25-أغسطس-2019

قد تقبل الدنمارك والولايات المتحدة على أزمة دبلوماسية (Getty)

يبدو أن الدنمارك مقبلة على أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة بعد رفضها طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشراء جزيرة جرينلاند ما دفع بالأخير لإلغاء زيارته إلى كوبنهاغن التي كان مزمعًا إجراؤها بعد أسبوعين من الآن، الأمر الذي أثار موجة من السخرية في أوساط السياسيين الدنماركيين، في الوقت الذي أكد  فيه رئيس حكومة جرينلاند على أن الجزيرة ليست للبيع.

تكمن مساعي ترامب لشراء جرينلاند كونها تتمتع بموارد طبيعية مثل الفحم والزنك والنحاس وخام الحديد، زاد من إمكانية الوصول لها ذوبان الثلوج التي تغطي 80 بالمائة من مساحة الجزيرة

الحكومة الدنماركية.. شراء جرينلاند "نقاش سخيف"

ظهرت رغبة رجل العقارات الأمريكي بشراء الجزيرة قبل أكثر من أسبوع عندما كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية في تقرير لها عرض ترامب خلال مأدبة عشاء مع مساعديه شراء جرينلاند بعدما سمع من شخص ما أن حكومة الدنمارك تواجه صعوبات مالية، وأضافت الصحيفة أنه رغم اعتبار بعض مساعديه الأمر مجرد مزحة، أخذ القسم الآخر حديث ترامب على محمل الجد، خصيصًا أنه طلب من المستشار القانوني للبيت الأبيض النظر بالموضوع.

اقرأ/ي أيضًا: "Land of Mine".. حروب الدنمارك التي أغفلها التاريخ

وفي حديث لقناة فوكس نيوز الأمريكية أكد المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري كودلو صحة ما تداولته وسائل الإعلام حول حديث ترامب عن رغبته شراء الجزيرة الدنماركية بالقول: "لا أريد التكهن بنتيجة"، مضيفًا أن ترامب الذي "يعرف بعض الأمور عن شراء العقارات يريد دراسة عملية شراء جرينلاند"، مشيرًا إلى أن الموقف "يتطور".

وتعقيبًا على ذلك وصفت فريدريكسن ما أثير من رغبة ترامب شراء الجزيرة خلال حديثها لهيئة الإذاعة الدنماركية بأنه "نقاش سخيف"، وأضافت أن رئيس وزراء جرينلاند كيم كيلسن أوضح أن جرينلاند "ليست للبيع. وهو ما ينهي الحديث بهذا الشأن"، فيما اعتبر رئيس الوزراء الدنماركي السابق لارس لوكه راسموسن أن تصريح ترامب لا بد من أنه " كذبة أبريل".

وقوبل رفض فريدريكسن مناقشة بيع جرينلاند مع ترامب بإلغائه للزيارة، بعدما كتب عبر حسابه الرسمي على تويتر: "الدنمارك دولة مميزة للغاية وشعبها رائع.. ولكن بناء على تعليقات رئيسة الوزراء مته فريدريكسن بأنها ليست مهتمة بالنقاش حول شراء جرينلاند فسوف أرجئ اجتماعنا المقرر في غضون أسبوعين لوقت لاحق"، ما دفع فريدريكسن للإعراب عن أسفها ودهشتها من تغريدة رجل العقارات الأمريكي، مضيفًة أن ذلك لن يؤثر على العلاقات بين البلدين.

وكان ترامب قد تبادل مع ابنه نشر صورة معدلة على تطبيق فوتوشوب يحيطها منازل ملونة صغيرة مقابل ناطحة سحاب كتب عليها اسم عائلة ترامب، وقام ترامب بكتابة تعليق على الصورة التي نشرها على تويتر: "أعد ألا أفعل ذلك بجزيرة جرينلاند"، فيما كتب إيريك ترامب معلقًا على الصورة في حسابه على انستغرام: "لا أعرف فيما يتعلق بكم يا رفاق، ولكنني أحب فكرة شراء جرينلاند".

ماذا تعرف عن جزيرة جرينلاند؟

تصنف جرينلاند على أنها أكبر جزيرة في العالم بعد أستراليا، وتعتبر قارة بحد ذاتها لوقوعها بين شمال الأطلسي والمحيط القطبي الشمالي بمساحة تقدر بأكثر من 2 كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانها ما يزيد عن 56 ألف شخص، وينحدر نحو 90 بالمئة من سكانها من سكان جرينلاند الأصليين الأسكيمو، وتتمتع بنظام حكم ذاتي بسيادة دنماركية، ولها حكومة وبرلمان خاص بها، تساهم الدنمارك بثلثي ميزانيتها، وتعتمد في تمويل بقية الميزانية على نشاطها من الصيد البحري.

وعندما تعرضت الدنمارك للغزو الألماني في الحرب العالمية الثانية تكفلت الولايات المتحدة بالدفاع عنها، وبعد انتهاء الحرب العالمية بهزيمة الألمان قامت الولايات المتحدة بتوقيع اتفاقية عسكرية مع الدنمارك عام 1951، وأنشأت في الجزيرة قاعدة ثول الجوية، ونصت الاتفاقية أن يكون دفاع جرينلاند من مسؤوليات حلف شمال الأطلنطي (الناتو).

 عاصرت الجزيرة منذ توقيع الاتفاقية العسكرية بين واشنطن وكوبنهاغن مجموعة من التغييرات في تبعيتها السياسية، بدأتها عام 1953 بتحولها من مقاطعة دنماركية بدلًا من مستعمرة، وأصبح لسكانها الحقوق والواجبات نفسها التي يتمتع بها السكان الدنماركيون، ومنحوا حق التصويت، وفي عام 1979 حصلت الجزيرة على الحكم الذاتي.

وصوت سكان الجزيرة عام 2008 في استفتاء حصلوا بموجبه على المزيد من الحكم الذاتي، والسيطرة على موارد الطاقة، وحصلت لغة جرينلاند الغربية على وضع اللغة الرسمية بدلًا من الدنماركية، وتعتبر ملكة الدنمارك مارغريت الثانية هي رأس الدولة، بينما رئيس الحكومة هو من سكان الجزيرة، ويتولى منصب رئيس الحكومة الحالية منذ عام 2014 كيم كيلسين، وهو ضابط شرطة سابق.

ما هدف ترامب من شراء جرينلاند؟

تكمن مساعي ترامب لشراء جرينلاند رغم رفض الحكومة الدنماركية لطلبه كونها تتمتع بموارد طبيعية مثل الفحم والزنك والنحاس وخام الحديد، وزاد من إمكانية الوصول للموارد الطبيعية في الجزيرة ذوبان الثلوج التي تغطي 80 بالمئة من مساحتها، لكن هناك اعتقاد بأن ذوبان الثلوج سيؤدي للكشف عن نفايات نووية سامة تركت في عدة مواقع عسكرية أمريكية خلال الحرب الباردة.

وكشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نقلًا عن شخصين مطلعين على المفاوضات أن اهتمام ترامب بالجزيرة سببه أهمية موقعها للأمن القومي الأمريكي، وهو ما انعكس في تصريحات النائب الجمهوري مايك غالاغر الذي وصف عرض ترامب بأنه "خطوة جيوسياسية ذكية".

وتقيم واشنطن قاعدة ثول الجوية التي تضم قرابة 600 شخص يشرفون على أنظمة الرادار المسؤولة عن الإنذار المبكر بشأن الصواريخ البالستية، وتحتفظ واشنطن بالقاعدة بنظام إنذار صواريخ ومراقبة فضائية وميناء بحري، وحاولت الصين في وقت سابق شراء قاعدة جوية قديمة في الجزيرة لكن طلبها قوبل بالرفض من كوبنهاغن.

وكانت الولايات المتحدة قد طرحت لأول مرة فكرة شراء جرينلاند في القرن الـ19 وفق تقرير للخارجية الأمريكية مؤرخ في عام 1867 يتحدث عن الأهمية الاستراتيجية للجزيرة، وقدم الرئيس الأمريكي هاري ترومان عرضًا رسميًا لشراء الجزيرة بقيمة مائة مليون دولار عام 1946 قوبل بالرفض، كما عرضت واشنطن مرًة أخرى مقايضة أراض في ألاسكا مع مناطق استراتيجية في جرينلاند دون أن تنجح بذلك.

وتقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن ترامب ليس أول رئيس أمريكي يسعى لضم جزء كبير من الأراضي بالشراء، فقد سبقه توماس جيفرسون بشراء لويزيانا من فرنسا عام 1803، واشترى أندرو جونسون ألاسكا في عام 1867، كما اشترى وودرو ويلسون جزر الهند الغربية الدانماركية -جزر العذارى الأمريكية الآن- من الدانمارك عام 1917.

اقرأ/ي أيضًا: ما الذي تقوله نتائج الانتخابات الدنماركية؟

وترى الصحيفة أن ترامب سيحقق نجاحًا تاريخيًا لو اقتنى الجزيرة، لكن واشنطن لا تحتاج إلى امتلاك الجزيرة للاحتفاظ بقاعدة عسكرية كبيرة هناك، والأهم من ذلك أن العالم الذي رأت فيه القوى الكبرى أن مهمتها الحضارية لغزو أو شراء الأراضي والمستعمرات، قد ولى منذ زمن بعيد، والغضب من استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014 شاهد على ذلك.

إن ترامب ليس أول رئيس أمريكي يسعى لضم جزء كبير من الأراضي بالشراء، فقد سبقه توماس جيفرسون بشراء لويزيانا من فرنسا عام 1803، واشترى أندرو جونسون ألاسكا في عام 1867

ووفقًا للقانون المحلي في جرينلاند فإنه يمنع التملك بالأساس كون الأرض ملك للحكومة، ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن كينيث مورتنسين أحد الوكلاء العقاريين في نوك عاصمة جرينلاند أنه لا يمكن تملك أرض في الجزيرة، مضيفًا أنه من حقك استعمال الأرض لتبني عليها منزلًا لكن لا يمكنك أن تشتريها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أمريكا ترامب.. دفاعٌ عن الأقليات في العالم وانتهاكات ضدهم في الداخل!

مترجم: "أمريكا ترامب تذكّر بألمانيا هتلر قبل الحرب العالمية الثانية"