09-يونيو-2018

يخيف الاستبداد السعودي المستثمرين الأجانب (Getty)

بدا برنامج الإصلاح الذي تطلع إليه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، طموحًا بشكل غير واقعي، لكن هذه لم تكن مشكلته الوحيدة، إذ أن صاحب السلطة الفعلية في المملكة، لم يدرك كما تبين الشواهد الأخيرة، أن الدعاية المدفوعة والبروباغندا التي تقنع بعض الإدارات اليمينية في العالم، لا تكفي لإقناع المستثمرين، الذين لا يشعرون بطبيعة الحال، بأي أمن بسبب الاستبداد الحكومي في البلاد، والإدارة المركزية للاقتصاد. في هذا التقرير المترجم عن صحيفة "فوربس"، بيانات تفصيلية لهذا الانهيار.


وفقًا للبيانات الصادرة حديثًا عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أو ما يعرف بالأونكتاد وهي اختصار لـUN Conference on Trade and Development، فقد انهارت الاستثمارات الداخلية في المملكة العربية السعودية العام الماضي، مما أثار تساؤلات خطيرة حول آفاق خطط الإصلاح الاقتصادي التي يسعى إلى تحقيقها ولي العهد محمد بن سلمان.

انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة العربية السعودية في العام الماضي إلى 1.4 مليار دولار فقط، مُقارنةً بـ 7.5 مليار دولار في العام السابق

وحسب تقرير الاستثمار العالمي الصادر حديثًا عن مؤتمر الأونكتاد، الذي نُشر في السابع من شهر حزيران/ يونيو، فقد انخفض مقدار الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة العربية السعودية في العام الماضي إلى 1.4 مليار دولار فقط، مُقارنةً بـ 7.5 مليار دولار في العام السابق و12.2 مليار دولار في عام 2012.

ويعني هذا الانخفاض الحاد والتراجع السريع أن الاقتصادات الأصغر حجمًا تمكنت من تجاوز البلاد من حيث قدرتها على جذب الاستثمارات الدولية في العام الماضي، مع تقدم دول مثل عمان والأردن عليها في عام 2017، فقد بلغ مقدار الاستثمار الأجنبي المباشر  في تلك البلاد نحو 1.9 مليار دولار و1.7 مليار دولار على الترتيب.

بالإضافة إلى ذلك فإن الوضع على نفس القدر من الحدة والسوء عندما ينظر المرء إلى حجم الاستثمارات القادمة إلى المملكة العربية السعودية مُقارنةً ببقية منطقة غرب آسيا المحيطة. ففي حين أن المملكة استأثرت بما يقرب من ربع إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الإقليمي بين عامي 2012 و2016، فإنها لم تجذب سوى 5.6% فقط من الإجمالي الإقليمي العام الماضي.

اقرأ/ي أيضًا: تباطؤ النمو الاقتصادي في السعودية.. "رؤية 2030" في مهب رياح الواقع

وفي الوقت الذي خسر فيه الاقتصاد السعودي، فإن آخرين حصلوا على قطعة أكبر من الكعكة. فقد شهدت حصة  دولة قطر، التي تتعرض لمقاطعة اقتصادية وحصار من قبل البحرين ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات منذ شهر حزيران/ يونيو من العام الماضي، تمكنت من زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر لديها في عام 2017، واجتذبت 986 مليون دولار مقارنةً بـ 774 مليون دولار في العام الذي سبقه.

وعزا مؤتمر الأونكتاد الانخفاض في الاستثمار في المملكة العربية السعودية إلى عمليات بارزة انطوت على بيع وسحب الاستثمارات والقروض السلبية الداخلية التي قامت بها الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات. وكمثال على ذلك، تجدر الإشارة إلى مجموعة شل الهولندية البريطانية التي باعت حصتها البالغة 50% في الشركة السعودية للبتروكيماويات (صدف) إلى شريكتها الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، مقابل مبلغ قدره 820 مليون دولار في شهر آب/ أغسطس.

ومع ذلك، يشير التقرير أيضًا إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة العربية السعودية قد تقلص منذ الأزمة المالية العالمية التي حدثت بين عامي 2008/2009. وعلى الرغم من وجود نمط مماثل في جميع أنحاء المنطقة، إذ انخفضت التدفقات إلى غرب آسيا خلال معظم السنوات منذ أن وصلت إلى ذروتها التي بلغت 85 مليار دولار في عام 2008، لا يزال أداء المملكة العربية السعودية الاقتصادي العام الماضي أسوأ بشكل ملحوظ من أي اقتصاد آخر في البلدان المجاورة مباشرة. كما أنه أسوأ بكثير من الصورة العالمية، إذ انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في جميع أنحاء العالم بنسبة 23% في العام الماضي لتصل إلى 1.43 تريليون دولار.

قوضت النزعات السلطوية للنظام السعودي ثقة المستثمرين المحتملين والمستثمرين الفعليين على حد سواء

ستُثير تلك النتائج القلق بين صانعي السياسات في الرياض، فقد قام ولي العهد محمد بن سلمان بمحاولة جذب المستثمرين الدوليين إلى البلاد للمساعدة في تمويل برنامج للإصلاح الاقتصادي. وقد شمل ذلك خططًا لإنشاء مدن جديدة، وفتح أسواق في مجال السياحة والترفيه، وتخفيف القيود المفروضة على الملكية الأجنبية للشركات المدرجة في بورصة الأوراق المالية السعودية (تداول).

اقرأ/ي أيضًا: سياسات السعودية ضد نفسها.. انتحار على يد أمير الطيش

يستلزم تنفيذ هذه الخطط إقناع المستثمرين الدوليين بضخ الأموال إلى البلاد. فقد اجتذب مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار الذي استضافته الرياض في العام الماضي، بعض الأسماء البارزة، مثل لاري فينك الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك، والمستثمر المغامر بيتر ثيل، ومن المقرر عقد مؤتمر ثانٍ في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من هذا العام. وقد سافر ولي العهد محمد بن سلمان أيضًا بشكل موسع في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا لإثارة الاهتمام بخططه.

بيد أن النزعات السلطوية للنظام السعودي قوضت في بعض الأحيان ثقة المستثمرين المحتملين والمستثمرين الفعليين على حد سواء. وقد أثارت أحداث، مثل اعتقال واحتجاز العشرات من رجال الأعمال البارزين في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، والاعتقال الأخير للنشطاء الذين قاموا بحملة لرفع القيود المفروضة على قيادة المرأة، تساؤلات حول سيادة القانون في البلاد وأمن الاستثمارات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ميزانية السعودية 2018.. حروب الطيش من جيوب المواطنين والوافدين

السعودية عملاق تمويل الإرهاب في بريطانيا.. الفضيحة مستمرة