26-يناير-2021

أفراد من جماعة "الأولاد الفخورين" المتطرفة (Getty)

بين اعتلاء ترامب سدّة حكم الولايات المتحدة وبين صعود جماعات اليمين المتطرّف بالبلاد علاقة اطرادية؛ من ناحية حازت هذه الحركات على ممثلين لها في رأس هرم السلطة الأمريكية، فيما هؤلاء وفّروا عبر سياساتهم لها البيئة المناسبة للتنامي، مغذين طرحها بخطاب شعبوي هو المادة الحيوية لأيديولوجيتها.

بين اعتلاء ترامب سدّة حكم الولايات المتحدة وبين صعود جماعات اليمين المتطرّف بالبلاد علاقة اطرادية

هي ذي إذًا التوليفة التي أهدت أمريكا والعالم، طوال السنوات الأربع الماضية، مشاهد الأعمال الإرهابية والمواجهات المسلحة التي كان أبطالها من دعاة مركزية العرق الأبيض الأمريكيين، والتي تزايدت في عهد ترامب لدرجة صنّفها الكونغرس سنة 2019 كـ "أخطر تهديد إرهابي" تواجهه البلاد. وصولًا إلى اعتدائها على مبنى الكونغرس، وتهديدها حفلَ تنصيب الرئيس الذي مرّ في أجواء أمنية مشدّدة.

اقرأ/ي أيضًا: مناورة الجمهوريين.. التيار الترامبي يقود المحافظين إلى مواجهة داخلية

وذا هو الواقعُ الذي ورثه جو بايدن عن سابقه الجمهوري، كما ورث عنه وعودًا بالعودة، يقول متابعون إن ترامب يراهن فيها على بقاء نشاط مناصريه من هذه الحركات داخل الساحة الأمريكية. في ما يلي من المقال نستعرضُ مكونات هذا الواقع، كما نحاول الإجابة عن سؤال: ما معالم سياسة الرئيس الجديد في مكافحة الحركات اليمينية المتطرّفة؟

الأولاد الفخورون.. الجناح العسكري لليمين المتطرف الأمريكي

"هل ستدين اليوم جماعات مركزية العرق الأبيض ومليشياتها، وتأمرهم بوقف النشاط؟" سألَ مسيرُ المناظرة كريس والاس ترامب، الذي أجاب بأن "على (جماعة) الأولاد الفخورين التروي والاستعداد! لكن دعني أقول شيئًا، يجب على أحدهم أن يواجه (جماعة) أنتيفا واليسار". كان ذلك خلال إحدى مناظرات الدور النهائي للانتخابات، فيما الجواب لم يكن إلا تلخيصًا لما حملته الفترة الرئاسية لترامب على طولها، من اتكاء على قوة هذه الحركة المسلّحة ووزنها في الشارع.

يصف "الأولاد الفخورون" أنفسهم منظّمة راجلٍ شوفينيين غربيين، مناهضة لليسار. عرفت النور سنة 2016 على يد غيفن ماكلنز، الوجه الإعلامي المعروف وأحد مؤسسي موقع Vice، انسحب منها لاحقًا ، لكنه بقي مرتبطًا بها بشكلٍ غيرُ مباشر ومرافعًا باسمها إعلاميًا. من أهم الأحداث التي وقف خلفها "الأولاد الفخورون" كانت مظاهرات اليمين العنصري بشارلوتفيل سنة 2017، حيث راح ضحيتها امرأة وعشرات الجرحى.

حسب رابطة محاربة التشهير الأمريكية، فإن نطاقًا واسعًا من المنتمين لهذه الحركة يتبنون أفكارًا كارهة للنساء، معادية للإسلام وللمهاجرين والمثلية والسامية ويدعمون أفكار المركزية العرقية البيضاء. أعمالهم تتمحور حول التحريض على مظاهرات، تتخللها غالبًا أعمالُ عنف، كما أدينَ منتمون إليها بالتخطيط لهجمات إرهابية وعمليات اغتيال تستهدف الصحفيين والنشطاء اليساريين.

دعمت هذه الحركة حملة دونالد ترامب، كما شوهدَ منتمون لها بلباسهم المتعارف عليه؛ قميص رمادي موشوم في ياقته بخطين صفراوين، في مظاهرة مناصرة لترامب بواشنطن بعدَ الانتخابات. كل هذا مرده يقول آري بيرليغر، الباحث الأمريكي المتخصص في الإرهاب اليميني المتطرف، إلى أن "خطاب ترامب منح الحركة شرعية الشعبية، وأصبح أعضاءها على يقين بأن نشاطهم يحظى بدعم شعبي". أبرز دليل على ذلك، أن المنظمة بعدَ جواب ترامب أثناء المناظرة خطت على قمصانها عبارة "STAND BACK STAND BY" كختم رئاسي يؤكد الشرعية التي تحدّث عنها الباحث. 

كيو أنون.. معتقد المؤامرة على اليمين

بدأ تداول نظرية كيو أنون QAnon سنة 2017، ومثّل لها الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الحاملَ والأداة للانتشار الواسع. وهي نظرية مؤامرة يمينية تقول بأن العالم واقعٌ تحت هيمنة جماعة شيطانية بيدوفيلية وآكلة للحوم البشر، تديرُ شبكة عالمية للاتجار بالقاصرين، وتعادي ترامب لأن هذا الأخير يعملُ على اجتثاثها.

ينسب معتنقو هذا الاعتقاد للجماعة المذكورة عددًا من الوجوه السياسية البارزة من الحزب الديمقراطي كهيلاري كلينتون وباراك أوباما، كما عددًا من النشطاء اليساريين ومشاهير هوليود الصحفيين، فيما الرابط الحقيقي الوحيد الذي يجمعهم هو عداؤهم لترامب. فيما "Q" هذا العميل مجهول الهوية والمقرب من دوائر القرار، حسب أتباع النظرية، يعدّ أولَ من كشف المؤامرة وعلى لسانه ينقل تحركات ترامب لإحباطها.

أتباع هذه النظرية يمثلون العصبَ الحيوي لجماهير ترامب، بحضورها اللافت على طول لقاءاته الخطابية وحملته الانتخابية، بل تم استقبال بعضهم داخلَ المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، كما هي الحال بالنسبة لميشيل ليبرون، أحدُ الوجوه الإعلامية لجماعة "كيو أنون"، الذي استقبله ترامب بمكتبه الخاص سنة 2018. خلال تلك الزيارة لم يفت ليبرون أن يطرح للعلن أفكار النظرية التي يؤمن بها، مرة بنشر صور له بشعارات الجماعة مثل "WWG1WGA" "و"ثق بالخطة"، ومرة بالتعليق على لوحة لهيلاري كلينتون داخل المبنى بـ "هيلاري إلى السجن".

سابقًا سنة 2019، صنّفت الشرطة الفديرالية الأمريكية نظرية "كيو أنون" على أنها "شكل جديد من التحريض على الإرهاب"، كما حذّرت من تنامي خطر الإرهاب الداخلي جراء انتشارها، وأصدرت لوائح اعتقالات لأعضاء من هذه الجماعة لاشتباههم في التخطيط لعمليات إرهابية مؤطرة بهذه النظرية. كان ذلك قبل أن يشهد العالم عملية حصار مبنى الكابيتول، واقتحامه بتحريض مباشر من الرئيس ترامب، حيث رُصد خلال جمع المهاجمين أفراد يحملون علامات ورموز دالة على الجماعة، حتى أن "الرجل ذو القرنين" الذي وثقت صوره داخلَ الكونغرس هو أحد معتنقي النظرية ويلقب بـ "شامان الكيو أنون". 

ستيف بانون.. محاولة خلق أممية عنصرية

قبلَ تركه كرسيّ الرئاسة، أصدر دونالد ترامب عفوًا على مستشاره السابق ستيف بانون من التهم الموجهة إليه في قضايا فساد مالي. بانون وهو رئيس حملة الرئيس السابق، الذي وجدَ نفسه إثرها داخلَ البيت الأبيض سنة 2016، يعدّ أحدَ الأوجه البارزة للتطرف اليميني في أمريكا والعالم، وشغلَ سابقًا منصب المدير التنفيذي لموقع Breitbart News الناطق باسم ذلك التيار. 

في أوروبا، هو شخصية مقرّبة جدًا من محيط مارين لوبان زعيمة التجمع الوطني الفرنسي ونايجل فاراج زعيم حزب البريكسيت، والإيطالي ماتيو سالفيني زعيم الرابطة. مستغلًا هذه القرابة حاولَ أن ينقلَ نشاطه ناحية الاتحاد، محاولًا التأثير على الانتخابات الأوروبية سنة 2019، بتأسيس منظمة "الحركة" الداعمة للأحزاب اليمينية في القارة العجوز. هذا ما يشير إليه تحقيق صحفي لموقع Franceinfo الفرنسي، الذي يطرح سؤال: ما هي اللعبة التي يلعبها ستيف بانون؟

في هذا الصدد بررت مارين لوبان لقاءها ببانون قائلة: "لما لا نتشاركُ التجارب مع رئيس حملة ترامب؟"، نافية المسعى الحقيقي للرجل، الذي يقول التقرير بأنه "خلق منظمة توحد أحزاب اليمين الشعبوي الأوروبية في أفق توحيد منظمة أممية لهذه الأحزاب". هو ما أفشت عنه قريبة الزعيمة اليمينية وإحدى الزعامات الصاعدة في حزب التجمع، ماريون ماريشال لوبان، في تغريدة وقتها: "الجواب هو نعم لاستقبال رئيس حملة ترامب لتوحيد العمل فيما بيننا".

فيما وحسب تقرير جريدة الغارديان البريطانية، فإن بانون صرف ما بين 5 و15 مليون دولار لتمويل الحملات الانتخابية الأوروبية للأحزاب اليمينية. كما يذكرُ تورّطه في فضيحة كامبريدج أناليتيكا، ومحاولة استغلال قاعدة البيانات تلك في توجيه أصوات الأوروبيين وقت الانتخاب.

مواجهة اليمين.. كيف سيحارب بايدن تراث ترامب؟

هذه هي معالم الواقع الذي خلّفه ترامب قبلَ رحيله، وعلى بايدن أن يتعامل مع هذه المخلفات، حيث يأخذ الإرهاب اليميني المتطرف أشكالًا عديدة؛ جماعات مسلحة تنشط على الأرض، نظرية مؤامرة تفي كعقيدة لتسييرها، وزعامة تحاول أن تعمل على وحدة الصفوف وتنظيمها. وكل هذه المكونات تشترك في إنتاج الإرهاب اليميني المتطرف.

"الآن هناك هناك صعود التطرف السياسي، المركزية العرقية البيضاء، والإرهاب الداخلي الذي وجب علينا أن نواجهه جميعًا"، قال بايدن في خطاب تنصيبه، ثم يضيف: "من أجل كسب هذا التحدي، تريد أمريكا شيئًا واحدًا أساسيًا لكل ديموقراطية: الاتحاد". لكن كيف سيحوّل الرئيس الأمريكي الجديد هذه الكلمات إلى إجراءات؟

"الآن هناك هناك صعود التطرف السياسي، المركزية العرقية البيضاء، والإرهاب الداخلي الذي وجب علينا أن نواجهه جميعًا"، قال بايدن في خطاب تنصيبه

ينقل مقال لموقع Politico عن خبير أمني أمريكي قوله: "من المحتمل أن يواجه بايدن الإرهاب الداخلي اليميني بثلاث طرق مختلفة". "أولها توجيه تعليماته لإدارة العدل والـ FBI ومجلس الأمن الوطني بتطبيق مقاربة أمنية صارمة في التعامل مع خطر هذا الإرهاب، والجعل منه أولوية عمل". يعدد ذات المقال: "ثانيًا صياغة قوانين خاصة بهذا النوع من الإرهاب. أما ثالثًا، يمكن أن يتبع مقترح بعض أعضاء حزبه، الذين ينادون بالضغط على شركات الإنترنت من أجل إيقاف حسابات من ينتمون لذلك التيار". كما ينقل ذات المقال، هذه المرة عن مصدر في البيت الأبيض قوله: "مكافحة الإرهاب الداخلي هي مهمة مستعجلة، ونحن سائرون في طرح فكرة قانون جديد يعالج هذه المعضل". فيما يبقى على المستوى القريب، الأمر سابقٌ لأوانه للحديث عن إجراءات في حين لم تأخذ الإدارة المنصبة حديثًا وقتها للاستقرار.