11-أبريل-2017

عمل فني لـ عصام كرباج/ سوريا

الساعة السادسة مساءً من يوم الثلاثاء 7/4/2013 كان عليّ إغلاق صفحة الفيسبوك إلى الأبد. 
هكذا جاءت التعليمات هذا الصباح.

رحت أجوب شوارع دمشق، أتطلع إلى الموبايل مع كل دقيقة تمرّ، لعلّ الرسالة تصل، قبل أن يصل الوقت إلى السادسة مساءً. هذا ما يحدث دائمًا؛ عندما ننتظر، يتوقف العد. فالخطوات تراوح وحدها خارج الزمن.  
أجوب الشوارع. أمشي وأمشي وعقارب الوقت تلدغني وحدي. الثانية وعشر دقائق، عدة كيلومترات أخرى، وأنظر للموبايل، إنها الثانية وسبع عشرة دقيقة. كنت أظن أني مشيت بما يعادل حياة كاملة، لكن هذا الوقت الأبله يمرر سبع دقائق فقط. حتى الزمن تركني وحيدة. كل هذه الحارات والأفكار والخطوات بسبع دقائق فقط!؟ أيصاب الوقت بالجلطات القلبية أيضًا؟ 

كيف سأصل إلى السادسة وما بعدها إذن؟ 

يجب أن أجد طريقة لتمضية هذا الانتظار. أتابع السير في الشوارع التي امتلأت بعبارات التمجيد لميلاد الحزب العملاق. كدت أتقيّأ، ألم ننته من كل تلك الشعارات بعد؟ أزحت حالة الغثيان بإطلاق ضحكات متتالية. أضحك لوحدي في الطريق. لم أكلّف نفسي تحاشي النظرات التي ترمقني متوجسة، مبتعدة عني. ظنوني مجنونة بكل تأكيد. أليس الجنون أرحم من كل هذا العته؟ الناس تموت بالرصاص والقذائف والمعتقلات والجوع والبلد تحتفل بميلاد الحزب العظيم.

لكن الوصول إلى البيت قبل الخامسة يعني كارثةً تحمل الانتظار بين أربعة جدران.

الحرب لا ترحم، القذائف كفيفة، الرصاص بيد الإخوة الأعداء. الحياة بظل الطائرات المقاتلة تشبه زحف أسراب النمل آخر الصيف إلى أوكارها. سأتشبث بأفراحي الصغيرة، سأقتنع بأن الرسالة ستصل قبل الساعة السادسة من هذا المساء. 

تقول إحدى تعليمات السلامة البيتية خلال الحروب: "دع نافذة مفتوحة في كل غرفة لمرور التيار الهوائي عند وجود ضغط ناتج عن عملية الانفجار وتطاير الأتربة". هكذا ستجد الرسالة طريقها إلى موبايلي عبر ذلك الشق الصغير في النافذة التي أتركها مفتوحة تنفيذًا للتعليمات. الحذاء ليس جديدًا لكنه يجرح كاحلي مع كل خطوة. يبدو أنه لا مفر من العودة للبيت والانتظار هناك بعيدًا عن هذا الميلاد العظيم. 

لم أشأ التفكير بأن الهزيمة ستأتي من شق النافذة ذاك.

جدران البيت إذا أضفت لها جدران الفيسبوك ستبدو أكثر أمنًا من هذا الفراغ القاتل المحمّل بشعار الوحدة والحرية والاشتراكية. فتحت الفيسبوك مبتعدة عن جدارك قدر الإمكان. لم أكن أنوي التفكير بتعليماتك هذا الصباح. لكن كلماتك ترن في دماغي كطبول الحرب. 
"اسمعيني جيدًا.. إذا لم تصلكِ رسالة مني أو اتصال قبل السادسة مساءً، عليك أن تغلقي صفحتي على الفيسبوك. مفهوم؟ أنا لا أعرف كلمة السر لصفحتي أنت فقط من يمتلكها منذ اللحظة".

لن أقترب من صفحتك الآن، سأتصفح موبايلي فقط. حتى صفحتي لن أدخل إليها. رحت أتنقل بين الجدران. سأنشغل بأصدقائي في المنافي البعيدة. أضع اللايكات على شِعرهم، حتى الرديء منه. وأقلب بين ألبوماتهم أنزع اللايك القديمة وأضع إشارة الحب.. love نعم love، فالـ like لا تكفي. لكن الطبول تقرع في رأسي. تسللت إلى صفحتك وكأنني أخشى أن تراني متلبسة قبل السادسة مساء. أريد فقط أن أتوقف عند صورتك بالأبيض والأسود. تلك التي أحب، والتي تعرف أني أحب. سأحييك فقط. أتفقدك وأحييك من أرض المعركة. وأنت المعركة الآن.

ليس عنترة وحده من يذكر الحبيب والرماح نواهل وبيض الهند تقطر من دمه. المسكين عنترة يتذكر الحبيب عند انكسار الرماح على الرماح، وعند انكسار السيوف على السيوف! أما أنا فأتذكرك بين السيوف والرماح والرصاص والبراميل والطائرات والسيارات المفخخة وقذائف الهاون وصواريخ أرض أرض، وعلب الدواء وأكياس الدم والمشافي الميدانية والفيسبوك، وصور الأبيض والأسود. هل جرب ذلك الفارس المقدام تذكر الحبيب وأشلاء البشر تطير من هول الانفجارات؟ 

انفجار يأخذ بدربه كل شيء، بينما القلب يذكر اسم الحبيب كتميمة تعيد تركيب الرأس المقطوعة والأوصال المتناثرة، لتجعل من الحب درعًا واقية، ليس من الرصاص والقنابل وحسب، بل تجعل منه تميمة ضد الموت كله. لكن، لكل تميمة ثقب أسود تكتشفه السهام الغادرة من حيث لا نحتسب. وكما اخترق سهم باريس تميمة آخيل من كعب قدمه، اخترق سهم الكمبيوتر تميمتي. فما إن حركت السهم قليلًا للأسفل وأنا أمر على جدارك حتى أرتدّ إلى عقب آخيل، قبل أن أصل إلى السادسة حتى. أعلن الفيسبوك خسارتي. طردني بالبطاقة الحمراء من أرض المعركة. 

كنت أعرف أنه السابع من نيسان. أعرف ونسيت. حتى أني كدت أتقيأ وأنا أرى الشعارات المرفوعة في الطرقات. نسيت ضحكتي في السابع من نيسان الماضي وما قبله. كنا نصعد إلى قاسيون مع قالب حلوى، وضحكات لا تتوقف من مصادفة تاريخ ميلادك مع تاريخ حزب السلطة هذا. 

أيوجد شخص عظيم ويوم ميلاده السابع من نيسان!؟ لماذا لم تختر والدتك إلا هذا اليوم؟ ماذا كان يفكر أبوك في ذلك اليوم، الذي قذفك نطفة غير محظوظة ــ رغم فوزها بالمرتبة الأولى بسباق الوصول إلى البويضة ــ في رحم أمك؟ أعتقد أنه كان في زيارة لشعبة الحزب العملاق في حي الحجر الأسود ذلك اليوم. أتتوقع لو أني كنت أعرف يوم ميلادك قبل حبك كنت أحببتك؟ 

سأحتفل بك رغمًا عن هذا، وأتابع مازحة، لكني لا أستطيع إلا أن أمزج بين ميلادكما. كنت تضحك وتقول: يا للعار! لكنه تاريخ ميلادي حقًا، ماذا أفعل؟ ابي حقًا كان يزور شعبة الحزب العاشرة في حي الطبالة حسب ما أعتقد. 
وهنا ننفجر بالضحك ونبدأ بالغناء:
"سبعة نيسان يا رفاق
ميلاد الحزب العملاق
يا طلائع بعثية
غنوا أحلى غنية"..

ها أنا أنسى كل هذا. لتطالعني صفحتكَ على الفيسبوك بكل تلك المعايدات. أنزل وأقرأ مزيدًا من التهاني بسنة حلوة وميلاد جديد وفرح جديد. عيد ميلاد سعيد. كل عام وأنت بخير. مزيد من التألق والإبداع. أقرأ وينغرز السهم أكثر، حتى كَسَتِ الغباشة الزرقاء محيطي بالكامل. لم أكن فيما مضى أحتاجك أيها الحائط البارد. 

لم أستطع التحرك من مكاني. أمسكت الموبايل ورحت أتفقده. أتفقد الشبكة، أغلق الموبايل وأعيد تشغيله. لم تصل أي رسالة جديدة. أسترجع الرسائل الماضية. رسائل الأمس فقط.
الساعة 12.32 "أغمرك" 
الساعة 03.14 "البارحة نسيت روحي داخل نسمتك، انتبهي". (نسمة اسم سيارتي). 
الساعة 05.25 "أحبك.. لكن يدي اخضرت، يجب أن أبعدها من تحت رأسك، قليلًا".
الساعة العاشرة صباحًا "تعالي إلى المقهى".
الساعة العاشرة وأربع دقائق "ضروري".
الساعة العاشرة وخمس دقائق "أنتظركِ".

تفقدت ساعة الموبايل، وساعة يدي، والساعة المعلقة على الجدار، إنها الرابعة وثلاث دقائق باختلافات بسيطة بين الساعات الثلاث. أغلقت الجدران المفتوحة، واستدرت بما تبقى لدي من وقت إلى الوراء. إلى السابع من نيسان الذي يخصني. كان نيسان الماضي وما قبله تلة كاتو مغطاة بالشوكولا وبالكريمة البيضاء. تتحلق حولها الشموع والأغنيات. كنت أستعد لقدوم نيسان قبل موعده بشهرين على الأقل. كان الفرح وحده دليلي إلى السابع من نيسان.
لم يكن الربيع الماضي قد أعلن بدايته رسميًا، حين كنت أجوب أحياء البحصة وساروجة منتقية (السي دي) المناسب لأغنيات وأغنيات تُهدى من بعيد. كان عليّ أن أستمع لمئة أغنية على الأقل لاختيار الأنسب. ألم تسمّني امرأة من أغانٍ؟ كنت تعرف أن علاجي هو أغنية. وكنتَ مثلي رجلًا من أغنيات.
أتذكرُ الآن يوم أهديتني أغنية أليسا "تصدق بمين".
صرخت يومها: أليسا!؟ من الشيخ إمام ومارسيل وفيروز وزياد إلى أليسا!!؟
لترد بضحكة: اسمعي فقط. 
وتبدأ بالغناء: "د أنا أنتَ.. وكمان أنتَ أنا.. وكأننا واحد وكل الناس تندهلو باسمين".
بدون وعي وجدتني أفتح صفحة اليوتيوب وأختار أليسا "تصدق بمين".

كانت الأغاني عالمنا. حتى ذاك الخصام، الذي كنت خبيرًا بحله. لم يكن يحتاج لأكثر من صوت عازار حبيب "شو قولك فينا نرجع" تهديني الأغنية، لأركض إليك ناسية وجهي المتجهم من مغازلتك إحداهن، وهذا الخصام الكاذب. 
وها أنا أتذكر كيف يبدأ الميلاد بأغنية وكيف ينتهي. كنت أضع الس دي في فضاء نسمة وأبدأ بالتحليق.

أنا ونسمة.. نطير.. نطير.. نسبق الطائرات التي كانت تعكر صفو الاستماع.

الطائرات في السماء، أنا أطير أعلى. أرفع صوت آلة التسجيل أكثر. الموسيقى لا تتوقف، ولا تهتم لخرق جدار الصوت، ولا لاشتباكٍ على الطريق قد تنفلت منه رصاصة هاربة إلينا. الرصاص يلعلع في سماء دمشق. نسمة تغلق كل أبوابها إلا الباب الذي يوصلها إليك، فهي مثلي تمامًا غير قادرة على سماع تشويش الرصاص والطائرات الذي يبعدها عن تفكير أنتَ فيه. لم أعد أسمع صوت الرصاص، ولا أخاف هنا من عدم سماعه، ولا أحاول تذكر نصيحة صديقي: لا تخافي من الرصاص الذي تسمعين صوته، فالرصاصة التي ستصيبك لن تسمعي أزيزها.

أترنّم مع الأغنية، وأنا أراقب طائرة الميغ المقاتلة، التي بدأت تقترب مني بسرعة جنونية. لست خائفة. قلبي يرتجف كثيرًا لكن ليس من الطائرة، بل من أغنية سمعناها معًا، تعيد إلى الذاكرة حضورك الطاغي داخل نسمة بجانبي.
ها هي الصبوحة تذكرني أيضًا بضحكاتك عندما تقول: ابتعدي عني يا بنت، أنا طفران.
لأقول بصوت الصبوحة ذاته "قديش مستحليّة عيش، جنبك يا بو الدراويش، تغديني جبنة وزيتونة، وتعشيني بطاطا".

أشعر بأن صوت الموسيقى ملأ العالم.. والطيار الذي يقترب بطائرته مني، هو دليلٌ على سلامة اختيارنا.. بالتأكيد جذبه اللحن الجميل والكلمات الفاتنة.

الأغنيات تقتلنا بالحنين لا بالقذائف. ولم أكن مهتمةً للموت بجرعة حنين زائدة. ليسمع الطيران أغنية واحدة فقط، ممّا أختار لك، وأراهن أنه سيعود مكلّلًا بالنصر والموسيقى وبطائرة لن ترمي إلا النغمات.

رحت أتساءل هل في الطائرة آلة تسجيل؟ أختار أغنية تناسب الطيران.

التحليق لم يكن مع النغمات الموسيقية فقط، فهدية صغيرة حسب ما أتوفر عليه من مال قليل، كانت تجعلني أعبر حارات دمشق دون أن يتسخ حذائي. تتوقف السيارات فاسحة لي المجال للعبور. أضحك عليهم في سرّي، لستُ بحاجة لممرّ مشاة. أنا أطير. أطير فقط. فعيد ميلادك على الطريق، وعليّ تزيين العالم. في ذهني شموع كثيرة، ألعاب نارية من كل الأشكال، أستخدمها كلها. كلها تلتمع فيّ، تضيئني، وتحلّق بي. الكرة الأرضية بكاملها لا تتسع لي.

عام واحد يمر لأجدني أنسى كل هذا. لأسمع بوضوح صوت المدفعية والقذائف والرصاص. وتحل نشرات الأخبار مكان النغمات.

ها أنا اليوم وفي عيد ميلادك الذي نسيت، أنتظر رسالة فقط. لا أريد أغنية، رسالة فقط. أحشائي تتمزق مع الوقت، قلبي يتآكل بأسيد الزمن. الساعة تشير إلى السادسة إلا عشر دقائق. أدعو الله كما لم أدعه من قبل.

أعود لصفحتك من حسابك هذه المرة. فرغم كل شيء يجب أن أنفذ تعليماتك بالحرف. يجب أن يغلق الحساب عند الساعة السادسة إذا لم تصلني رسالة منك.

وجدت 134 رسالة أغلبها معايدات. هناك رسائل مشفّرة بخصوص نقل الدواء وتجهيز مشفى ميداني. لم يكن صعبًا عليّ فهمها. عدت إلى رسائل المعايدة. النساء يغدقن عليك بالحب، كنت أقرأ ردودك الباردة والعامة عليها. أذهب إلى الإشعارات، الكثير من الأغاني والغزل على صفحتك وعلى العام أيضًا. أعود للرسائل، ثم أنتقل إلى الصفحة الرئيسية، ومنها أتفقّد الموبايل. لم تصل الرسالة. أطفئ الموبايل وأعيد تشغيله. أتفقد الشبكة. الساعة السادسة ودقيقتين. يا الله ماذا أفعل؟؟ مع كل كبسة زر كنت أشعر أن قدمي تدوس على أطرافك. هناك من يجبرني على المرور على جسدك. لماذا أفكر هكذا؟ من أين جاء هذا التفكير. كلما فكرت بكبس زر إغلاق الصفحة يأتي الإحساس بأني أدوس على وجهك. بدون أن أشعر رميت الحذاء من قدمي، على الأقل جسدي لن يؤذيك كثيرًا، خلافًا حواف الحذاء قاسية. رحت أسير على رؤوس اصابعي، بسرعة حتى لا أؤذي جسدك الرياضي. كنت تحملني وتحلق بي، وعلّي حملك الآن. كيف سأغلق الصفحة بدون الشعور بأني أدوس على جسدك. أخاف وأتراجع. لن أغلق الصفحة. لكن نظرة عينك الحادة تطالبني بتنفيذ المهمة.

أعود للصفحة الرئيسية أقرأ المغازلات. أين ذهبت الغيرة من كل هؤلاء النساء؟ رحت أصرخ: اكتبن له يا نساء العالم.. اكتبن. اكتبن كلمات العشق، اسرقن القصائد وارمينها عند قدميه. اكتبن الشعر، اكتبن فلن أغار. والله لن أغار. ولن أتصنع مشكلة وخصام. اليوم عيد ميلاده، فتمنّين له الحب والفرح والحياة. سأملأ بوستاتكن لايكات وقلوب حب، سأحبّكن أيضًا. سأحبّكن فأنتن ترينه كما يجدر به أن يرى. أريد للعالم أن يدرك حسن اختيار هذا القلب. 
أحببنه يا نساء العالم.. أحببنه فهو أهل للحب.

ضغطت على مربع إغلاق الحساب. غابت صورتك عن الشاشة، واشتعلت في مخيلتي. لأرتدّ سريعًا إلى تعليماتك التي رحتَ تلقّنني إياها هذا الصباح. كنتُ قد حفظتُ كل شيء، لكني بقيتُ أنظر كالبلهاء. أنتظر أن تلتمع نظرتك المليئة بالحب. تلك التي غابت عن عينيك اليوم. عيناك كانتا غائمتين غاضبتين. أتفرّس فيهما، وأبحث في زواياهما عن نظرتك تلك. تعيد التعليمات معتقدًا أنني لم أفهم. 
فجأة انبثقت. رأيتها أخيرًا. فابتسمتُ وتابعتَ أنتَ بتلك النظرة التي كنت أبحث عنها: 
- هناك كلمة قلتها مرة واحدة وأنا بعمر الخامسة عشرة لطفلة مراهقة مجنونة مثلك. وأنت تعرفين أني لم أقلها بعد كل ذلك الزمن إلا لكِ. أحبكِ. أتصدقينني؟ 
لم يكن يحتاج للرد ولم ينتظره حتى. ضمّني إليه بقوة. همس بأذني: أحبكِ لا تنسي ذلك.

لم أعد أستطيع رؤية تلك النظرة ثانية فالدموع ابنة الكلبة محت العالم من حولي، بينما أحاول إبعادها عن عيني، كانت قامته تسير مبتعدة عني. أسمع هذه الكلمات في السابع من نيسان أيضًا. اللعنة عليك يا نيسان. ستبقى الذكرى مرتبطة بك للأبد.
"نيسان أقسى الشهور
يخُرج الليلك من الأرض الموات
يمزج الذكرى بالرغبة
يحرك خامل الجذور بغيث الربيع".
أقسى الشهور يا إليوت. نعم هو أقسى وألعن الشهور.

سأمحو من ذاكرتي الطفولية صورة نيسان، التي بقيت ترسمه مثل ذلك الشاب الجميل الطيب في الفيلم الكرتوني "الفصول الأربعة". تقول الحكاية إنه يعرف كل شيء عنا في أيامه الثلاثين. يسجّل ملاحظاته التي تصف أيامنا كيف مضت فيه. 

اقترب مني بهدوء. سجّل الملاحظة وطلب مني الإمضاء. كنت أغني -" غير اللي كان ما بدي"- وأنا أمسك القلم لأوقع على وصف أيامي هذه. 

في السابع من نيسان لهذا العام انتصرت الحرب.

أكملت ما كتبه. في السابع من نيسان هزمتني الحرب. وقعت وأنا أقرأ ملاحظة العام الماضي "بالحب انتصرتْ على الحرب".

أوقع وأن أتطلع على الرصاص الذي بدأ يخترقني من كل الجهات، ثقوب كثيرة. هذا ما يحدث عادة عندما ننسى. وأنا نسيت أن أسمع صوت الرصاص فأصابني.

كل ما أريده من هذا النسيان القبيح، أن أرسل لك برقية أقول فيها: 
نفّذت المهمة على أكمل وجه.
لكن المعتقلين والأموات لا يتلقّون بريدًا إلكترونيًا. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

كلما سقطت من فمي كلمة

أجرّكَ من بيتِ أبيك