23-مارس-2016

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي( Getty)

قبل أن تعرج على لقاء السيسي بالمثقفين لا بد أن تقرأ مقال عبد الله السناوي، المقرَّب من دوائر السلطة والقصر، بعنوان "البديل الآمن". قال: "المثير أنّ الذين احتكروا الحديث باسم النظام، ولاؤهم لرجل يقيم خارج البلاد، ويحلم بحكمها مدعومًا بخليط من بعض الأمن وبعض الإعلام وبعض مجتمع الأعمال".

اللعب الآن على المكشوف، السيسي يبحث عن رجاله ومستشاريه وسط زخم من الإعلاميين والمثقفين والأرزقية الباحثين عن مصلحة شخصية من مجرد القرب منه

المثير إن السناوي (المدعو إلى لقاء الرئيس والمثقفين) أعلن هذه الرؤية بعد خروج المستشار أحمد الزند طريدًا من وزارة العدل، وتحوّل لوبي المصالح، التشكيل العصابي، الذي كان يحمله الزند من خانة دعم السيسي إلى خانة مهاجمته، ومن مساحة التلاعب بأعدائه إلى التلاعب به على الفضائيات، والسؤال الآن: هل كان عبد الله السناوي وحده الذي فهم - الآن - أن لوبي المصالح الذي احتكر الحديث باسم النظام، ولاؤه لرجل يقيم خارج البلاد، هو أحمد شفيق، الذي خرج من مصر لـ"أداء مناسك العمرة" في دبي ولم يعد حتى الآن، ثم لحق به الزند بعد عزله، أم أنّ النظام نفسه كان يثق بهم، ويضعهم على موائده، ويودعهم أخباره وأسراره وصفوفه الأولى عن جهل ولم يفهم الحقيقة إلا متأخرًا؟

اقرأ/ي أيضًا: حماس في القاهرة..ملابسات وكواليس

على كلٍ، أن تصل متأخرًا خيرٌ من ألَّا تصل أبدًا.

لنبدأ من هنا بلقاء السيسي والمثقفين.

وقبل أن تدخل إلى قلب اللقاء، لا بد أن تسجَّل عدًة ملاحظات:

الأولى: أن القائمة التي وقع عليها الاختيار للجلوس مع الرئيس، أغلبها أكلت وشربت على موائد مبارك ومرسي، ورؤساء منهارين، مصريين وغير مصريين، وهم: حلمي النمنم، وأحمد عبد المعطي حجازي، وصلاح عيسى، ويوسف القعيد، وضياء رشوان، وفريدة النقاش، وسكينة فؤاد، وإقبال بركة، وفاروق جويدة، ووحيد حامد، وجلال أمين، ولميس جابر، ومحمد سلماوي، وجابر عصفور (يمثِّل حظيرة المثقفين شخصيًا في عهد مبارك).

الثانية: أن أغلب المثقفين الذين حضروا اللقاء دخلوا تماثيل الشمع، وتمّ حقنهم بكل حقن الكورتيزون والمنشطات وشدّ الوجه، والبشرة، وتهدئة دقات القلب لمقابلة السيسي. مجموع أعمارهم لا يقل عن 2500 سنة، وأصغرهم نبيل فاروق، رجل المستحيل، الذي تربى جيل (يلعب في الثلاثين الآن) على رواياته القصيرة، التافهة، المملة، التي صنع بها صورة المخابرات في نظر الأطفال كوحش أسطوري يشبه "سوبر مان".

الثالثة:.. هل تعمَّد السيسي – بالتصريح لا التلميح – إحراج (وربما إهانة) المثقفين الذين جلسوا أمامه حين صارحهم: "لكنكم، أيها المثقفون، تميلون للتنظير"؟.. خاصة إن بعضهم انتقده في تصريحات عابرة، نقد من العينة التي ترضي العامة، ولا تجرح هيبة القصور (يوسف زيدان ووحيد حامد تحديدًا)، ثم اضطر الرئيس إلى "تلطيف الجو" بمطالبتهم بـ"تجسير الفجوة بين التنظير والواقع العملي لتحويل الأفكار إلى سياسات على الأرض".

الرابعة: سؤال أكثر منه ملاحظة، الإجابة عليه تكشف جانبًا من الصراع ونبض الرأي العام الآن.. لماذا توقفت الرئاسة عن دعوة إبراهيم عيسى للقاء الرئيس في الفترة الأخيرة؟ أليس رئيس تحرير وإعلاميًا ومثقفًا "ثلاثة في واحد"؟

دلالة لقاء السيسي بـ"عواجيز مصر"، الذين نصفهم في بيوتنا الفقيرة بـ"بركة البيت"، لا تعني أكثر من أنه يعتبرهم رجاله، يسألهم ويستفتيهم ويستعين بهم على قضاء حوائج السياسة والحكم، فالرجل ربما أدرك مؤخرًا أنّ من جمعهم حوله ولاؤهم ليس له، ولن يكون لنظامه أبدًا، إنما لأحمد شفيق، ونظام مبارك، وأراد أن يبعث – من خلال لقائهم وتحديدًا عبد الله السناوي – برسالة إنه اختار مستشاريه السياسيين، ولن يلجأ إلى "فلول أحمد شفيق".

اللعب الآن على المكشوف، السيسي يبحث عن رجاله ومستشاريه وسط زخم من الإعلاميين والمثقفين والأرزقية الباحثين عن مصلحة شخصية من لقائه، أو القرب منه، أو يفتشون عن زرع خلايا "قابلة للانفجار" حوله مثل أحمد موسى وتوفيق عكاشة باعتبارهما "كلاب حراسة" غير وفية.

لماذا يستدعي المثقفين للحديث عن الحريات؟ لماذا لا يجلس مع ممثلي المنظمات الحقوقية؟.. هم الأفضل لعرض قضايا المحبوسين زورًا وعدوانًا

يروي "السناوي" بعض مشاهد المعركة في مقاله المنشور ليلة لقاء السيسي: "أول مقتضيات رد اعتبار السياسة حسم ملف (كلاب الحراسة)، بالتعبير الفرنسي الشهير، التي أساءت إلى كل معنى وقيمة في هذا البلد وانتهكت كرامات الناس بلا وازع من قانون أو خشية من حساب. حسم الملف يعني رفع غطاء الحماية عن أي تجاوزات سلوكية وأخلاقية تسب وتشتم وتغتال معنويًا كل اجتهاد خارج السياق المعتمد".

ثم يكشف السناوي: "وفق معلومات مؤكدة فإن هناك من يحاول تعطيل الحسم بزعم (مش وقته)".

اقرأ/ي أيضًا: هل يصمد وقف إطلاق النار في اليمن؟

ويوضح أطراف الصراع قائلًا: "القضية تتجاوز أسماء تصوَّرت أنها مراكز قوة فوق كل سلطة دستورية، وأنها باتت مركز صناعة القرار، وتحتج إلى ما نُحيّت لسبب أو آخر. القضية في البيئة العامة التي سممت فاستحالت كل أزمة إلى مؤامرة وكل اجتهاد إلى طابور خامس حتى علت أحاديث الأحذية فوق أي حديث".

قراءة تفاصيل لقاء السيسي بالمثقفين لا ينفصل عن الرسائل الطائشة، التي يوجهها النظام إلى أعدائه، عن طريق صحفيين، وكتاب لهم وزن سياسي، واتجاهات مختلفة، فالسناوي كان معارضًا شرسًا عبر صحيفة "العربي" لمبارك ورجاله، الذين يسمّمون المجال العام حول السيسي.

ما الذي يفعله السيسي الآن؟

يريد أن يصنع نظامًا جديدًا له رجاله، وحسناته وسيئاته، وعوراته، ومعارضته.. الوجوه القديمة لم تعد تروقه، لهذا خلق الله جيلًا جديدًا من الصحفيين والإعلاميين والعرَّابين يغزو صحف وتليفزيونات مصر الآن.

لكن الرجل يستضيف جيل "ثورة 19" - مجازًا - ويطلب منه توصيات حول القضايا الوطنية بعد شهر، لعلاج أمراض 2016، ويتكلّم معهم عن حرية الإعلام، وتحرير المحبوسين بمبادرات، والاهتمام بحقوق المصريين، ولماذا يستدعي المثقفين للحديث عن الحريات؟ لماذا لا يجلس مع ممثلي المنظمات الحقوقية؟.. هم الأفضل لعرض قضايا المحبوسين زورًا وعدوانًا، ولماذا يستدعي جابر عصفور لمناقشة حرية الإعلام؟.. لماذا لا يستدعي شباب الصحفيين ويسمع منهم؟

السيسي يحاول أن يسمع.. لكنه يصر على سماع كلام "قديم وبايت وفاسد"، يصر على سماع ما يريد أن يسمعه.. لا ما يجب أن يسمعه.. والأفضل ألا يكون "العواجيز" كتالوجا في القصر يمرّ عليه كل الرؤساء.

فما الذي يكسبه السيسي إذا كسب جابر عصفور ووحيد حامد وحلمي النمنم وعبد المعطي حجازي وخسر نفسه؟

اقرأ/ي أيضًا: 

انتقام بروكسل..القهر والقهر المضاد

محافظة لحج..بوصلة محتملة للقاعدة في اليمن