14-أبريل-2024
الشاعر عبد المنعم الرفاعي

الشاعر والسياسي عبد المنعم الرفاعي

قادتني مطالعتي لحياة الشاعر عبد المنعم الرفاعي إلى التأمل في تاريخنا العربي العريق، التاريخ المتجذر في الأرض العربية والممتد فيها مهما تقاسمتها اتفاقيات أفاقة مغرضة، فشاعرنا صاحب الأصل الفلسطيني الصفدي المولود في صور اللبنانية والذي أنهى دراسته في عمان ومنها إلى بيروت لاستكمال الدراسة الجامعية ثم إلى عمان مرة أخرى ليتعين فيها مدرسًا في ذات المدرسة التي تخرج منها، أقول يروي شاعرنا من خلال هذا التنقل السلس في أرجاء الوطن العربي حكاية الوحدة الغائبة عن واقع  السياسة ربما، الحاضرة في وجدان الشعوب.

كان عبد المنعم يتنقل مع والده وإخوته بين مرج عيون وصفد وطبريا وبيسان مما صقل شخصيته ونمّاها بشكل كبير.

من هو عبد المنعم الرفاعي

هو عبد المنعم طالب الرفاعي، ولد في مدينة صور اللبنانية عام 1917 م، كان أبوه مديرًا للمال في صور في زمن الخلافة العثمانية، وينتمي إلى أسرة عرفت بمقامها الاجتماعي والروحي المرموق،  والدته نجلاء بكار لبنانية من بلدة مرج عيون، وقد كان عبد المنعم يتنقل مع والده وإخوته بين مرج عيون وصفد وطبريا وبيسان مما صقل شخصيته ونمّاها بشكل كبير.

بعد أن أتم عبد المنعم الرفاعي دراسته في الكتّاب ثم منه إلى المدرسة الأميرية ثم المدرسة الاسكتلندية في صفد توجه إلى عمان لاستكمال دراسته الثانوية وبالفعل أتمها عام 1931 م، ثم انتقل منها إلى الجامعة الأميركية في بيروت وأتم شهادة البكالوريوس في الأدب العربي ثم عاد إلى عمان ليتعين مدرسًا في المدرسة الثانوية التي درس بها.

 

بين الشعر والسياسة 

قلنا إن والد الشاعر عبد المنعم الرفاعي كان يعمل في حكومة الدولة العثمانية، ومن بعده أخوه الأكبر سمير الرفاعي الذي شارك في تأسيس الحكومة الأردنية في عهد الأمير عبد الله الأول بن الحسين عام 1924 م، أي أن لعائلة الشاعر أصولًا سياسية مما سهل عليه دخول السلك السياسي لاحقًا.

وعلى الرغم من تدرجه في المناصب السياسية من سفير إلى وزير خارجية حتى وصل إلى منصب رئيس وزراء الأردن إلا أن هذا لم يحرف بوصلته الأدبية المصقولة على كتابة الشعر، فنراه يجسد العديد من الأحداث السياسية البارزة التي لطمت وجه العالم العربي من نكبة لنكسة لعدوان ثلاثي على مصر، دونها الرفاعي وأرخ أثرها النفسي السيئ عليه خاصة وعلى الشارع العربي عامة.

 

الحب.. هزة عاطفية مدوية

في ديوانه "المسافر" يشير عبدالمنعم الرفاعي إلى مجموعة من الأحداث التي عاناها في حياته والتي كان أبرزها في العام 1958 م حيث انفصل عن زوجته نهلة القدسي سورية الأصل أردنية الجنسية، والتي تزوجت من الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب بعد طلاقها من الرفاعي حيث كانت الزوجة الثالثة لعبد الوهاب واستمر زواجهما حتى عام 1991 م أي حتى وفاة الموسيقار.

ونهلة القدسي هي أم عمر الرفاعي سفير الأردن في مصر والتي وافتها المنية في عمان عام 2015 م عن عمر يناهز الـ 85 عام.

ولعل أكثر ما قارب بين عبد الوهاب والقدسي هو حبها للفن وعذوبة صوتها كما أنها كانت عازفة لا يشق لها غبار على آلة البيانو، وعلى صعيد آخر فقد لحن عبد الوهاب وغنى عدة قصائد لعبد المنعم الرفاعي أبرزها قصيدة نجوى عام 1968م. 

كما يذكر الشاعر في ديوانه الآنف ذكره مجموعة من المحطات الأخرى التي سبب له ضيقًا كبيرًا على مدار سنوات عديدة وما تعرض له من مآزق سياسية أو استثارة من أحداث وطنية أو ما كان دائمًا يدغدغ مشاعر حميته فيما يخص القضية الفلسطينية، وقد أسماه المسافر كإشارة منه إلى هذه المحطات التي مر بها في حياته.

بدا في شعر الرفاعي أثر القراءات المتعددة في الشعر أو النثر واهتمامه بالأساطير القديمة

شعر الرفاعي..إبداع معاصر وأصالة عربية

لطالما كان الشعر العربي مرآة عصره، وموضوعاته متعلقة بالمتغيرات دائمة التطور في الحيز المكاني والزماني الذي يشغله الشاعر. والشعر بنيان يعتمد على جذور راسخة ومهما بلغ من تطور في مراحله اللاحقة فلا بد من بروز جانب من جوانب التأثر بمن سبق من شعراء على مر التاريخ العربي، تحديدًا إذا ما انتمى فؤاد الشاعر للأقدمين مع كونه صاحب فكر شبابي متجدد، تمامًا كما كان الحال مع شاعرنا.

يقر الرفاعي بمدى تأثره بأسماء هي من أعظم أسماء الشعراء العرب على مر التاريخ وأهمهم المتنبي، حيث يشير الشاعر بأنه أخذ عنه كبرياءه في الشعر، ومن أحمد شوقي فسحة التجديد والانطلاق كما كان يحب شعر بشارة الخوري، هذا التنوع في المزاج الشعري يعكس فكرًا متجددًا وخلاقًا امتاز به عبد المنعم الرفاعي. وللرفاعي العديد من المؤلفات بين الشعر والنثر منها:

  1. الاتحاد العربي: ثورة العرب، مقالات، 1958.
  2. المسافر، مجموعة شعرية، مطابع دار الشعب ومكتبتها، عمّان، 1977. وصدر في طبعة أخرى عام 1979 عن الدار المتحدة للنشر، بيروت، بعد أن أضاف إليه الشاعر سبع قصائد جديدة.
  3. الأعمال الكاملة، دائرة الثقافة والفنون، عمّان، 1987.
  4. السيرة الذاتية، " الأمواج صفحات من رحلة الحياة ".
  5. نشيد العلم الأردني.

ولعل الثقافة والقراءة النهمة كانت إحدى الأسباب التي تألق بسببها شعر الرفاعي، فقد بدا في شعره أثر القراءات المتعددة في الشعر أو النثر واهتمامه بالأساطير القديمة التي تنم عن وعي لمختلف الحضارات قديمها وحديثها.

ناهيك عن التنوع الغني الذي حظي به نتيجة التنقل الكثير بين أقطار الوطن العربي علاوة على خروجه لرحلات الصيد وامتطاء الخيل على طريقة العرب قديمًا مما خلق له حيزًا جماليًا وواقعًا مشابهًا لما كان عليه حال الشعراء، كل هذا وأكثر انعكس بطبيعة الحال على جودة شعر عبد المنعم الرفاعي.

قد تميزت الصورة الشعرية في شعر الرفاعي بالتورية والكناية

الصورة الشعرية في شعر الرفاعي

تعتبر الصورة الشعرية أهم ما يميز الشعر عامة وهي أكثر ما يرفع من قيمة العمل الأدبي ليس فقط بدلالتها وإنما باستخدامها بطريقة فطنة بعيدة عن التصنع المفرط وقريبة من الخيال، وقد تميزت الصورة الشعرية في شعر الرفاعي بالتورية والكناية، وقد يُرجع الدارسون هذا إلى كون الشاعر سياسيًا دبلوماسيًا يعتمد على الدماثة في وصف مشاعره على كل أحوالها؛ حب أو حزن أو فرح أو غيرها، لذا فقد حرص الشاعر على الحد من الوصف الصريح خاصة في الغزل، إضافة إلى حرصه على إخفاء مشاعره حتى في الرثائيات ومنها رثاءه لأمه.

وفي الغزل ساعد قصر المقطوعات في تكثيف الصورة الشعرية لدى الرفاعي وهي صورة تتميز بالإيقاع الغنائي والجرس الموسيقي وقد كانت معظم أشعاره على بحور الرمل والمتقارب والكامل وهذا يغني النص بالموسييقى.

ييميز كذلك الصورة الشعرية عند الرفاعي بالتصوير الحركي والصوتي كما في مرثيته لجمال عبد الناصر حينما يقول:

قضى جمال ودوت في المدى وسرت

فالجو من زفرات الهول منفطر

قضى جمال وناح السد وانتحبت

على صدى نوح الأهرام والعصر 

وفي واحدة من القصائد الجميلة يبرز دور اختيار المفردات الصوتية بانتقائية تخلق صورة وتعبيرات صوتية خاصة، تشكل جميعها معًا نسيجًا واحدًا لا يمكن فصل أحد خيوطه عن الآخر، ومن الأمثلة على هذا القصيدة التالية:

قفي أحدثك كيف الحب فارقني

فما ألاقيه إلا وهو يعتذر

غنت بأيامي الشكوى هوى وأنا 

أبيت وحدي لا عود ولا وتر

مع النوى عشت حتى خلت أن لنا

في كل متجه لقيا ومنتظر 

حتى قصائدي اللاتي نظمت هوى 

باتت على فلوات البعد تنتشر

بلابل الروض كم ناحت على شجني

وكم تغامز حولي النجم والسهر

موزع في المدى لا شيء يجمعني

إلا على رجع أنغام الرضى، عمر

 

وفي عام 1985 م  رحل الشاعر الكبير عبد المنعم الرفاعي عن الحياة في بعد رحلة عطاء ثرية وبصمة واضحة في تاريخ الأدب والسياسة عن عمر يناهز 78 عامًا. 

ختامًا كانت هذه أبرز المحطات التي مر بها الشاعر الفلسطيني الأردني عبد المنعم الرفاعي، السياسي الوقور والشاعر المرهف، والوطني المحض، الذي استطاع بحنكة عالية الوقوف في وجه رياح الحياة العاتية في سبيل استكمال المسيرة.