02-يناير-2019

يزحف التنين الصيني للسيطرة على العالم اقتصاديًا عبر مشروع طريق الحرير الجديد (FT)

فى عام 2013، بدأت الصين بوضع حجر الأساس لما يعرف إعلاميًا باسم مبادرة "طريق الحرير" أو "الحزام والطريق"، وهو مشروع في ضخامته، يقرب وصفه بـ"صفقة القرن" الاقتصادية، إذ قُدّرت ميزانيته مؤخرًا بـ900 مليار دولار، وفقًا لتقرير بالمنتدى الاقتصادي العالمي، صدر في كانون الأول/ديسمبر المنصرم.

تمتلك الصين ثاني أكبر اقتصاد عالميًا، ومن المتوقع أن يعزز مشروع طريق الحرير من اقتصادها، كما أنه سيكون نقلة نوعية في السياسة الصينية

تمتلك الصين ثاني أكبر اقتصاد عالميًا، ومن المتوقع أن يعزز هذا المشروع من اقتصادها، كما أنه سيكون نقلة نوعية في السياسة الصينية، التي بهذا المشروع ستمتلك نفوذًا خارج حدودها بآلاف الأميال، وصولًا إلى أبواب القارة الأوروبية.

اقرأ/ي أيضًا: "الحل الصيني" يُزاحم أمريكا ببطء على قيادة العالم

تقوم هذه المبادرة على عرض مشاريع بنى تحتية عملاقة للدول المشاركة التي سيعبر من خلالها طريق الحرير (حوالي 70 دولة)، من طرق سريعة وخطوط سككك حديدية، من العاصمة الصينية بكين مرورًا بكازاخستان وطاجكستان وصولًا إلى فرنسا وإسبانيا.

وخلال الأعوام القليلة الماضية، أقرضت الصين العديد من الدول قروضًا تدخل في مشاريع ضخمة، تُدين تلك الحكومات لصالح الصين، ما قد يجعلها مضطرة للتنازل عن بعض أصولها للصين، وهو ما قد يحدث ضمن إطار مبادرة طريق الحرير.

وتتفرع من المبادرة كذلك طريق بحرية، تلزمها اتفاقات على مرافئ بحرية إستراتيجية موزّعة على الطريق من سريلانكا في آسيا مرورًا بجزر المالديف، ثم موانئ القرن الأفريقي، وهكذا يتسلل التنين الصيني إلى الدول النامية، كبوابة للسطوة الاقتصادية العالمية.

الوعود الصينية لجيبوتي

بدأت الصين في ملأ الفراغ الداعم لدول القرن الأفريقي، وإغراقها فى ديون وصلت لـ60 مليار دولار، تحت نفس المظلة المعتادة "التنمية" واستكمال مشاريع البنى التحتية، وحماية المنطقة من القرصنة، وغيرها من الوعود. غير أن الهدف الأكثر وضوحًا بالنسبة للصين، كان السيطرة على أهم ميناء بحري في القرن الأفريقي، وبناء قاعدة بحرية صينية في جيبوتي.

طريق الحرير الصيني

وهكذا بدأ الأمر: إغراق جيبوتي في الديون الصينية، مع بداية الإقراض في 2015، ثم توقيع اتفاقية الطريق والحزام في 2016، ليأتي عام 2017 وقد بنت الصين قاعدة بحرية عسكرية في جيبوتي.

لم يتوقف الأمر عند ذلك، فعندما عجزت جيبوتي عن تسديد ديونها، سيطرت الصين على مرفأ حاويات بالقرن الأفريقي، وأجبرت جيبوتي على أن تنهي تعاقدها مع شركة موانئ دبي العالمية التي كانت منوطة بإدارة المرفأ، في حين ذهبت إدارة المرفأ لشركة مملوكة للحكومة الصينية.

تسبب ذلك في قلق أمريكي، من أن السيطرة الصينية على المرفأ، يعزز من النفوذ الصيني في القرن الأفريقي وعلى منطقة خليج عدن البحرية. وبطبيعة الحال، فإن ذلك يعني مزاحمة صينية للوجود الأمريكي في المنطقة.

وهكذا باتت جيبوتي أول موطئ لأقدام الصين على ساحة الصراع على النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي، ضمن الخطة الأكبر المعنونة بـ"مبادرة الطريق والحزام"، وهي بالفعل حزام يُطوّق العالم بالصين، إذا ما نُفّذ على أكمل وجه.

الصين تطبق على سريلانكا

بنفس الطريقة دخلت الصين لسريلانكا بالقروض التي تحمل وعودًا بالتنمية، قبل أن تكون مدخلًا للنفوذ الصيني. ثم في نهاية 2016 خططت بكين للسيطرة على حصة 80% من الميناء الواقع جنوب سريلانكا عبر شركة الموانئ القابضة الصينية المملوكة للدولة.

تعثّر المشروع قليلًا بسبب وقوف المعارضة السريلانكية في وجهه، قبل أن تتمه ضغوط على الحكومة السريلانكية على رأسها شروط صندوق النقد الدولي لإتمام اتفاقية بقرض قيمته مليار ونصف المليار دولار، ما اضطر الحكومة السريلانكية إلى إتمام الصفقة مع بكين.

قاعدة عسكرية صينية في جيبوتي
قاعدة عسكرية صينية في جيبوتي

وفي 2018 نجحت الصين في ضم الميناء إلى خريطة طريق الحرير، بعقد أبرمته بالاستحواذ على الميناء لمدة 99 عامًا، بقيمة 1.12 مليار دولار أمريكي. 

الزحف إلى المالديف

بدأت العلاقات الصينية المالديفية في التنامي مع الرئيس المالديفي السابق عبدالله يمين، والذي توجه له الاتهامات الآن -بعد خسارته في الانتخابات أمام مرشح المعارضة إبراهيم محمد صلح- بالارتماء في أحضان الصين بشكل أضرّ بالمصلحة العامة للبلاد.

وتبلغ أقل التقديرات للديون الصينية على عاتق جزر المالديف مليار ونصف المليار دولار أمريكي، أي أن نصيب الفرد من مواطني المالديف حوالي 3750 دولارًا أمريكيًا، علمًا بأن مستوى الدخول يتراوح ما بين 300 إلى 900 دولار للفرد.

أمّا أبرز المشاريع التي دانت من أجلها حكومة عبدالله يمين، كان الجسر الرابط بين مطار المالديف وبين بقية جزر الدولة. وتسبب هذا المشروع في جدل كبير، خاصة بسبب تحفظات بيئية على بناء الجسر، وأيضًا لأنه تسبب في تضرر قطاع كبير من المواطنين الذين كانوا يعملون في النقل البحري كمصدر رزق أساسي لهم.

وعلى كل، اتهم عبدالله يمين بالتكسب غير المشروع من وراء المشاريع التي استدان من الصين لإقامتها، باعتبارها مشاريع مبالغًا في ميزانيتها المعروضة، كما اتهم بوضع الدولة تحت رحمة الصين بهذه الديون الضخمة التي ربما لن تستطيع جزر المالديف الوفاء بها. وفي كانون الأول/ديسمبر المنصرم، جُمّدت أرصدة عبدالله يمين في البنوك.

المالديف الصين
الجسر الذي استدانت الحكومة المالديفية من الصين لبنائه

وكانت ديون الصين إحدى أسباب هزيمة عبدالله يمين في الانتخابات الرئاسية التي أقيمت في أيلول/سبتمبر الماضي، أمام مرشح المعارضة إبراهيم محمد صلح.

الطموح الصيني

وكما أنّ مساعي الصين في جيبوتي مزاحمة للولايات المتحدة، وحلفائها في الشرق الأوسط على النفوذ، فإن المساعي الصينية في المالديف، مزاحمة للهند على النفوذ عسكريًا واقتصاديًا، علمًا بأن معظم الصادرات الهندية تمر عبر أرخبيل المالديف، ما يعني أن نفوذ الصين هناك، هو تحكم بمصير جزء كبير من الاقتصاد الهندي.

تبدو من خلال مشروع طريق الحرير، نوايا الصين في الزحف الناعم باتجاه ربط العالم بحزامها، بالسيطرة على نقاط الارتكاز الأهم بحريًا وبريًا

وعلى كل، يبدو الطموح الصيني من وراء مشروع طريق الحرير، أبعدَ من الاستفادة الاقتصادية المعولمة كما يُروّج للمشروع، وتبدو من خلاله نوايا الصين في الزحف الناعم باتجاه ربط العالم بحزامها، عن طريق السيطرة على نقاط الارتكاز الأهم من ممرات ملاحية بحرية وبرية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

العولمة تتجه شرقًا.. "أمريكا أولًا" تفتح الطريق أمام "تنين" الصين

ماذا وراء انفتاح الصين على رؤوس الأموال الغربية؟