18-أغسطس-2019

وصل أعداد السياح الدوليين في 2017 إلى أكثر من 1.3 مليار سائح (أ.ب)

في عام 1795 أوضح الفيلسوف إيمانويل كانط ثلاثة شروط مسبقة لتحقيق ما أسماه "السلام الدائم"؛ الشرطان الأولان الأكثر شهرة هما:

  1. ظهور جمهوريات دستورية تتمتع بالحكم الذاتي.
  2. تجارة دولية مفتوحة.

ارتفع عدد السياح الدوليين بين عامي 1995 و2017 لأكثر من 250%، من نحو 500 مليون سائح دولي إلى أكثر من 1.3 مليار سائح

غالبًا ما يتم التغاضي عن الشرط الأساسي الثالث لكانط، وهومبدأ "الضيافة العالمية"، أي: حق جميع مواطني الأرض" في الزيارة والترحيب بجميع الأراضي، بغض النظر عن بلدهم الأصلي.

اقرأ/ي أيضًا: ما وراء خطوط الشعبوية.. هل هو عصر إذابة الدولة القومية الحديثة؟

والسياحة في أبسط مفاهيمها هي: السفر بغرض الترفيه. ويتجلى ذلك الآن بمراكمة السياح صورهم "المرحة" والتي تسجل اللحظات السعيدة، على مواقع التواصل الاجتماعي

فيما يعتبر البعض، أن السياحة قوة عالمية في سبيل تيسير التفاهم العالمي، والبعض الآخر يذهب به التفاؤل بعيدًا، ليعتقد أنها قد تمثل ترياقًا لموجات الشعبوية العالمية المتصاعدة. ومع ذلك، يتطلب تحقيق مثل هذه المُثل العالمية، وجود سياحة تركز على الاتصالات بين الأفراد والمنفعة المتبادلة، بدلًا من إدامة فقاعات الامتياز التي تعتمد معايير أخرى في اختيار بعض الدول لنوعية السائح القادم إليها.

السياحة العالمية.. إحصائيات مثيرة للاهتمام

في فجر القرن الـ20، كان السفر الترفيهي للخارج، لا يحتاج إلى جوازات سفر، لكنه كان محصورًا في الأغلب على الأرستقراطيين أو البلوتوقراطيين، أي أفراد الطبقة الحاكمة حين تكون على درجة عالية من الثراء.

لكن سرعان ما تغير كل هذا؛ فظهرت جوازات السفر، ثم الطائرات، وبعد وقتٍ قليل انخفضت أسعار تذاكر الطيران بما أتاح لظهور السياحة الجماعية. ووفقًا للبنك الدولي، ارتفع عدد السياح الدوليين بين عامي 1995 و2017 لأكثر من 250%، من نحو 500 مليون سائح دولي إلى أكثر من 1.3 مليار سائح.

السياحة
تمثل السياحة الآن 10% من الناتج الإجمالي العالمي

 فيما زاد الإنفاق السياحي بأكثر من ثلاثة أضعاف خلال نفس الفترة، من 463 مليار دولار إلى 1.45 تريليون دولار. وتقدر الأمم المتحدة أن السياحة تمثل الآن 10% من الناتج الإجمالي العالمي، و7% من الصادرات العالمية، وتدعم وظيفة واحدة من كل 10 وظائف.

ومع ذلك فإن الأدلة التجريبية التي تربط السياحة بالسلام، ضئيلة وغير حاسمة، وقليلون جدًا يصدقون اليوم واجب كانط الأخلاقي، حيث "كل المسافرين الأجانب يستحقون الضيافة".

السياحة وموجات كراهية الأجانب

يعيش العالم الآن تحديات جوهرية، من ناحية القبول بواجب كانط الأخلاقي الذي لطالما تشدقت به أوروبا والغرب عمومًا، ومن أخرى القدرة على التحكم في العبور الرسمي إلى الحدود، والسيطرة الصارمة على هذه الحدود، إضافةً للاستخدام السياسي لهذه العناصر، من أجل أهداف سياسية داخلية، عادة ما تكون ذات ارتباط بالشعبوية.

من هنا، دخلت السياحة، كإحدى وسائل تعزيز الخطاب اليميني الشعبوي سياسيًا عبر سيادته بشكل ما في بعض المجتمعات.

في عام 2016 اختارات مجلة تايم كلمة "كراهية الأجانب" لتكون كلمة العام الأكثر ترددًا في الأوساط العالمية وفي الصحافة والإعلام خصوصًا.

يقول الباحث، ميكاييل جيرم، في كتابه عن الهويات القومية ورهاب الأجانب، إن السياح في بعض البلدان يُنظر إليهم على أنهم "آخر" يُخشى منه، وأنهم يهددون الوضع الراهن، ولابد من النظر إليهم بعين الشك والريبة دائمًا. غير أن الباحثين يؤكدون أن كراهية الأجانب ليست بالأمر المستحدث، فقد كانت موجودة حتى وقت الإمبراطورية الرومانية.

من الناحية النفسية، تحدث العلماء عن ظاهرة نفسية هي التحيز ضد الغرباء خارج المجموعة، من خلال الميل المنهجي للفرد إلى إدراك وتقييم الواقع الاجتماعي على النحو الذي تحدده عضويته ضمن مجموعته التي ينتمي إليها. كما أشاروا إلى أن كراهية الأجانب لا تظهر دومًا بشكل صارخ، وقد تخفي نفسها في صورة غير سياسية، مثل السفر.

رهاب الأجانب
"رهاب الأجانب"، العبارة التي تصف العالم اليوم

السياحة والسياسية.. لعبة الضغط باسم السيادة

في بداية هذا الشهر وجهت رئيسة تايوان خطابًا شديد اللهجة إلى الصين، بسبب القرار الذي اتخذته بحظر تصاريح السفر الفردية للزائرين الصينيين إلى الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي، قائلةً إن هذه الخطوة "تهدف إلى التلاعب بالانتخابات الرئاسية" التي تبدأ في بداية العام القادم.

الرئيسة تساي إنغ ون، وصفت الحظر الذي فرضته الصين بـ"الخطأ الإستراتيجي الكبير"، مشيرةً إلى أنه "لا يمكن استخدام السياحة كورقة ضغط سياسية". وقالت بشكل صريح: "لا ينبغي تسييس السياحة".

ومن المعروف أن العلاقات بين الصين وتايوان تسير على وتر مشدود منذ وصول تساي إنغ ون إلى سدة الحكم، إذ تعتقد بكين أن تساي تسعى إلى استقلال تام لبلادها عن الصين، التي بدورها لوحت باستخدام القوة العسكرية لإعادة بسط نفوذها على الجزيرة بداية هذا العام، خاصة بعد أن فرضت الولايات المتحدة الأمريكية، التي تدعم تايوان، عقوبات على الجيش الصيني، فضلًا عن الحرب التجارية المشتعلة بين البلدين.

الفيزا.. مفتاح القيد السحري 

تفرض قيود التأشيرات أعباءً اقتصادية ليس على الضيف/الزائر فقط، بل على الدولة المضيفة كذلك، فحسابات التأشيرات تتعلق غالبًا بتفضيلات الدول لزائريها. يستلزم ذلك بطبيعة الحال أنظمة مكلفة، كما أنها عملية تشير لطبيعة العلاقات بين الدولة المضيفة ودولة الزائر.

وتميل الدول إلى منح الوصول بدون تأشيرة إلى حلفائها وشركائها المقربين، وأحيانًا لمواطني الدول الأغنى. وعادةً ما يعتبر فرض قيود التأشيرة، فعلًا غير ودي من قبل حكومة دولة ما تجاه مواطني دولة أخرى، على سبيل المثال: التأشيرات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على دول مثل: جورجيا وتركيا وأوكرانيا.

إذًا، فقيود التأشيرات على المسافرين، بما في ذلك المسافرين لأغراض سياحية، تتخذ بعدًا سياسيًا بشكل أساسي.

السفر
قيود التأشيرات على المسافرين، تتخذ بعدًا سياسيًا بشكل أساسي

 ومن جهة أخرى تستخدم قيود التأشيرات وتصاريح الدخول، بشكل منهجي، من قبل بعض الدول الأكثر ثراءً لمنع الزائرين من الدول الأفقر، فيما يمكن اعتباره بشكل ما، طريقة أخرى، لكن رسمية، للتمييز، وتعزيز التفاوتات القائمة بين المواطنين ذوي الامتيازات العالية من بعض الدول، وأولئك الذين يواجهون قيودًا صارمة على حركتهم الدولية، كما تشير بعض الدراسات في هذا الصدد.

في المقابل، فإن تكلفة هذه القيود في التأشيرات وتصاريح الدخول، والتي تشكل عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على الدول، تتراجع كثيرًا في حالة السياسات التي تتجه نحو التسهيل. تقول دراسات إن برنامج الإعفاء من التأشيرة الأمريكية (VWP)، وفر ما بين 1.9 مليار دولار و3.2 مليار دولار أمريكي في التكاليف الإدارية، وساهم بمبلغ 6.9 مليار دولار أمريكي في الإنفاق السياحي المباشر لكل عام.

وفي هذا السياق، جدير بالذكر أن ما وجده الباحثون عند دراسة تأثيرات سياسيات التأشيرات بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، أنّ الانخفاض في أعداد الزائرين للولايات المتحدة، كان أكبر بين الذين يتمتعون بالإعفاء من التأشيرة الأمريكية!

في ظل الوضع الراهن عالميًا، لا يمكن، على الأرجح، القول بأن السياحة قد تمثل فعليًا ترياقًا لمواجهة الشعبوية الصاعدة

هكذا يصبح السفر والسياحة، ذو تداخل وثيق ومتشابك بالسياسة وتأثيراتها. وفي ظل الوضع الراهن في العالم، لا يمكن، على الأرجح، القول بأن السياحة قد تمثل فعليًا ترياقًا لمواجهة الشعبوية الصاعدة، في عقر دار "الديمقراطيات" الكبرى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل تحكم الشعبوية المجتمع الغربي؟

ما هو الجديد في الليبرالية الجديدة؟