25-سبتمبر-2023
مصر رشاوى

مينينديز قدم خدمات على صعيد المساعدات المالية، كما ساهم في صياغة إجابات حول ملف حقوق الإنسان في مصر (Getty)

تحت وطأة الضغوط القادمة من أكثر من جهة استقال عضو مجلس الشيوخ الأمريكي روبرت مينينديز من منصبه في رئاسة لجنة الخارجية بالكونغرس  إثر تقديم لائحة اتهام ضدّه، تتهمه بتلقي الرشوة  من طرف 3 رجال أعمال على علاقة بالحكومة المصرية. 

وبحسب تقرير لنيويورك تايمز فإن مينينديز كان بالنسبة إلى مصر مفتاح الوصول إلى المليارات من المساعدات الأمريكية، فعندما تعثرت جزئيًا المخصصات السنوية التي تصل إلى 1.3 مليار دولار، وجدت مصر حليفًا لها في السيناتور روبرت مينينديز، الذي اتُهم يوم الجمعة الماضي بتلقي رشى من أطراف مرتبطة بسلطات القاهرة.

حتى عندما اتَّهم مينينديز إدارة ترامب بالتساهل عندما يتعلق الأمر بمصر، فإنه كان يقدم، حسب ممثلي الادعاء، خدمات للمسؤولين المصريين الذين تعرفوا عليه

ووفقا لذات التقرير فإن الحكومة المصرية التي تعد واحدة من أكبر الدول المتلقية للمساعدات الخارجية الأمريكية في العالم على مدى عقود، كانت تشعر بالقلق بشأن المدة التي سيستمر فيها هذا "السخاء الأمريكي" على هذا المستوى. وعندما قطعت الولايات المتحدة جزءًا صغيرًا من المساعدات في عام 2017 بسبب سجل مصر السيئ في مجال حقوق الإنسان، وجد المسؤولون المصريون حليفًا لهم في السيناتور روبرت مينينديز من نيوجيرسي.

وصادف أنه كان من كبار الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وهو المنصب الذي شعرت مصر بوضوح أنه يمكن أن يساعدها في واشنطن. وحتى عندما اتَّهم مينينديز إدارة ترامب بالتساهل عندما يتعلق الأمر بمصر، فإنه كان يقدم، حسب ممثلي الادعاء، خدمات للمسؤولين المصريين الذين تعرفوا عليه من خلال صديقته آنذاك. 

وذكرت لائحة الاتهام في هذا الصدد أن مينينديز سعى في عام 2018 لإقناع البيت الأبيض بالإفراج عن 300 مليون دولار من المساعدات المخصصة لمصر.

getty

ووفقًا للائحة الاتهام،المعلن عنها الجمعة الماضي، طلب مينينديز من وزارة الخارجية معلومات حساسة تتعلق بالعاملين في السفارة الأمريكية في القاهرة. وبناء على اللائحة، جرى العمل على ترتيب لقاءات بين السيناتور مينينديز ومسؤولين عسكريين مصريين للاتفاق على أنشطة لصالح الحكومة المصرية.

كما تفيد لائحة الاتهام الفيدرالية أنّ مينينديز وزوجته نادين مينينديز تلقّيا مئات الآلاف من الدولارات نقدًا وشيكات وسبائك من الذهب. وبحسب نيويورك تايمز "كان هذا هو الثمن الذي شعر المسؤولون المصريون بوضوح أنه يُستحَق دفعه" نظير خدمات السيناتور.

وذكرت لائحة الاتهام أسماء ثلاثة أشخاص هم وائل حنا، وخوسيه أوريبي، وفريد دعيبس كوكلاء عن الحكومة المصرية تولوا دفع الرشى للسيناتور مينينديز وزوجته.

وتزعم لائحة الاتهام المؤلفة من 39 صفحة أنّ "موقع مينينديز القيادي وسلطته كعضو في مجلس الشيوخ مكناه من استغلال هذا النفوذ".

وخلال السنوات التي قال فيها ممثلو الادعاء إن مينينديز كان يقدم خدمات لمصر، كان أعضاء آخرون في الكونجرس يطالبون بوضع المزيد من القيود على المساعدات العسكرية، أو تجميد أجزاء منها، حتى تحسن مصر سجلها في مجال حقوق الإنسان.

getty

كان مينينديز أحد أولئك الذين يدعون إلى التغيير. لقد كان واحدًا من 17 عضوًا في مجلس الشيوخ وقعوا على رسالة عام 2018 تضغط على إدارة ترامب لإثارة "مسألة تردّي الحقوق السياسية وحقوق الإنسان في مصر عندما زار السيسي واشنطن".

وكان لدى مصر سبب للقلق بشأن اعتراضاته. وباعتباره العضو الديمقراطي الأعلى رتبة في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، يتمتع مينينديز بالقدرة، التي يتقاسمها مع ثلاثة أعضاء آخرين فقط في الكونجرس، على إعاقة مبيعات الأسلحة.

قبل الموافقة على مبيعات الأسلحة لمعظم البلدان، تتمثل الممارسة المعمول بها منذ فترة طويلة في وزارة الخارجية في إخطار رؤساء وأعضاء لجنتي مجلسي النواب والشيوخ الذين يشرفون على الشؤون الخارجية بشكل غير رسمي. بحيث إذا لم يوقع هؤلاء المشرعون على عمليات النقل المقترحة، فسيتم إيقاف العملية مؤقتًا حتى تعالج الإدارة مخاوفهم.

وقد استخدم مينينديز هذه السلطة في السنوات الأخيرة لمنع شحنات العتاد إلى دول مثل السعودية وتركيا بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان. لكن لائحة الاتهام تشير إلى أن مينينديز، على الرغم من الإدلاء بتصريحات متكررة وحتى تقديم مقترحات تشريعية تدين مصر بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، لم يستخدم سلطته لفرض حساب على المساعدات العسكرية لمصر.

getty

وعلى الرغم من أن كبار الديمقراطيين والجمهوريين الآخرين في لجنة مجلس الشيوخ رفضوا أيضًا منع مبيعات الأسلحة إلى مصر، إلا أن المدعين يؤكدون أن مينينديز فعل ذلك لأنه "كان في جيب مصر".

وفي إشارة أخرى إلى الأهمية التي يوليها مينينديز لمصر، التقى السيناتور بشخص تصفه لائحة الاتهام بأنه مسؤول كبير في المخابرات المصرية في أحد فنادق واشنطن في يونيو 2021، وذلك في اليوم السابق للقاء المسؤول مع أعضاء مجلس الشيوخ الآخرين الذين كان من المتوقع أن يجتمعوا  للتأكيد على حقوق الإنسان.

وأرسل السيناتور مينينديز حينها رسالة أوجز فيها الأسئلة المتوقعة، وورد في هذه الرسالة "بهذه الطريقة يمكنك إعداد تفنيداتك". 

وتظهر التقارير الإخبارية في ذلك الوقت أن عباس كامل، رئيس المخابرات المصرية، والذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه ثاني أقوى رجل في مصر، كان يزور واشنطن في ذلك الأسبوع، حيث كان من المقرر أن يجتمع مع أعضاء الكونجرس.

وهذه ليست المرة الأولى التي  يواجه فيها مينينديز تهمًا بتلقي الرشوة، فقد اضطر عام 2015 إلى التخلي عن منصبه المرموق في لجنة العلاقات الخارجية بعد أن وُجّهت إليه اتهامات في نيوجيرسي بقبول رشى من طبيب عيون في فلوريدا. لكنه نجا منها نتيجة عدم تمكن المحلفين من التوصل إلى حكم بالإجماع.

ويواجه كل من مينديز وزوجته ثلاث تهم جنائية حاليًا هي: التآمر لارتكاب الرشوة، والتآمر لارتكاب عمليات احتيال ، والتآمر لارتكاب عمليات ابتزاز.

وتأتي لائحة اتهام الحالية الموجهة للسيناتور مينينديز بعد تحقيق أجرته وزارة العدل لمدة سنوات.

ففي صيف عام 2022، خضع منزل مينينديز  للتفتيش من طرف عملاء فدراليين، وأسفر التفتيش عن وجود أدلة على تلقي السيناتور رشى، ومن بين تلك الأدلة العثور على مبالغ كبيرة وصلت إلى 480 ألف دولار نقدًا، وسيارة مرسيدس بنز فاخرة، بالإضافة إلى سبائك ذهبية بقيمة 100 ألف دولار في المنزل، ضمّنت صور منها في لائحة الاتهام.

ومن المقرر أن يمثل مينينديز وزوجته والثلاثة المتهمين الآخرين وائل حنا وخوسيه أوريبي وفريد ​​ديبس أمام محكمة مانهاتن الفيدرالية في 27 من أيلول/سبتمبر الجاري.

getty

الأهمية المصرية

ترسل واشنطن إلى القاهرة منذ أواخر السبعينات، ما يصل إلى 1.3 مليار دولار كل عام كإرث من اتفاقية التطبيع المصرية مع إسرائيل في اتفاقيات كامب ديفيد، وهي مساعدات تعتز بها مصر كدليل على أهميتها الاستراتيجية.

بالنسبة لمصر، تعتبر الولايات المتحدة راعيًا لا غنى عنه، وهي راع تحاول باستمرار إقناعه بقيمتها في قضايا مثل "الإرهاب وأمن إسرائيل والهجرة إلى أوروبا". فهي تقع في جنوب شرق البحر الأبيض المتوسط ​​على الحدود الغربية لإسرائيل، وترسم نفسها على أنها واحة استقرار في منطقة مضطربة تشمل السودان وليبيا.

وتشمل الأهمية الاستراتيجية لمصر أيضًا قناة السويس، التي تشكل أهمية بالغة للتجارة العالمية، ومنشآت الغاز الطبيعي المسال التي تنقل الطاقة إلى أوروبا.

وفي انعكاس للاعتراف المصري بأن المساعدات الأمريكية غير مضمونة، نجحت مصر في استغلال منافسة الولايات المتحدة لفاعلين استراتيجيين مثل الصين وروسيا، من أجل استمرار تدفق المساعدات الأمريكية نحو القاهرة.

وقد صدّقت الإدارات المتعاقبة في واشنطن موقف مصر، ووافقت على كل حزمة المساعدات البالغة 1.3 مليار دولار كل العام، فيما تم استثناء هذا العام 85 مليون دولار.

وعلى الرغم من أن مصر ليست الدولة غير الديمقراطية الوحيدة التي تتلقى المساعدات الأمريكية، إلا أن هذه الحزمة أثارت غضب المدافعين عن حقوق الإنسان وأعضاء الكونجرس وغيرهم من النقاد الذين يتساءلون عن سبب دعم الولايات المتحدة لنظام استبدادي مليء بالفساد.

فمنذ أن تولى عبد الفتاح السيسي السلطة في عام 2013 بعد الانقلاب على أول رئيس منتخب ديمقراطيًا في البلاد الراحل محمد مرسي، اعتقلت مصر عشرات الآلاف من النشطاء والسياسيين المعارضين والباحثين والصحفيين وغيرهم من المعارضين السياسيين المفترضين، بما في ذلك بعض المصريين الذين كانت جريمتهم الوحيدة مشاركة منشورات الفيسبوك التي تنتقد الحكومة. كما قامت الحكومة بتكميم وسائل الإعلام وقمع جميع الاحتجاجات.

التقى السيناتور بشخص تصفه لائحة الاتهام بأنه مسؤول كبير في المخابرات المصرية في أحد فنادق واشنطن في يونيو 2021، وذلك في اليوم السابق للقاء المسؤول مع أعضاء مجلس الشيوخ الآخرين الذين كان من المتوقع أن يجتمعوا  للتأكيد على حقوق الإنسان

وعلى المستوى العملي، يشير المنتقدون إلى أن مصر تنفق المساعدات في كثير من الأحيان على معدات لا معنى لها بالنسبة لاحتياجاتها الأمنية، والتي تركز في الغالب على قتال مجموعات متفرقة من المتمردين الإسلاميين في محافظة شمال سيناء. حيث يذهب جزء كبير من المساعدات نحو الدفاع الجوي والسفن الكبيرة والطائرات المقاتلة.

وعلى الرغم من تلقيها ثاني أكبر مبلغ من المساعدات العسكرية الأمريكية، بعد إسرائيل، فإن علاقة القاهرة مع واشنطن غير متكافئة. ويصف الأمريكيون في القاهرة الذين يعملون مع الجيش المصري موقف الضباط المصريين تجاه نظرائهم الأمريكيين بأنه حذر في أحسن الأحوال. وأظهرت وثائق البنتاغون المسربة (وثائق ديسكورد) أن مصر فكرت في إرسال أسلحة إلى روسيا لمساعدتها في حربها على أوكرانيا.