21-مارس-2017

كانت معظم الروايات تدور حول البطل المخلص وكانت من عمق حياة المصريين (فيسبوك)

تذكرون المشهد المحوري في فيلم "الزوجة الثانية"، الذي كانت بطلته سعاد حسني وشكري سرحان وكيف كونت "الفلاحة" النبيهة خطتها في مواجهة الظلم لدى سماعها عرض الأراجوز؟، هذا الفن الذي هو من أقدم الفنون الشعبية في مصر، إنه فن السامر الشعبي.

قصص السامر الشعبي في مصر بدأت في مصر القديمة وتطورت إلى العروض المسرحية التي كانت تجمع في خيال الظل والموسيقى والحوارات والشخصيات

قصص السامر الشعبي في مصر بدأت في مصر القديمة وتطورت إلى العروض المسرحية التي كانت تجمع في عناصرها خيال الظل والموسيقى والحوادث والحوارات والشخصيات الماجنة، وحتى عروض تمثيل الحيوانات.

في دراسة أعدها السيد محمد علي عن السامر الشعبي في مصر قام بعرض كل أشكال السامر الشعبي في مصر القديمة والحديثة، ملتفتًا إلى ما ورد في نصوص المؤرخين القدامى والمحدثين حوله. وسنعرض من هذه الدراسة لمحات مما قد يفيدنا عن هوية السامر الشعبي في مصر.

اقرأ/ي أيضًا: الحكواتي في تونس.. فن منسي يتجدد

السامر حفل مسرحي كان يقام في المناسبات الخاصة سواء أ كان فرحًا أو مولدًا، كذلك كان يؤدى في الأعياد الدينية والشعبية والوطنية سواء في القرية أو في المدينة (البيئات الشعبية). وفي مصر الفرعونية القديمة، كان الناس في عهد الإله آمون يحتفلون بعيدين كبيرين الأول "عيد الأوبت" ومعناه عيد الحريم لأن معبد الأقصر وقتها كان مخصصًا لنساء آمون وتصور لنا النقوش التاريخية تفاصيل هذا العيد، وخروج موكب الفرعون تتقدمه القرابين التي سوف تذبح احتفالًا بالعيد.

ويرأس المهرجان الملك الذي يصاحب الإله آمون وزوجته موت وابنهما "خنسو" تتبعهم الصفوف والأعلام والبيارق والمهرجون واللاعبون، ويسير في الصفوف التجار الذين كدسوا فواكههم وخضرهم ولحومهم ثم تشق القوارب الصغيرة المقدسة طريقها داخل المعبد حيث تقدم إليها القرابين والهبات.

أما العيد الثاني فهو عيد الوادي حيث يعبر الإله آمون على مركبه ليزور المعابد الجنائزية للملوك وبالرغم من أن موكب الإله آمون كان موكبًا دينيًا فإنه كان يقترب من الاحتفال الشعبي أكثر من كونه طقسًا من أجل العبادة، يؤكد ذلك خروجه من قدس الأقداس وإشراكه الجميع في طقوس الاحتفال.

أما مصر القبطية فكانت فكرة تقريب الدين إلى الشعب عن طريق التمثيل قد برزت فعليًا في مصر من داخل الكنيسة، حيث يحتفل شعب الكنيسة بذكرى دخول المسيح إلى أورشليم على جحش وذلك بمحاولة تمثيل ذكرى استقبال المسيح رافعين في أيديهم سعوف النخيل وأغصان الزيتون.

أما في مصر بعد دخول الإسلام فكانت مواكب المحمل المصري إحدى تجليات عروض الشوارع في مصر حيث قيل إن أول من نظم المحمل مع الحج المصري وأرسل كسوة الكعبة وحماها العساكر كانت "شجر الدر" وكان الهودج الذي ذهبت فيه إلى الحج يُرسل مع قافلة الحجاج لإضفاء هيبة الدولة، وهكذا كانوا يرسلون كل سنة هودجًا عرف بالمحمل مع كل قافلة حجاج كرمز للملكية.

أما عفاريت المحمل فكانوا في الأصل ممثلين هزليين يخرجون في احتفالات المحمل وكانوا يظهرون أمام الناس وهم يؤدون أدوارهم التمثيلية، وكان يسير معهم المصارعون أو ما يسمى الآن بـ"البلياتشو"، الذي نعرفه في السيرك ومن هؤلاء ما كان يسير على أرجل خشبية ترتفع إلى ثلاثة أمتار تقريبًا، ويلطخ وجهه بالمساحيق، فكان منظره يثير الضحك حتى أطلق الناس على أمثال هؤلاء "عفاريت المحمل".

اقرأ/ي أيضًا: زواج الواحات.. طقوس مصر الشعبية

عروض الشارع

لا يزال المصريون حتى الآن يشاهدون عروض الشوارع التي يقدمها "القرداتية" و"الحواة"، تصحبها مظاهر تمثيلية ظريفة لا تزال بقاياها حتى اللحظة. بالنسبة للحاوي فقد بدأت عروض الحواة بمجموعات بشرية كانت من عائلات الرفاعية والسعيدية، الذين كانوا يكسبون رزقهم بالتنقل بين المنازل لإبعاد الثعابين وقد أطلق عليهم "دي شابرول"، وهو أحد علماء الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 م، صِفة السحرة وعلى عملهم اسم "فن الأفاعي".

ورويدًا رويدًا تحول عمل الحواة من مجرد إخراج الثعابين التي تسكن البيوت إلى اللعب مع الثعابين أمام حلقات المشاهدين في الساحات العامة نظير حصولهم على مساهمات مالية بسيطة خلال عرضهم أو بعده، واتسعت ألعاب الحواة لتشمل "شرب النار" وألعاب ورق اللعب أو "الكوتيشنة " وغيرها من الألعاب التي يلعبونها في الشوارع والموالد.

رواة القصص الشعبيين

كانت معظم الروايات الشعبية تدور حول البطل المخلص وكانت من عمق حياة المصريين مثل حكايات سيف بن ذي يزن وذات الهمة

كانت معظمها روايات تدور حول البطل المخلص وكانت من عمق حياة المصريين مثل حكايات سيف بن ذي يزن والمهلهل وأبي زيد الهلالي وذات الهمة وأبي حمزة البهلوان.

كان منهم شاعر الربابة أو "الرواي"، ويستخدم آلة ذات صوت شجي يأخذ أداؤه طابع التمثيل الشعبي ويحكي السير والملاحم الشعبية ويبدأ شاعر الربابة عرضه بتقديم فاصل قصير من العزف على الربابة يظهر فيه براعته في العزف ويلفت انتباه الحاضرين ويبدأ غناءه بالصلاة على النبي (فلا يحلى الكلام إلا بذكر المصطفى عليه الصلاة والسلام) ومنهم من يحكي عن تغيرات الزمان والحكم والمواعظ.

ومن أشهر شعراء الربابة المصريين "الريس متقال" وهو أشهر شاعر ربابة في مصر وظهر في عدة أفلام قديمة.

السامر الشعبي في مصر يمثل قصص المصريين وحكاياتهم وأحلامهم، وهو تقليد أزاحه مع مرور الوقت ظهور المذياع ثم التلفاز

أما الحكواتي فهو نوع آخر من المتخصصين بالأدب الشعبي ويعتبر من نماذج تمثيل الأدب العربي القديم وكان يقدم قصصه أمام الناس في الأسواق والساحات الواسعة أو الميادين الكبيرة وكان يستعين في تمثيله بالعصا والمنديل وأحيانًا آلة موسيقية تمثل الخلفية الموسيقية للمشاهد التي يحكيها، ونجد في هذه العروض عنصر الحوار الدرامي البليغ الذي يكشف عن أبعاد الشخصيات التي تتحاور. ومن أشهر الممثلين الحاليين الذي برع في رواية السيرة الهلالية هو الممثل سيد رجب.

وسيد الضوي وهو من أشهر شعراء السيرة الهلالية.

السامر الشعبي في مصر يمثل قصص المصريين وحكاياتهم وأحلامهم، وهو تقليد أزاحه مع مرور الوقت ظهور المذياع ثم التلفاز، وكأن العالم يضيق الخناق على الخيال الشعبي لصالح الصور الكبيرة الآتية من عالم قد لا يشكل وجداننا بفعالية كما كان يفعل السامر الشعبي.

اقرأ/ي أيضًا:

المدرسة التونسية.. مرحبًا أيّها الفن

قناديل ملك الجليل.. أصل الفلسطيني حصان