12-أغسطس-2021

الصورة من "Economiste"

كان لانتشار فايروس كورنا انعكاساته على القطاعات كافة، وشكّل خطرًا محدقًا على العالم برمته. ولكون بؤرة تفشيه الاولى كانت في مقاطعة يوهان الصينية ومنها انتشر إلى باقي بقاع العالم، واجهت الصين انتقادات عميقة تحملها المسؤولية المباشرة وغير المباشرة على تفشيه، ولمواجهة الانتقادات كان لزامًا على الصين تبني استراتيجية دبلوماسية رقمية لنشر وجهة نظرها وتجربتها في التصدي لانتشار الفيروس والقضاء عليه من ناحية، ولمواجهة الانتقادات التي حملت الصين مسؤولية ما لحق بالعالم من تبعات كارثية من ناحية أخرى.

انتهجت الصين استراتيجية دبلوماسية رقمية عُرفت باسم "الذئب المحارب" للرد على الاتهامات القاسية التي وجهت لها من قبل بعض الأطراف الدولية

لذلك انتهجت بكين استراتيجية دبلوماسية رقمية عُرفت باسم "الذئب المحارب" للرد على الاتهامات القاسية التي وجهت لها من قبل بعض الأطراف الدولية. وتعتمد هذه الاستراتيجية

على ما يعرف بدبلوماسية تويتر "Twiplomacy"، التي كانت بداية انطلاقها في العام 2018 من خلال الحساب الرسمي لوزارة الخارجية الصينية@MFA_China". وكانت استراتيجية "الذئب المحارب" إحدى الأدوات اللازمة لانطلاق دبلوماسية الصين الرقمية بقوة هائلة بعد تفشي "فايروس كورونا". وتهدف هذه الدبلوماسية إلى الوصول الى الرأي العام الدولي، واعادة هندسته بما يتوافق والدبلوماسية العامة الصينية وقوتها الناعمة التي تطمح من خلالها الى الولوج العالم ولتقدم نفسها كحضارة وثقافة ذات توجهات ونزعات عالمية.

اقرأ/ي أيضًا: طريق الحرير الجديد.. صفقة القرن الصينية

ويعزى انتهاج الصين "دبلوماسية تويتر" لسببين يتمثل أولها في أن "تويتر" له تأثير عالمي ويمكن من خلاله تحقيق انتشار عالمي يخلق حوارات عميقة عالميًا، ولتمكين بكين من الوصول للجمهور بصورة فعالة وسريعة، ولضمان أن تكون رسالتها ورؤيتها متوفرتين لدى الباحثين عن أي هاشتاغ متعلق بالصين. وكذلك فإن الاختصار المطلوب في التغريدات على تويتر، يدفع إلى تخطي المجاملات التي قد توفرها منصات تواصل اجتماعي كجزء من المحتوى والمضمون الإعلامي. وهذا يعني الذهاب لطرح الفكرة الأساسية بشكل مباشر، وهو جزء من الفلسفة الغربية ذات التفكير المنهجي الذي يقود إلى النقطة الأساسية والجوهرية بخط مستقيم بعيدًا عن طريقة التفكير الحلزونية، التي تدور فيها الرسالة الإعلامية حول النقطة المركزية في المضمون قبل الوصول إليها، بالإضافة الى أن استخدام هاشتاغ #covid19 أو #coronavirus يضمن عند إجراء البحث على محركات البحث الوصول إلى آخر التغريدات الصينية المتعلقة بالمعلومات المحدثة بشأن "انتشار الفايروس" وغيرها من المعلومات ذات العلاقة. فاستخدام تويتر يوفر القدرة والإمكانية لاختيار مواضيع محددة من وجهة نظر صينية.

أما السبب الثاني فإنه من خلال تويتر يمكن للصين مراقبة وقياس الرأي العام ومعرفة توجهاته في العالم الافتراضي والذي يأتي انعكاسًا طبيعيًا للواقع. وبطبيعة الحال فإن صانعي السياسات الإعلامية الصينية ليسوا غرباء رقميًا عن الشعور العام والرأي المتشكل بخصوص الفيروس، كما أن تويتر يمتلك مقومات وخصائص تختلف كليًا عما هو في الإعلام التقليدي، وتوفر هذه المقومات والخصائص لدبلوماسيتها ما هو مطلوب لأخذه بعين الاعتبار والتعاطي معه بجدية ودقة عاليًا. ويزود صانع القرار الإعلامي بالتغيرات على الأرض والسيناريوهات والسياسات الواجب اتخذها في إدارة أزمتها الإعلامية بنجاح واقتدار وتمكن والعمل على تفادي الاخطار بـأقل ضرر ممكن.

وخلال الأزمة استخدمت الصين منصات تويتر لوزارة الخارجية (@MFA_China)، ولبعثتها في الأمم المتحدة @Chinamission2un)، ولسفارتها في الولايات المتحدة الاميركية(@ChineseEmbinUS)·، ولسفارتها في جنوب أفريقيا (@ChineseEmbSA)، ولوكالة التنمية الصينية (@cidcaofficial). وحسب مقالة للباحثين كريس ألدن وكندريك تشان نشراها في حزيران الماضي، حول الدبلوماسية الرقمية الصينية، فقد امتاز المحتوى الإعلامي عبر "الهاشتاغات" بحمله مواضيع تثير الجدل لفتح حوار تسعى الصين من خلاله إلى طرح روايتها الإعلامية، بما يضمن إمكانية التأثير على مضامين الحوار. مع ذلك كانت مشاركة السفارات في التغريد وإعادة التغريد تحتاج إلى عمل وجهد أكبر مما هو عليه الحال، وبجودة رقابة صينية عالية.

تدرك الصين أهمية استخدام الدبلوماسية العامة بما فيها الدبلوماسية الرقمية عبر "تويتر" في الترويج لصورتها الإيجابية حول العالم وتعزيزها والتأكيد عليها

تغريدات السفارات الصينية في أغلبها كانت تأتي من وسائل الإعلام الرسمية، والتي يتم فحصها قبل النشر، بدلًا من أن تكون من إنتاج السفارات نفسها. وسبب مركزية مضمون التغريدات هو تجنب الدخول في حوار قد يقود إلى انحراف السفراء عن المعايير المتوقعة، واحتمالية الاختلاف عن خط حزب الحزب الشيوعي الصيني، بالإضافة الى تجنب وجهات النظر المتطرفة، وتجنب المواجهة اللفظية.

اقرأ/ي أيضًا: فهم الاستراتيجية الصينية عن طريق ثقافتها

تدرك الصين أهمية استخدام الدبلوماسية العامة بما فيها الدبلوماسية الرقمية عبر "تويتر" في الترويج لصورتها الإيجابية حول العالم وتعزيزها والتأكيد عليها، بسبب رغبتها بالحضور العالمي على الصعيدين الرسمي والشعبي. كما أنها تسعى إلى التصدي لحملات تحريض كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يشنها عليها في كل فرصة، لتكون الأخطر على الصين منذ عشرات السنوات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الصين والشرق الأوسط.. كتاب يدرس مواقف الصين من القضايا العربية

الإسلام في الصين