07-يونيو-2018

تحقق السعودية أعلى طموحات اليمين الإسرائيلي (Getty)

أفردت صحيفة يديعنوت أحرونوت الإسرائيلية، تقريرًا موسعًا لتحليل التقارب المتزايد في الفترة الأخيرة، بين النظام السعودي وإسرائيل. وهو التقارب الذي يصفه متابعون بـ"المتسارع"، ويرى فيه وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، حدثًا لا يمكن التعتيم عليه، إذ طلب من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تعليقًا على عدم إعلانه "الرسمي" عن العلاقات التي تربط بين البلدين، وأن عليه أن يكون جريئًا مثل "السادات"، وأن يخرج ويعلن علاقات رسمية للسعودية مع اسرائيل. لكن تصريح ليبرمان الذي نقلته مجلة نيوزويك لم يكن بالجرأة التي طلبها من ابن سلمان، إذ لم يسم السعودية بشكل صريح وإنما خاطب "الدول المعتدلة"، التي صار معنى اعتدالها واضحًا في الاصطلاح العربي.

تعي الإدارة الإسرائيلية الحالية أن فرصتها اليوم مواتية، بوجود ولي العهد السعودي المثير للجدل

هل ما تزال السعودية خائفة من دفع الثمن؟

تعي الإدارة الإسرائيلية الحالية أن فرصتها اليوم مواتية، بوجود ولي العهد المثير للجدل، الذي منح "تقاربًا" ثمينًا، وتسهيلات للإسرائيليين لم يحلموا بها، على أرفع المستويات، مخابراتيًا وحتى على الصعيد الاستراتيجي. ويبدو أيضًا أن اللهجة الرسمية السعودية مع القضية الفلسطينية أصبحت أكثر حدة وعداءً، إذ تذكر يديعونوت أحرونوت أن محمد بن سلمان قال في اجتماع مع العديد من قادة المنظمات اليهودية في أواخر آذار/مارس الماضي، إنه "خلال الأربعين سنة الماضية تكررت الفرص المتاحة لدى القيادة الفلسطينية، لكنها رفضت جميع المقترحات"، ثم أضاف أنه "لقد حان الوقت أن يقبل الفلسطينيون المقترحات... أو أن يخرسوا ويتوقفوا عن الشكوى"، مستلهمًا لهجة تسيبي ليفني في 2009 وهي تقول للفلسطينيين "كفى يعني كفى".

لم يكن هناك تقارب حقيقي بين إسرائيل والسعودية من قبل، له أساسات واضحة على الأرض مثل هذه الأيام، لكن النظام السعودي يعي جيدًا أنه يضع نفسه في مرمى النيران، إذا يتحول هذا التقارب ليصبح علنيًا، في بلد دأبت على الترويج لنفسها باعتبارها حامية الدين والأماكن المقدسة، وممثلة الإسلام السني.

في الآونة الأخيرة ظهرت إيران كفزاعة للنظام السعودي، وحددت المملكة تحركاتها على أساس هذه المخاوف، وكانت أولى خطواتها على ما يبدو، الاتجاه نحو تقارب متين مع إسرائيل ضد ظهران باعتبارها العدو المشترك، على حد تعبير رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو نفسه. وفي ظل عدم استقرار البيت السعودي من الداخل، وتورطه في اليمن، وتوغل إيران في سوريا، فإن الساحة والتوقيت مواتيان للحليف الجديد إسرائيل، التي تقدم نفسها باعتبارها لاعبًا رئيسيًا في تغيير ميزان القوى الإقليمي.

اقرأ/ي أيضًا: مشروع "نيوم".. ذريعة ابن سلمان لإعلان تطبيع العلاقات مع إسرائيل

تتطلع اسرائيل التي تعتز بترسانتها العسكرية إلى تقديم الدعم العسكري للسعوديين وتحسين القدرة القتالية ضد إيران، وتعميق التعاون مع دول أخرى مثل الإمارات، وهو ما يفسر مشاركة إسرائيل في المناورات الجوية اليونانية في آذار/مارس الماضي جنبًا إلى جنب مع الإمارات، مع عدم الإعلان الرسمي عن مشاركة أفراد ممثلين لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

ضغط على الفلسطينيين.. الدور السعودي الجديد

تحولت اللهجة الرسمية السعودية بشأن آفاق الصراع العربي الإسرائيلي، من حل عادل للقضية الفلسطينية إلى حل "منطقي"، وبدأت تظهر إلى العلن مقترحات، تتنازل عن حق العودة الفلسطيني وعن القدس، مع محاولة لتقديم حل آخر يتوافق مع تطلعات تل أبيب.

ولا تبدي السعودية سعيًا لحل جذري للقضية الفلسطينية، فهي تكتفي "بانفراجة في المفاوضات"، يقابلها تفهم إسرائيلي، وتقديم وعود باهتة عما يمكن تقديمه للفلسطينيين، مثل "تجميد بناء المستوطنات" أو رفع الحصار عن غزة ولو جزئيًا. في موازاة ذلك، تقدم السعودية ما يعزز من طموح إدارة نتنياهو، وكما تنقل الصحيفة الإسرائيلية، فإنه "إذا أزال النظام في الرياض الحواجز الاقتصادية وسمح بدمج المكونات والقوى العاملة الإسرائيلية في الاقتصاد السعودي، فسيكون لها مساهمة كبيرة في الاقتصاد الإسرائيلي، خاصة إذا فتحت دول عربية أخرى أبوابها أمام المنتجات الإسرائيلية"، وهو كرم تنتظره إسرائيل بفارغ الصبر لكي تحصل على مكاسب كانت أحلامًا بعيدة حتى وقت قريب.

على الرغم من "الود" السياسي بين السعودية وإسرائيل، فإن تطبيعًا رسميًا معلنًا من النوع الذي تحلم به تل أبيب، لا يزال قيد التحضير

وعلى الرغم من كل هذا "الود" السياسي بين السعودية وإسرائيل، فإن تطبيعًا رسميًا مع السعودية من ذلك النوع الذي تحلم به إسرائيل، لا يزال طي الخفاء، خاصة إزاء عجز النظام السعودي عن جر الفلسطينيين لتوقيع وثيقة "تنازل" رسمية عن حقوقهم التاريخية، في العودة وتقرير المصير، لذا تصف إسرائيل الفرصة رغم كل الإتاحة والتسهيلات البادية بالمخادعة، وتتعامل معها تعامل السراب الذي يمكن أن يختفي مع أي تغير سياسي على الساحة الإقليمية غير المستقرة.

اللعب على حبل الاتفاق النووي

قام نتنياهو برحلة تستغرق ثلاثة أيام إلى أوروبا لمناقشة المسألة الإيرانية، ومحاولة إقناع زعماء فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا بضرورة تكثيف الضغط على طهران لإحباط طموحاتها النووية.

لا تبدي السعودية سعيًا لحل جذري للقضية الفلسطينية، إنما تحاول تمرير تطبيعها مع إسرائيل بأقل تكلفة

وعلى الرغم من تمسك الدول الأوروبية الثلاثة، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بضرورة الإبقاء على الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة بإدارة ترامب، إلا أن المستشارة الألمانية في لقائها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي قد اتفقت على أن "أنشطة إيران في الشرق الأوسط تشكل مصدر قلق، خاصة بالنسبة لأمن إسرائيل".

ولا تزال ميركل التي أيدت الاتفاق من أجل أن يكون النشاط النووي الإيراني تحت السيطرة ولو لبعض الوقت على حد قولها، ترى بأن هناك حاجة إلى صفقة تكميلية مع طهران تغطي برنامجها للصواريخ البالستية بالإضافة إلى تدخلاتها في بلدان مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن. وهو ما يُظهر نجاح ضغوط الولايات المتحدة وإسرائيل لهز الثقة بالاتفاق الذي كانت ألمانيا ممن أثنوا عليه سابقًا. وتبرر ذلك في أن الاتفاق بين الأوروبيين وإسرائيل على أن إيران لا يجب أن تحصل على السلاح النووي، و لكن الاختلاف بين الطرفين في منهجية حدوث ذلك.

وقال نتنياهو عن الاتفاق أثناء لقائه مع ميركل: "اعتقدت أن هذه صفقة سيئة للغاية لأنها منحت إيران القدرة على تطوير أجهزة طرد مركزي متقدمة أكثر فعالية بمقدار 40 مرة في السنوات الفاصلة. لذا يمكن أن تكون لها قدرة تخصيب غير محدودة في غضون سنوات قليلة. هذه ليست صفقة جيدة"، مشيرا إلى أن الاتفاق لا يتناول مسألة الصواريخ البالسيتية.

اقرأ/ي أيضًا: تيران وصنافير في الصحف الإسرائيلية: "السعودية ملتزمة بمصالح تل أبيب"

كما لعب نتنياهو مع أوروبا، رفقة السعودية، على الوتر الحساس حين قال إن إيران بتدخلاتها في المنطقة قد تكون سببًا في موجة جديدة من اللاجئين إلى أوروبا، وقال في تصريحات نقلتها يديعوت أحرونوت  إن "إيران تريد إجراء حملة دينية بشكل أساسي في سوريا ذات الأغلبية السنية وتحاول تحويل السنة". وأضاف أن "هذا سيؤجج حربًا دينية أخرى. هذه المرة حرب دينية داخل سوريا وستكون العواقب كثيرة وستؤدي إلى وجود الكثير من اللاجئين، وهذه المرة لن تعرفوا من أين سيأتون بالضبط".

وقال رئيس الوزراء إن إسرائيل شاركت الحكومة الألمانية في المعلومات التي حصلت عليها من الأرشيف النووي الإيراني السري. مبينًا أنه "من المهم أن تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتحقيق مع إيران بناء على هذه المعلومات الجديدة، وكمية كبيرة من المعلومات التي قدمتها إسرائيل أيضا للوكالة الدولية للطاقة الذرية". واعتبر أن الأمر لا يتعلق فقط بالسلاح النووي بل بالسلوك العدائي الإيراني تجاه إسرائيل.

لعب نتنياهو مع أوروبا على الوتر الحساس حين قال إن إيران قد تكون سببًا في موجة جديدة من اللاجئين

تمارس إسرائيل في سياستها الخارجية لعبة المكاسب مع أطراف عربية وغربية تسعى جميعها إلى مجاراة الولايات المتحدة، التي بدورها بدأت تتقدم بخطوات أكثر جرأة مثل إعلان القدس عاصمة إسرائيل مثلًا، وهي تفهم أنها الآن في زمن الإتاحة والإمكان من قبل أطراف عربية تسمي نفسها دولًا سنية معتدلة مثل السعودية والإمارات، بالإضافة إلى أخرى طبعت رسميًا معها منذ عقود مضت مثل مصر. وربما نرى في القريب العاجل خطوات أكثر جرأة مما مضى، تعويلًا على الضعف العربي الداخلي والخارجي على حد سواء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

انسحاب ترامب الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني.. نتنياهو مصفقًا لنفسه

تطبيع أبوظبي والرياض مع إسرائيل.. اتهمْ قطر لتنجو بجريمتك!