10-نوفمبر-2023
الواشنطن بوست

واشنطن بوست شريكة في تبرير قتل الفلسطينيين (Getty)

تتوالى سقطات وسائل الإعلام الغربي السائدة التي تميط اللثام عن موقف كامنٍ لدى إدارات التحرير فيها فيما يخصّ حقوق الإنسان وقيمة الحياة البشريّة في صورتها البدهيّة، أي تلك التي يستحقّها المدنيون من الأطفال والنساء والمسنّون. وفيما تواصلت الانتقادات ضدّ الخطابيّة العنصريّة في الإعلام الغربي ضد الفلسطينيين في شكلها اللغوي والمعرفي المباشر، في عناوين الأخبار التي تتكتّم على القاتل، أو في محتوى القصص الصحفيّة التي تحاول بلا انقطاع التشكيك في حجم المأساة الإنسانية والإصرار على عرضها كردّ فعلٍ "معقول" على حدث واحد، وإهمال عقود طويلة من الاحتلال والقمع والقتل المتواصل ضد الفلسطينيين، انتقلت صحيفة الواشنطن بوست عبر رسمٍ كاريكاتوري صادمٍ في انحداره المشين إلى مستوى آخرَ متطرّف من التضليل والعنصريّة والتبرير لجرائم إسرائيل على قطاع غزّة المنكوب، والتي تستهدف كلّ شيء فيه. 

الرسم الكاريكاتوري حمل عنوان "دروع بشرية"، ويصوّر أحد أعضاء حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وهو متدرّع بأطفال ونساء حول جسده الممتلئ والضخم، على يمينه علم فلسطين، ومن خلفه صورة يظهر أنّها تمثّل الشيخ أحمد ياسين، مؤسس الحركة في إطار يشتمل على قبة الصخرة في القدس المحتلة، وقد كتبت على الرسم عبارة تقول: "كيف تجرؤ إسرائيل على مهاجمة المدنيين"، بمضمون يعني "كيف يمكن لإسرائيل (التي تدافع أبدًا ودومًا عن نفسها) اعتبار هؤلاء مدنيين"!. 

لم يترك رسم الواشنطن بوست أية فسحة للتفسير والتأويل، من فرط وضوح الرسالة العنصريّة والتحريضيّة التي فيه، وهو رسم وجد العديد من الكتّاب والفنانين والناشطين أنّه دليل جديد يذكّر بفجاجة صادمة بموقف إدارة هيئة تحرير الصحيفة من حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزّة، والتي راح ضحيتها زهاء 11،000 شهيد وشهيدة، نصفهم تقريبًا من الأطفال، حتى لو اقتضى ذلك منها نزع الصفة المدنيّة عن جميع الضحايا، شيوخًا وأطفالًا ونساءً، واعتبارهم وحماس هدفًا واحدًا. 

أثار هذا الكاريكاتور السياسي، لصاحبه مايكل راميريز، المعروف بمواقفه الشوفينية اليمينية (رغم أصوله المكسيكية) والذي نشر عدّة رسوم عنصريّة سابقة داعمة لإسرائيل ولآلة الحرب الأمريكية، أثار ردّة فعل غاضبة حتى بين صحفيين وكتاب يعملون في الواشنطن بوست أو متعاونين معها، وهو ما دفع الصحيفة سريعًا إلى حذفه عن موقعها الإلكتروني والاعتذار عن التسرع في نشره، وإصدار بيان قال فيه محرر الشأن السياسي في الصحيفة، ديفيد شيبلي- المعروف هو الآخر بمواقفه الداعمة لإسرائيل والتي عبّر عنها بوضوح أثناء عمله محررًا لقسم الرأي في نيويورك تايمز- إنه قد فاته "أمر عميق ومثير للانقسام" عندما وافق على نشر الرسم في الصحيفة، وذلك على الرغم من الوضوح الصارخ والفجّ للفكرة التي يعبّر عنها الرسم وينقلها.

إن الرسم الذي نشرته واشنطن بوست، وظهر في نسختها المطبوعة، يمثّل تكثيفًا مختصرًا للكيفية التي ينظر بها الإعلام الغربي السائد في مؤسساته الكبرى المؤثرة في الرأي العام الأمريكي، والعالمي، إلى قيمة حياة غير الإسرائيليين، والاستخفاف العميق بها والقدرة على قفز الضمير الغربي الرسمي عنها بخفّة عنوان يلوي الحقيقة أو رسمٍ عنصريّ يشوّهها ويوفّر غطاءً للاستمرار في قتلها والإجهاز عليها، حتى لو كانت الحقيقة هي أرواح آلاف الأطفال والنساء والأبرياء.