10-يناير-2024
الصحافة الغربية وغزة

(Getty) الصحف الأمريكية الكبرى، تفشل بشكلٍ منهجي في عرض المعاناة الفلسطينية

أصبح تحيز وسائل الإعلام الغربية الرئيسية، حقيقة ولا تحتاج إلى الكثير من النقاش، من أجل إثباته في ظل الكثير من الشواهد على ذلك. ومع ذلك أظهر تحليل أجراه موقع "ذا إنترسبت" الأمريكي، لتغطية صحيفة نيويورك تايمز، والواشنطن بوست، ولوس أنجلوس تايمز، للحرب الإسرائيلية على غزة "تحيزًا ثابتًا ضد الفلسطينيين".

وقال الموقع الأمريكي: "إن وسائل الإعلام المطبوعة، التي تلعب دورًا مؤثرًا في تشكيل وجهات النظر الأمريكية حول الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، لم تعير سوى القليل من الاهتمام للتأثير غير المسبوق لحملة الحصار والقصف الإسرائيلية على الأطفال والصحفيين في قطاع غزة".

صحف نيويورك تايمز، والواشنطن بوست، ولوس أنجلوس تايمز، نادرًا ما أعطت الفلسطينيين تغطية إنسانية، وأظهرت تحيزًا ثابتًا ضدهم

وأشار التحليل، إلى أن الصحف الأمريكية الكبرى، ركزت بشكل غير متناسب على "الوفيات الإسرائيلية في الصراع؛ مع استخدم لغة عاطفية لوصف عمليات قتل الإسرائيليين، ولكن ليس للفلسطينيين"، مضيفًا أنها "قدمت تغطية غير متوازنة للأعمال المعادية للسامية في الولايات المتحدة، في حين تجاهلت إلى حد كبير العنصرية المعادية للمسلمين في أعقاب 7 تشرين الأول/أكتوبر". ونفذ التحليل، بناءً على تغطية الأسابيع الستة الأولى من الحرب.

وقام موقع "ذا إنترسبت" بجمع أكثر من 1000 مادة إعلامية من صحيفة نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، ولوس أنجلوس تايمز، حول حرب إسرائيل على غزة، وقام بحصر استخدامات بعض المصطلحات الرئيسية والسياق الذي استخدمت فيه. 

ووفق التحليل: "تكشف الإحصائيات عن خلل كبير في طريقة تغطية الإسرائيليين والشخصيات المؤيدة لإسرائيل مقابل الأصوات الفلسطينية والمؤيدة للفلسطينيين، مع استخدامات تفضل الروايات الإسرائيلية على الروايات الفلسطينية".

ويربط التحليل، بين طريقة تمثيل وعرض الصراع بشكلٍ إعلامي، و"المخاطر المترتبة على هذا التخفيض الروتيني لقيمة حياة الفلسطينيين"، مشيرًا إلى أن "العرض الإعلامي للصراع يعني أن هناك جوانب سلبية سياسية أقل للدعم الثابت لإسرائيل".

واستمر الموقع الأمريكي، بالقول: "ترسم تغطية الأسابيع الستة الأولى من الحرب صورة قاتمة للجانب الفلسطيني، وهي صورة تجعل إضفاء الطابع الإنساني على الفلسطينيين –وبالتالي إثارة تعاطف الولايات المتحدة– أكثر صعوبة".

واعتمد البحث، على كلمات "فلسطيني، غزة، إسرائيلي.. وكلمات أخرى مرتبطة في السياق"، مع حذف جميع المواد التحريرية.

موت أقل أهمية

في صحف نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، ولوس أنجلوس تايمز، تظهر الكلمات "إسرائيلي" أو "إسرائيل" أكثر من كلمة "فلسطيني" أو ما يرادفها، مع أن عدد الضحايا في غزة فاق الوفيات الإسرائيلية بكثير. ومقابل "كل قتيلين فلسطينيين، يتم ذكر الفلسطينيين مرة واحدة. ومقابل كل وفاة إسرائيلية، يتم ذكر الإسرائيليين ثماني مرات، أي بمعدل 16 مرة أكثر لكل وفاة من الفلسطينيين".

وبحسب التحليل، استخدمت الصحف "مصطلحات عاطفية للغاية"، عند تغطية إسرائيل، مثل "مذبحة" (slaughter)، و"مجزرة" (massacre)، و"مروعة" (horrific)، وكانت "مخصصة بشكل شبه حصري للإسرائيليين الذين قُتلوا على يد الفلسطينيين، وليس العكس".

ويوضح التحليل: "تم استخدام مصطلح "مذبحة" (slaughter)، من قبل المحررين والمراسلين لوصف مقتل الإسرائيليين مقابل الفلسطينيين بنسبة 60 إلى 1، وتم استخدام كلمة "مجزرة" (massacre) لوصف مقتل الإسرائيليين مقابل الفلسطينيين بنسبة 125 إلى 2. وتم استخدام كلمة "مروعة" (horrific) لوصف القتل الإسرائيليون مقابل الفلسطينيين 36 إلى 4".

ويقول التحليل: "أحد العناوين الرئيسية النموذجية في صحيفة نيويورك تايمز، جاء في مقال منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، حول هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وكتب "لقد ركضوا إلى ملجأ من القنابل من أجل السلامة. وبدلًا من ذلك، تم ذبحهم". قارن هذا مع تقرير نيويورك تايمز الأكثر تعاطفًا مع القتلى الفلسطينيين في غزة اعتبارًا من 18 تشرين الثاني/نوفمبر، الذي جاء بعنوان: "الحرب تحول غزة إلى "مقبرة" للأطفال". المقبرة هنا هي اقتباس من الأمم المتحدة والقتل نفسه هو بصيغة المبني للمجهول. وفي افتتاحيتها، لا تستخدم قصة نيويورك تايمز حول الضحايا في غزة أي مصطلحات عاطفية يمكن مقارنتها بتلك الواردة في قصتها حول هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر". 

في نموذج آخر، أضاف التحليل: "استخدمت صحيفة واشنطن بوست "المذبحة" عدة مرات في تقاريرها لوصف 7 تشرين الأول/أكتوبر. مثل: ’يواجه الرئيس بايدن ضغوطًا متزايدة من المشرعين في كلا الحزبين لمعاقبة إيران بعد مذبحة حماس’، وأحد التقارير المنشورة في 13 كانون الثاني/نوفمبر، حول كيف أدى الحصار والقصف الإسرائيلي إلى مقتل 1 من كل 200 فلسطيني، لا يستخدم كلمة "مجرزة" أو "مذبحة" مرة واحدة. القتلى الفلسطينيين ببساطة ’قُتلوا’ أو ’ماتوا’، غالبًا بصيغة المبني للمجهول".

الأطفال والصحفيين

مع حرب دموية على الأطفال والطواقم الصحفية، يقول التقرير: "هناك عنوانان فقط من أصل أكثر من 1100 مقال إخباري في الدراسة يذكران كلمة "أطفال" بما يتعلق بأطفال غزة. وفي استثناء ملحوظ، نشرت صحيفة نيويورك تايمز قصة على صفحتها الأولى في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر حول الوتيرة التاريخية لقتل النساء والأطفال الفلسطينيين، على الرغم من أن العنوان الرئيسي لم يبرز أيًا من المجموعتين".

وأضاف التحليل: "على الرغم من أن حرب إسرائيل على غزة ربما تكون الحرب الأكثر دموية بالنسبة للأطفال -الفلسطينيين بالكامل تقريبًا- في التاريخ الحديث، إلا أنه لا يوجد ذكر لكلمة "أطفال" والمصطلحات ذات الصلة في عناوين المقالات التي استطلعها موقع ذا إنترسبت". 

ويستمر التحليل، بالقول: "في حين كانت الحرب على غزة واحدة من أكثر الحروب دموية في التاريخ الحديث للصحافة، واستشهد فيها أغلبية فلسطينية ساحقة من الصحفيين، تظهر كلمة "صحفيون" وتكراراتها مثل "مراسلون" و"مصورون صحفيون" فقط في تسعة عناوين رئيسية من بين أكثر من 1100 مقالة تمت دراستها. وكانت 4 مقالات فقط من أصل 9 مقالات تحتوي على كلمتي صحفي/مراسل تتعلق بالمراسلين العرب".

وقال التحليل: "إن الافتقار إلى تغطية القتل غير المسبوق للأطفال والصحفيين، وهم الجماعات التي تثير عادة التعاطف من وسائل الإعلام الغربية، أمر واضح. وعلى سبيل المقارنة، فإن عدد الأطفال الفلسطينيين الذين ماتوا في الأسبوع الأول من قصف غزة كان أكبر من عددهم خلال العام الأول من الغزو الروسي لأوكرانيا، ومع ذلك فقد نشرت صحف نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، ولوس أنجلوس تايمز، العديد من التقارير خلال الأسابيع الستة الأولى من حرب أوكرانيا". مضيفًا: "كما هو الحال مع الأطفال، ركزت صحف نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، ولوس أنجلوس تايمز على المخاطر التي يتعرض لها الصحفيون في حرب أوكرانيا، وعن مخاطر الحرب على الصحافة، وإعداد التقارير في الحرب، رغم أنه قتل في الأسابيع الستة الأولى بعد الغزو الروسي ستة صحفيين، مقارنةً بـ 48 قتلوا في الأسابيع الستة الأولى من القصف الإسرائيلي على غزة". 

ويقدم التحليل مثالًا، بالقول: "إن عدم التماثل في كيفية تغطية الأطفال هو أمر نوعي وكمي. في 13 تشرين الأول/أكتوبر، نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز، تقريرًا لوكالة أسوشيتد برس، جاء فيه: ’قالت وزارة الصحة في غزة يوم الجمعة إن 1799 شخصًا قتلوا في القطاع، من بينهم أكثر من 580 دون سن 18 عامًا و351 امرأة. وأدى هجوم حماس يوم السبت الماضي إلى مقتل أكثر من 1300 شخص في إسرائيل، بما في ذلك النساء والأطفال ورواد المهرجانات الموسيقية الشباب. لاحظ أنه يُشار إلى الشباب الإسرائيليين على أنهم أطفال بينما يُشار إلى الشباب الفلسطيني على أنهم أشخاص تقل أعمارهم عن 18 عامًا". 

وظهر ذلك، في تغطية صفقة تبادل الأسرى، إذ أشار تقرير لـ"نيويورك تايمز"، إلى صفقة تبادل "النساء والأطفال الإسرائيليين"، بينما كان هناك رفض الإشارة للأطفال الفلسطينيين، بالقول: "النساء والقاصرين الفلسطينيين".

الإعلام الأمريكي.. لا إسلاموفوبيا في الولايات المتحدة

ويقول التحليل: "أولت الصحف الأمريكية الكبرى اهتمامًا أكبر للهجمات المعادية للسامية مقارنة بالهجمات ضد المسلمين. بشكل عام، كان هناك تركيز غير متناسب على العنصرية تجاه اليهود، مقابل العنصرية التي تستهدف المسلمين أو العرب أو أولئك الذين يُنظر إليهم على هذا النحو".

وضمن فترة التحليل، ذكرت صحف نيويورك تايمز وواشنطن بوست ولوس أنجلوس تايمز، معاداة السامية أكثر من كراهية الإسلام (549 مقابل 79)، وكان هذا قبل الجدل الكبير حول معاداة السامية في الحرم الجامعي الذي ابتدعه أعضاء الحزب الجمهوري في الكونجرس".

وأضاف التحليل: "على الرغم من وجود العديد من الأمثلة البارزة على معاداة السامية والعنصرية المعادية للمسلمين خلال فترة الاستطلاع، فإن 87% من الإشارات إلى التمييز كانت حول معاداة السامية، مقابل 13% حول كراهية الإسلام، بما في ذلك المصطلحات ذات الصلة". 

فشل الصحف الكبرى

ويلخص التقرير التحليل الموسع، بالقول: "عمليات القتل التي ترتكبها إسرائيل في غزة لا تحظى بتغطية متناسبة سواء من حيث النطاق أو الوزن العاطفي مثل مقتل الإسرائيليين في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ويتم تقديم عمليات القتل هذه في الأغلب كأرقام مجردة مرتفعة بشكل تعسفي، ولا يتم وصف عمليات القتل باستخدام لغة عاطفية مثل "مذبحة" أو "مجزرة" أو "مروعة"".

وأضاف التحليل: "عمليات قتل المدنيين الإسرائيليين التي حصلت على يد عناصر حماس، يتم تصويرها باستمرار على أنها جزء من استراتيجية، في حين يتم تغطية عمليات قتل المدنيين الفلسطينيين وكأنها سلسلة من الأخطاء التي ارتكبت لمرة واحدة، والتي ارتكبت آلاف المرات، على الرغم من الأدلة التي تشير إلى نية إسرائيل إلحاق الضرر بالمدنيين والبنية التحتية المدنية".

عدم التماثل في كيفية تغطية، قضايا الأطفال، في الحرب على قطاع غزة، هو أمر نوعي وكمي، في الصحف الأمريكية الكبرى

وقال التحليل: "النتيجة هي إن الصحف الثلاث الكبرى نادرًا ما أعطت الفلسطينيين تغطية إنسانية. وعلى الرغم من هذا التباين، تظهر استطلاعات الرأي تحولًا في التعاطف تجاه الفلسطينيين وبعيدًا عن إسرائيل بين الديمقراطيين، مع انقسامات هائلة بين الأجيال، مدفوعة جزئيًا بالاختلاف الصارخ في مصادر الأخبار. وعلى العموم، يتم إعلام الشباب عن الصراع من TikTok، وYouTube، وInstagram، وTwitter، ويحصل الأمريكيون الأكبر سنًا على أخبارهم من وسائل الإعلام المطبوعة والأخبار الفضائية". 

وفي إيجاز النتائج، قال "ذا إنترسبت": "تؤثر التغطية المتحيزة في الصحف الكبرى والأخبار التلفزيونية السائدة على التصورات العامة للحرب وتوجه المشاهدين نحو رؤية مشوهة للصراع". مضيفًا: "تحليل كل من وسائل الإعلام المطبوعة والأخبار الفضائية يوضح أنه إذا كانت هناك مجموعة من مستهلكي وسائل الإعلام تحصل على صورة مشوهة، فإنهم هم أولئك الذين يحصلون على أخبارهم من وسائل الإعلام الراسخة في الولايات المتحدة".