 حالة عنف سياسي، وتعليقًا على ذلك قال ثلاثة أكاديميين راجعوا القضايا التي جمعتها رويترز، إن أمريكا "تصارع أكبر زيادة في العنف السياسي وأكثرها استدامة منذ السبعينيات".

بودكاست مسموعة

العنف السياسي الأمريكي: كيف حللت رويترز مئات الحوادث؟

راجعت رويترز مئات الحوادث العنيفة منذ 6 من كانون الثاني/يناير 2021، تاريخ أعمال الشغب في الكابيتول، باستخدام معايير محددة لتحديد الحالات التي تحركها أحداث سياسية أو أيديولوجية.

وبناء على ذلك استوفت 213 حالة معايير رويترز للعنف السياسي من أصل أكثر من 600 حادثة. 

ونظرًا لعدم وجود تعريف حكومي أو قانوني موحد لما يشكل عنفًا سياسيًا، تميل المعايير التي يستخدمها الباحثون إلى الاختلاف. 

وبعد استشارة 6 من المتخصصين، تبنت رويترز تعريفًا ضيقا نسبيًا للعنف السياسي بوصفه "الأفعال التي يرتكبها أفراد من الجمهور والمرتبطة بانتخابات أو نزاع سياسي حزبي، أو اعتداءات جسدية متعمدة مدفوعة بأيديولوجية محددة بوضوح". كما طورت رويترز ، حسب زعمها، معايير لتقييم ما إذا كانت الحالات تفي بهذا التعريف.

وبناء على ذلك، تم استبعاد الحوادث التي قامت بها الشرطة أو غيرهم من العملاء الحكوميين بصفتهم الرسمية. 

getty

عوامل العنف السياسي ودوافعه

وبحسب التقرير فإن أعمال العنف السياسي المميت جاء بعضها عقب خلافات فردية، مثل شجار قاتل العام الماضي بين رجلين من فلوريدا كانا يتجادلان حول فطنة ترامب التجارية. 

وحدثت أحداث أخرى في أماكن عامة، مثل إطلاق النار على خمسة من متظاهري العدالة الاجتماعية في بورتلاند العام الماضي على يد رجل منغمس في الخطاب السياسي اليميني المتطرف. وأودت عمليات القتل الجماعي ذات الدوافع السياسية بحياة 24 شخصًا، بما في ذلك إطلاق النار في أيار/مايو 2022 على 10 متسوقين سود في بوفالو على يد شخص متعصب أبيض دعا إلى حرب عرقية.

وكان حوالي ثلثي حوادث العنف السياسي التي وثقتها رويترز اعتداءات شنها مهاجمون منفردون أو اشتباكات بين الجماعات المتناحرة في المناسبات العامة، مثل المظاهرات على عمليات قتل على أيدي الشرطة والإجهاض وحقوق المتحولين جنسيًا. وتضمنت البقية أضرارًا جسيمة في الممتلكات، غالبًا ما ارتبطت باحتجاجات العدالة الاجتماعية وغالبًا ما تنسبها الشرطة إلى "المتشددين اليساريين".

ونقل التقرير عن الباحث في علم الجريمة بجامعة ماريلاند جاري لافري، قوله إن حوادث العنف السياسي بدأت في الارتفاع في عام 2016، في وقت قريب من ترشح ترامب لأول مرة للرئاسة. وبحسب ذات الباحث فإنه "لا يبدو أننا وصلنا إلى قمة الموجة حتى الآن".

وبحسب التقرير فقد تصاعد العنف السياسي الحديث بدءًا من أواخر الستينيات - وشهد عام 1970 وحده أكثر من 450 حالة، لكنه أصبح نادرًا نسبيًا بحلول عام 1980.

وشهدت التسعينيات ارتفاعًا في معدلات العنف، بما في ذلك تفجير المبنى الفيدرالي في أوكلاهوما سيتي عام 1995 والذي أسفر عن مقتل 168 شخصًا، فيما يصفه مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنه أسوأ عمل إرهابي محلي في البلاد. 

إلا أن هذه الموجة الجديدة من العنف السياسي مختلفة، حسب تقرير رويترز، في أهدافها ووسائلها.

وفي هذا الصدد قالت راشيل كلاينفيلد، الباحثة في مجال الصراع السياسي والتطرف في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وهي تعتقد إنه في أوائل السبعينيات، كان العنف السياسي الأمريكي يرتكب في كثير من الأحيان من قبل متطرفين من اليسار، وركز بشكل كبير على تدمير الممتلكات، مثل المباني الحكومية. ولم يكن الهدف قتل الناس، بل كان العنف السياسي حينها للتأثير على القرارات صانعي السياسات".

getty

في المقابل، فإن الكثير من أعمال العنف السياسي اليوم تستهدف الناس - ومعظم الانفجارات المميتة التي تعقبتها رويترز جاءت من اليمين. فمن بين 14 هجومًا سياسيًا مميتًا منذ أحداث الشغب في الكابيتول والتي كان للجاني أو المشتبه فيه ميول حزبية واضحة، كان 13 مهاجمًا يمينيًا بينما كان واحد فقط منتميًا لليسار.

وتتنوع تفسيرات العنف السائد اليوم، بدءًا من القلق المالي الواسع النطاق والاضطراب الناجم عن جائحة COVID-19 إلى عدم الارتياح تجاه التركيبة السكانية العرقية والإثنية المتغيرة في أمريكا وتطرّف الخطاب السياسي في عهد ترامب.

وفي هذا الصدد، أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن الانقسامات التقليدية، المتجذرة عادة في الاختلافات السياسية بين اليمين واليسار، أفسحت المجال لتصور أن أعضاء الحزب السياسي المعارض هم قوة شريرة عازمة على تدمير النسيج الاجتماعي والثقافي لأمريكا.

ففي استطلاع أجرته رويترز / إبسوس لما يقرب من 4500 ناخب مسجل في أيار/مايو، وصف ما يقرب من 20% من المستجيبين الديمقراطيين والجمهوريين العنف بأنه "مقبول" إذا التزم "بتحقيق فكرتي عن مجتمع أفضل". لكن هذه المشاعر تثير قلق معظم الأمريكيين. فقد أعرب حوالي 65% من المشاركين في استطلاع منفصل لرويترز / إبسوس في آذار/مارس ونيسان/أبريل عن قلقهم بشأن "أعمال العنف المرتكبة ضد أشخاص في مجتمعهم بسبب معتقداتهم السياسية".

زكي وزكية الصناعي

ورصد التقرير ما قال إنه تصاعد للتهديدات بالعنف وخطاب الترهيب بعد أن خسر ترامب انتخابات عام 2020 حيث ادعى أن فوزه سرق لصالح منافسه بايدن. 

ويرى الأكاديميون ومسؤولو الانتخابات ووكالات إنفاذ القانون أنّ النقاشات المحتدمة حول قضايا مثل الإجهاض وحقوق المتحولين جنسيًا تثير العداء بين اليمين واليسار. 

أودت أعمال العنف السياسي في الولايات المتحدة منذ بداية العام الحالي بحياة 39 شخصًا على الأقل

كما تزيد محاكمات ترامب بتهمة إساءة التعامل مع السجلات السرية والتآمر لإلغاء انتخابات 2020 الضغينة الحزبية بشأن حملته لاستعادة البيت الأبيض. حيث قام بعض مكاتب الانتخابات المحلية بتركيب زجاج مضاد للرصاص وأبواب أمنية وسط تهديدات بالعنف.

وسبق لوزارة الأمن الداخلي الأمريكية، أن صرّحت في نشرة عامة لإنفاذ القانون في أيار/مايو الماضي أن المتطرفين السياسيين "بدافع مجموعة من المعتقدات الأيديولوجية" يشكلون "تهديدًا مستمرًا وقاتلًا". 

جاء ذلك بعد تحذير مدير مكتب التحقيقات الفدرالي كريستوفر راي في جلسة استماع بالكونغرس في آب/أغسطس من العام الماضي من أن النزاعات الانتخابية والمظالم المحلية تغذي التوترات المتزايدة، قائلًا: "أشعر وكأنني أتلقى كل يوم إحاطة بشأن قيام شخص ما بإلقاء زجاجة مولوتوف على شخص ما بسبب مشكلة ما. هذا جنون".