22-أغسطس-2020

تقديرات صينية متناقضة بشأن الرئيس الأمريكي القادم (Getty)

التر ا صوت – فريق التحرير

في الوقت الذي يقوم فيه الأمريكيون بتقييّم خياراتهم بشأن التصويت لصالح الرئيس الجمهوري دونالد ترامب أم المرشح الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الرئاسة في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر القادم، يبرز لدى الحزب الشيوعي الصيني الحاكم سؤال حول أي من إدارة المرشحين الأساسيين للانتخابات ستكون أكثر قربًا من استراتيجيتهم، والطريقة التي يمكن التفاعل بها في حال فوز أحد المرشحين بالانتخابات، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

في الوقت الذي يقوم فيه الأمريكيون بتقييّم خياراتهم بشأن التصويت لصالح الرئيس الجمهوري دونالد ترامب أم المرشح الديمقراطي جو بايدن، يبرز لدى الحزب الشيوعي الصيني الحاكم سؤال شبيه

تقول الصحيفة الأمريكية في مستهل تقريرها إن الحكماء الصينيين أطلقوا على ترامب لقب "تشوان جيانغو"، وهو لقب شيوعي يعني "باني الأمة"، مشيرةً إلى أن النقطة المهمة في هذا اللقب تتمثل باعتبار الصينيين أن ترامب هو من يقوم ببناء عظمة الأمة الصينية، إذ إنه على الرغم من التأثيرات السلبية لولاية ترامب على الصين، والتي أدت لاضطراب اقتصادي وتراجع في التكنولوجيا، إلا أنها قدمت كذلك فرصة للرئيس الصيني شي جين بينغ والمؤسسة الأمنية في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: الصين والولايات المتحدة.. المواجهة تطال أجهزة الإعلام

وتضيف الصحيفة بأنه في الوقت الذي يقوم فيه الأمريكيون بمفاضلة خياراتهم بين ترامب وبايدن قبل أقل من ثلاثة أشهر على موعد الانتخابات الرئاسية، فإن المسؤولين الصينيين يواجهون سؤالًا يتلخص في أنه "أيهما أكثر فائدةً للأهداف الاستراتيجية الصينية، ولاية جديدة لترامب أم فوز بايدن؟"، وكيف ستتفاعل بكين مع أحد المرشحين في حال فوزهم ببطاقة العبور للبيت الأبيض.

فقد عاد النقاش المرتبط بهذه القضية مؤخرًا، بعدما صرح كبير مسؤولي الاستخبارات الأمريكية الذي يشرف على القضايا الأمنية للانتخابات ويليام إيفانينا بتفضيل المسؤولين الصينيين مغادرة ترامب للبيت الأبيض لعدم تمكنهم "من التنبؤ (بأفعاله)"، بينما يرى مدير العلاقات الدولية بجامعة نانغينغ الصينية تشو فنغ "أن إدارة ترامب عاطفية للغاية، وجامحة للغاية"، غير أنه يبقى هناك صعوبة في تأكيد أن بكين تفضل فوز بايدن.

وتشير واشنطن بوست في تقريرها إلى أنه على الرغم من الضغط الذي مارسته إدارة ترامب على بكين عبر تهديدها بفرض المزيد من السياسات العقابية اتجاهها، وهو أمر لم تشهده العلاقات الرسمية بين البلدين في ظل الإدارتين الديمقراطية والجمهورية منذ 40 عامًا، فإن ترامب سمح لنظيره الصيني بالصعود إلى الساحة العالمية كما حصل في سياسته الداخلية، بعدما أنحى بلائمة تباطؤ النمو الاقتصادي على العقوبات الأمريكية، فضلًا عن تصوير نفسه مدافعًا عن التنمُر الأجنبي، في إشارة لوصف ترامب فيروس كورونا الجديد بـ"الفيروس الصيني".

وللإيضاح أكثر تقول الصحيفة الأمريكية إنه وفي وقت سعت بكين لبسط نفوذها بسلطات غير محدودة بفرضها قانون الأمن القومي المثير للجدل في هونغ كونغ لمواجهة التدخلات الأمريكية في الجزيرة الآسيوية، فضلًا عن محاولتها التوسع خارجيًا من خلال تفعيل الحراك الدبلوماسي، فإن ولاية ترامب اتسمت بانسحاب واشنطن من الهيئات والاتفاقيات الدولية، مما أدى لحالة من زعزعة الثقة مع حلفائها الأوروبيين.

تنقل الصحيفة على لسان الباحث في مركز كارنيغي-تسيغوا في بكين بول هانلي قوله: "كان لدي باحث صيني يقول لي: إذا تمكنا من إقناع كل البلدان في العالم بالاتحاد معًا وتدمير أركان قوة الولايات المتحدة، فلن ننجح في ذلك مثلما فعل دونالد ترامب بمفرده"، مضيفًا بأنه قد "لا يتفق كافة المسؤولين الصينيين الكبار مع هذه الرؤية، لكنهم يعترفون بأن هناك فوائد من رئاسة ترامب".

ووفقًا لواشنطن بوست فإن المسؤوليين الصينيين حددوا بأن ترامب قد يكون شخصًا لا يملك دراية كافية في الملفات الإقليمية، أو أنه غير مهتم كما باقي الصقور الآخرين في إدارة الشؤون الإقليمية، والتي ينظر إليها المسؤولون الصينيون على أنها "قضايا قومية أساسية"، وتضيف الصحيفة للتأكيد على حديثها مستشهدة بكتاب مسؤول الأمن القومي السابق والصقر الجمهوري جون بولتون، والذي أشار إلى أن ترامب قلل من الأهمية الاستراتيجية لتايوان.

ويوضح هانلي في حديثه للصحيفة الأمريكية بشأن قضية تايوان أو غيرها من القضايا الإقليمية الخاصة ببكين قائلًا، إن "التفكير هو أنه إذا كان الشخص الأهم في نظام الولايات المتحدة لا يهتم حقًا بأمر تايوان أو هونغ كونغ أو التيبت… فربما يعني ذلك بالنسبة للصينيين فرصةً استراتيجية للمضي قدمًا في هذه القضايا خلال الولاية الثانية".

لكن هذه الرؤية تختلف عمّا ينظر إليه ضمن دائرة شركات التكنولوجيا الصينية الكبيرة، المهددة بتضرر نشاطاتها بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن عليها، لكن مخاوف الشركات الصينية لا تقتصر على فوز ترامب بولاية ثانية، بل تشمل كذلك بايدن في حال تمكن من هزيمة الرئيس الجمهوري، والتي يلخصها الباحث في السياسات العامة بجامعة جنوب الصين للتكنولوجيا غاو وينبو، بقوله إن "جهود بايدن لإعادة بناء التحالفات الأمريكية وتوطيد المكانة القيادية للولايات المتحدة في العالم (قد تضع) بعض المخاطر والتحديات أمام الصين".

وتشير واشنطن بوست إلى أنه عند المقارنة بين برنامج الجمهوريين والديمقراطيين للانتخابات الرئاسية، يمكننا ملاحظة حالة من الإجماع المتزايد بين الحزبين على اتخاذ مواقف متشددة ضد الصين، رغم أنها تظهر أقل قسوة في برنامج الديمقراطيين، من حيثُ أن برنامجهم يقول إنه "سيكون الديمقراطيون واضحين وأقوياء ومتسقين في التصدي للمخاوف الاقتصادية والأمنية، وتلك المتعلقة بحقوق الإنسان، في خطوات الحكومة الصينية"، فضلًا عن اعتقاد برنامجهم أن "تحدي الصين ليس تحديًا عسكريًا، لكننا سنردع ونرد على أي عدوان".

اقرأ/ي أيضًا: ماذا وراء انفتاح الصين على رؤوس الأموال الغربية؟

وفي مقارنة تستشرف السياسة التي ستنهجها واشنطن اتجاه الصين، يرى تشو فنغ أن فوز ترامب بولاية ثانية يعني أربعة أعوام من "حرب باردة جديدة" بين البلدين، لكن على بكين كذلك أن تستعد لتقديم عروض "جادة" إذا ما فاز بايدن بالانتخابات، ووفقًا لفنغ فإنه على بكين أن "تتجنب أي أوهام بأن رئاسة بايدن سوف تغير كل شيء تلقائيًا"، في مقابل الاستعداد "لإقرار شكل التأثيرات التي بإمكان الصين إحداثها".

 فوز ترامب بولاية ثانية يعني أربعة أعوام من "حرب باردة جديدة" مع الصين، لكن على بكين كذلك أن تستعد لتقديم عروض "جادة" إذا ما فاز بايدن بالانتخابات

تختم واشنطن بوست تقريرها بالإشارة إلى أنه فيما يرى تشو فنغ أنه يتوجب على إدارة بايدن منح بكين "نوعًا من التشجيع"، فإن المساحة التي كانت تسمح لبايدن بالمناورة بشأن سياسته مع الصين أخذت بالتقلص خلال الأسابيع الماضية، بعد تزايد عمليات القمع والاعتقال التي طالت النشطاء الديمقراطيين ووسائل الإعلام المحلية في هونغ كونع، وهو ما دفع الدول الغربية لزيادة انتقاداتها للحكومة الصينية، والتي يعلق عليها هانلي بالقول: "لا يمكن ليد واحدة أن تصفق".