03-أكتوبر-2017

لا يعني الانتحار جبنًا أو غباء (سينتيا جونسن/Liaison)

حسب منظمة الصحة العالمية، يموت شخص كل 40 ثانية جراء الانتحار في مكان ما في العالم. وفي مصر، بات الانتحار خبرًا متواترًا كما صار في حالات كثيرة يُعلن أو يُتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومعظمها حالات شباب لم يتخطوا الثلاثين.

رصدت منظمة الصحة العالمية أن ما يقارب 800 ألف شخص يموتون سنويًا منتحرين، وأن الانتحار ثاني أهم أسباب الوفاة بين سن 15-29 سنة

في البداية، أثار انتحار زينب المهدي عام 2014 جدلاً كبيرًا بين أوساط الشباب في مصر، الفتاة كانت شابة صغيرة وقد حدثت معها عدة تحولات فكرية في حياتها وانتهى بها الأمر إلى الانتحار في منزل عائلتها، ثم تتالت الأسماء، خاصة المعروفة منها والناشطة في الشأن الحقوقي أو الاجتماعي أو السياسي.

اقرأ/ي أيضًا: انتحار الأطفال بالمغرب.. تفاقم مخيف

أي نظرة للمنتحر في مجتمعاتنا؟

لم يأخذ الكثيرون الأمر بشكل جدي، وقد يتجلى ذلك في حالة الشاب شريف قمر، الذي وضع استطلاعًا لزوار صفحته عن الطريقة المُثلى للانتحار، وبالفعل انتحر الشاب لاحقاً مُنهيًا حياته، رغم كونه في مقتبل العمر، يدرس الطب ويحظى لدى الكثيرين بسمعة جيدة.

آلاء الكسباني كاتبة و مترجمة، صرحت لـ"ألترا صوت" أنه "لا يمكن الحكم على المنتحر لأنك ببساطة لا تعرف ما يدور بعقله"، وتضيف: "توقفت عن الحكم على المنتحرين بالجبن والغباء، لأن القدرة النفسية على مواجهة الحياة بين الناس باتت تختلف من إنسان لآخر".

أما مونيكا الطويل، مترجمة مصرية، فقد انتقدت السرديات التي تعلق على الانتحار على أنه عمل بطولي، وهي ترى أنه "لحظة هزيمة عميقة، تقف النفس فيها عاجزة عن استكمال الحياة"، استأذنا مونيكا في عرض تجربتها مع الانتحار بعد وفاة والدها بعام ونصف فقالت: "كنت في لحظة ضعف شديدة، لن أنسى أكواب البيض النيئ وخلاصات الفحم التي أُجبرت على شربها في المشفى حتى يخرج من جسدي ما تجرعته لأنهي حياتي".

"ليلى"، اسم مستعار، كانت لها صديقة منتحرة، حدثتنا عن الموضوع قائلة: "حين يكون الأمر متعلقًا بشخص مقرب منك، تمنع عقلك من التفكير في أنه قد يفعل ذلك حقيقة. حين تخلصت صديقتي من حياتها، شعرت بما يشبه الذبحة الصدرية، لأنني لم أتخيل يومًا أن الأمر قد يصل إلى هذا الحد".

أما عن رأي الأطباء في الانتحار، فتقول الدكتورة وئام وائل، الطبيبة النفسية، لـ"الترا صوت": "الاكتئاب ليس السبب الوحيد في الانتحار، كما يتصور الكثيرون، على سبيل المثال نسبة الانتحار بين مرضى الفصام  أعلى من الطبيعي، بل إن هناك أناسًا لم يتم تشخيصهم بأي مرض وانتحروا فيما بعد، وهم ما يتم تسميته في الإحصاءات العامة بالـgeneral population، ثم تأتي في المرتبة الثانية الأمراض النفسية، ثم الأمراض العضوية مثل السرطان".

وتضيف وئام وائل: "ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار الانتحار موضة كما يروج له البعض، ببساطة لأن التمسك بالحياة أمر فطري، غريزة البقاء أقوى من الإنسان". ويتفق معها الدكتور محمد أبوزيد، الطبيب النفسي، لكنه يضيف أن "تعاطي المخدرات وإدمان الكحول بشراهة، وحتى اضطرابات الطعام تعد كلها من الأسباب التي تؤدي إلى الانتحار أحيانًا".

اقرأ/ي أيضًا: بالانتحار والاكتئاب.. نفسية المصريين تنهار

إحصاءات وأرقام.. الظاهرة مرعبة

هناك ضعف كبير في الإحصاءات عن الانتحار في الدول التي تحرمه دينيًا والتي يندرج فيها في قائمة العام الواجب إخفاؤه والسكوت عنه

لعلك حين تبدأ في قراءة تقرير ما عن الانتحار لا تتوقع أن منظمة الصحة العالمية رصدت أن ما يقارب 800 ألف شخص يموتون سنويًا منتحرين، وأن الانتحار هو ثاني أهم أسباب الوفاة بين سن 15-29 سنة، بل إن المنظمة تؤكد أن "78% من حالات الانتحار في عام 2015 حدثت في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل". الأرقام مفزعة وقد ساهمت حالات الاضطرابات السياسية والحروب التي تعيشها منطقتنا العربية فيها، حسب ذات المنظمة.

تدق منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر فيما يتعلق بمحاولة الانتحار الأولى، معتبرة أنها أقوى عامل من عوامل الانتحار. وتؤكد أن هناك ضعفًا كبيرًا في الإحصاءات التي تخص الانتحار في البلدان التي تجرمه دينيًا، وأن 60 دولة فقط من الأعضاء في المنظمة هي التي يتوفر لها بيانات واضحة عن الموضوع.

أما عن الانتحار في مصر تحديدًا، فإن دراسة مهمة للباحث ياسر ثابت عن الانتحار في العالم العربي نشرها في كتابه "شهقة اليائسين" تعرضت إلى أن نسبة الانتحار في مصر عام 2011 زادت 12% عن العام الذي سبقه، وأن 69% من المنتحرين في الوطن العربي عانوا "ضغوطًا قاسية من الفقر والبطالة". وهي ضغوط متزايدة في ظل الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي تعانيها المنطقة. كما أشار الكتاب في أكثر من موضع إلى تواطؤ بعض القوانين الاجتماعية ومساهمتها بشكل غير مباشر في الانتحار مثل زواج المغتصبة من مغتصبها، وتمكينه بذلك من الإفلات من العقاب.

الوقاية ممكنة؟

ترجح دراسات ارتفاع حالات الانتحار المعلن عنها في عدد من الدول العربية إلى تأزم الأوضاع بشكل عام وجرأة الشباب في كشف التابوهات

أكدت دراسة إسبانية، قامت بها جامعة مورثيا في إسبانيا، أنه "على الرغم من تأكيد كثير من الأبحاث على إمكانية الوقاية من الانتحار ومنعه إلا أن الكثير من البلدان تفتقر إلى الاستراتيجيات الجادة لمنعه، وذلك لعدم اعتقادها بارتباطه بمشكلات صحية حقيقية، كما أنه أحد التابوهات التي ترفض بعض المجتمعات الحديث فيها". وتقول الدراسة إن "دولاً قليلة مثل اليابان ونيوزلندا وأستراليا وبريطانيا تضع الانتحار ضمن أولوياتها في الوقاية الصحية".

منظمة الصحة العالمية تحدثت في سياق تناولها للوقاية من الانتحار عن المتابعات الصحية للاضطرابات النفسية، وتعاطي الكحول والعمل على تشريعات تحد من الإسراف في تناوله. وأكدت ضرورة دمجه ضمن الهياكل الأساسية للعناية بالصحة العامة.

محمد عبد الناصر، مترجم وكاتب، فسر لـ"الترا صوت" نظرة المجتمعات الشرقية إلى الانتحار، حيث تتحكم فيه نظرة العار، والميل إلى ترهيب المقدم على الانتحار، وليس حثه على الأمل أو البحث عن معنى للحياة، هناك أيضًا أجواء الظلامية والاستبداد الذي تعاني منه جل المجتمعات العربية".

ثم أضاف: "لقد ذهب الفيلسوف الفرنسي الراحل ألبير كامو في كتابه أسطورة سيزيف إلى مثل هذا المعنى، فقد تكون الحياة حقًا لعنة كالصخرة التي يحملها سيزيف كل يوم على ظهره بلا انقطاع، لكن المعنى الذي تكتسبه حياة من تُفرض عليه هذه اللعنة هو أن يستمر في التحدي وفي حمل الصخرة.. متمنيًا بلوغ الكمال يومًا ما.. وإن لم يبلغه.. وهو في كل مرة يحمل الصخرة ويصعد بها الجبل يعلن تحديه لهذه اللعنة ولهذا القدر.. لكنه إن ترك الصخرة تهوي عليه وتقتله فقد خسر المعركة وفشل في العناد لتغيير الواقع، وهذا هو ما تأباه كرامة الإنسان الحر.. الذي يعلم أن عليه دورًا يجب القيام به ورسالة يجب أن يؤديها قبل أن يرحل، حتى لا تواجه الأجيال القادمة صخرة بنفس الوزن، وعرفانًا أيضًا بالجميل للأجيال السابقة التي نجحت في توريثنا عالمًا أفضل من عالمها القديم، أو لنقل: صخرة أخف وزناً".

قد تكون الكلمة السحرية التي يبحث عنها الجميع هي معنى الحياة، إنها الكلمة الحيوية، التي يمكن أن تخلّص الذاكرة من الإساءة، وربما استطاعت ولو لبعض الوقت أن تؤجل كثيرًا من الأفكار السوداوية عن التخلص من الحياة. في هذا الإطار، ربما يتكامل دور الدين والعلم و دور الأصدقاء، وتبرز الحاجة الماسة إلى مجتمع متفهم لا يُحاسب، ولا يجلد المقبلين على الموت باختيارهم، لأنهم ربما أولى الناس بالتفهم والاحتواء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما هو الاضطراب الوجداني ثنائي القطب؟

كيف تساعد مريض الاكتئاب؟