08-يونيو-2019

كان التأثير الأكبر لقضيتي الهجرة والمناج في الانتخابات الدينماركية (رويترز)

فاز الاشتراكيون الديمقراطيون إذًا في الانتخابات العامة في الدنمارك التي جرت يوم الأربعاء الماضي، حيث أعلنوا النصر في الانتخابات البرلمانية بنسبة 25.9% من الأصوات. وعلى الرغم من فوز حزب الكتلة الحمراء بـ91 مقعدًا من مقاعد الفولتكينج أو البرلمان الدنماركي، إلا أن منافسها في الكتلة الزرقاء "الكتلة اليمينية" حصل على 75 مقعدًا. وقد صرحت زعيمة الحزب ميتي فريدريكسن أنه سيكون هناك تغير في الائتلاف الحكومي، الذي قد يواجه مشكلة مستقبلية في تشكيل هيكله.

ركز حزب يسار الوسط حملته على قضايا المناخ والدفاع عن دولة الرفاه التي تحظى بتقدير كبير في الدنمارك، ووعد بإلغاء سنوات من التخفيضات في الإنفاق على التعليم والرعاية الصحية، والحفاظ على نهجه الصعب بشأن الهجرة

موضوعان كبيران ومهمان شكلا معًا معبرًا إلى أصوات الناخبين في هذه الانتخابات: قوانين الهجرة والاهتمام بسياسيات إيجابية لمواجهة التغير المناخي.

اقرأ/ي أيضًا: الأمننة والشعبوية.. الخوف كدعاية سياسية

أقر راسموسن رئيس الوزراء الدنماركي بالهزيمة مساء الأربعاء، قائلًا إنه سيقدم استقالة حكومته إلى الملكة مارغريت يوم الخميس. وقال "كما هو الحال الآن، لدى ميتي فريدريكسن فرصة لتشكيل الحكومة".

الاهتمام بالبيئة: مقاربة ضمنت دعم الأصوات الغاضبة

علقت ميتي فريدريكسن على فوزها بالقول: "اختار الناخبون أغلبية جديدة واتجاهًا جديدًا.. بعد هذه الليلة، سنضع الرفاهية أولًا في الدنمارك مرة أخرى: الرفاه، المناخ، التعليم، الأطفال، المستقبل. التفكير في ما يمكننا القيام به معًا. لدينا الآن الأمل في تغيير الدنمارك".

ركز حزب يسار الوسط حملته على قضايا المناخ والدفاع عن دولة الرفاه التي تحظى بتقدير كبير في الدنمارك، ووعد بإلغاء سنوات من التخفيضات في الإنفاق على التعليم والرعاية الصحية، والحفاظ على نهجه الصعب بشأن الهجرة.

وبالعودة إلى الوراء قليلًا، فإن ميتي فريدريكسن كانت قد اجتمعت من قبل مع مجموعة من الطلاب في مسقط رأسها في مدينة ألبورج، وقام أعضاء حملتها بتوزيع الورود الحمراء على الطلاب كنوع من الترويج لحزبها في ذلك الوقت. استاء الطلاب من الورود الحمراء، بل إن أحدهم اعتبرها مثل بيع السجاد المصنوع بأيدي الأطفال على الزبائن الأغنياء.

هذه الهيستيريا المرتبطة بالتغير المناخي، شهدت صحوة غريبة في بلد هادئ يحظى بتقاليد قديمة من الرفاه الاجتماعي مثل الدنمارك، حيث أظهرت الاستطلاعات أن 46% من الناخبين يصنفون تغير المناخ على رأس اهتماماتهم، مقارنة بـ 27% في عام 2017.  هذا ما يفسر الدافع وراء اهتمام الناخبين الشباب المقبلين على الانتخابات بهذه القضية، من منطور القلق بشأن ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع منسوب البحر، في بلد يمتد شمال القارة نحو بحر البلطيق.

وفي استطلاع آخر للرأي شمل عينة من 9000  من الدنماركيين قال أكثر من 50% إنهم على استعداد لإجراء "تخفيضات كبيرة" في الاستهلاك والثروة لتخفيف مشكلة المناخ، في حين توقع أربعة من بين كل خمسة أن الأجيال القادمة ستعاني من التغير البيئي.

شكل الاهتمام بالبيئة وبالتغير المناخي تحديًا بالنسبة للأحزاب الدنماركية التي استيقظت على اهتمام الشباب بالبيئة، وعلى الرغم من أن الحكومة الدنماركية السابقة برئاسة راسموسن، تبنت بناء مزارع رياح بحرية جديدة وشجعت التكنولوجيا الخضراء الأخرى، إلا أنها أيضًا رفضت دعوات لفرض ضرائب جديدة على الطيران الجوي المسبب لانبعاث الغازات الدفيئة، أو على اللحوم الحمراء.

زعيمة حزب الشعب اليميني الدنماركي بيا كيارسجارد، رفضت ما اعتبرته "مبالغة" من قبل الناخبين الذين يركزون على البيئة باعتبارهم يمثلون "كذبة المناخ"، في حين رأى آخرون في حزبها أن  منتقدي القطاع الزراعي بسبب انبعاثاته الكربونية يعانون "هيستيريا المناخ". وهذا ما فسر ربما خسارتهم الانتخابات مع تقدم فريدريكسن التي استوعبت الدرس جيدًا.

التشدد من أجل الرفاه على حساب طالبي اللجوء والهجرة

اعتمد أكبر حزبين من أصحاب الشعبية لدى الناخبين الدنماركيين في السنوات الأخيرة سياسيات متشددة مناهضة للهجرة، كانت تخص في السابق اليمين المتطرف، وبات المهاجرون ونشطاء حقوق الإنسان يعتقدون أن هذه السياسيات هي السبب وراء ارتفاع حدة الانتهاكات والتمييز العنصري، بينما جادل كل من الاشتراكيين الديمقراطيين والليبراليين بأن سياسات الهجرة الأكثر صرامة كانت ضرورية لحماية نظام الرفاه. ورفضت فريديريكسن أي انتقادات وُجهت لها بشأن موقفها من الهجرة الذي لا يختلف عن موقف اليمين المتطرف، فقد دعم الاشتراكيون الديموقراطيون العديد من تدابير الهجرة التقييدية التي أقرتها الحكومة المنتهية ولايتها، ومعظمهما تم اتخاذه تحت إشراف وبدعم برلماني من الحزب الديمقراطي التقدمي اليميني المتطرف.

كان من بين تلك السياسات فرض حظر على ارتداء النقاب في الأماكن العامة، وكذلك "مشروع قانون المجوهرات" الذي تم انتقاده على نطاق واسع، والذي يسمح للشرطة بالاستيلاء على الأشياء الثمينة للاجئين لاستغلالها في دفع تكلفة معاملاتهم من قبل الدولة.

خلال التسعينات، كان حزب الشعب الدنماركي أول حزب ينتقد سياسات الهجرة والاندماج. ومنذ ذلك الحين، استخدم نجاحه الانتخابي لتشديد سياسات الدانمرك بشأن المهاجرين، وتخفيض المزايا الاجتماعية لطالبي اللجوء. وكان راسموسن رئيس وزراء الدنمارك أحد الوجوه الأساسية في توجيه النقد واللوم الدائم للاجئين.

الجدير بالذكر أن الأرقام تشير إلى أن عدد طالبي اللجوء انخفض فعليًا إلى أدنى مستوى له في الدنمارك منذ عقد. وحتى عندما حذر حزب الشعب الدانمركي من أن الاشتراكيين الديمقراطيين يمكنهم تخفيف سياسات الهجرة، فإن الواقع هو أن كلا الحزبين قد أيد إلى حد كبير الخط الأكثر تشددًا في هذا السياق، خلال الانتخابات البرلمانية في السنوات الأخيرة.

وفي هذا السياق، تظهر عدة تقارير أن الدنماركيين من أصول عربية، باتوا يرون أنهم يعانون بسبب كونهم من أصول مهاجرة.

اقرأ/ي أيضًا: صحيفة الغارديان و"اختبار" الشعبوية.. أدلجة الخوارزميات

كان من بين السياسات المثيرة للجدل في الدينمارك تجاه اللاجئين، سياسة "الجيتو" التمييزية المثيرة للجدل، فكانت الدنمارك هي الدولة الغربية الوحيدة التي حددت في سياساتها الرسمية هذا المسمى بما له من دلالات سياسية واجتماعية، وبما تطلبه من تدخل أكثر تطرفًا في حياة سكانها.

كان من بين السياسات المثيرة للجدل في الدينمارك تجاه اللاجئين، سياسة "الجيتو" التمييزية المثيرة للجدل، فكانت هي الدولة الغربية الوحيدة التي حددت في سياساتها هذا المسمى بما له من دلالات

تشترط القوانين التي تم إقرارها في آذار/مارس من العام الماضي، أن يقضي الأطفال ما لا يقل عن 25 ساعة في الأسبوع في دور رعاية الأطفال التي تعتمد اللغة الدنماركية فقط من سن عام واحد. كما تشمل  قضاء عقوبة إضافية على سكان "الجيتو" عند إدانتهم بارتكاب جريمة، أو تشديد العقوبات على الجرائم المرتكبة داخل مناطق "الجيتو". ولا زالت الحكومة ترى أن هذه القوانين تُعد جزءًا من مجموعة من التشريعات الجديدة التي تقول إنها تهدف إلى حماية المجتمع والقيم الدنماركية. بينما يقول المعارضون إنها تشكل المزيد من قمع حريات الأقليات، وتستخدمهم ككبش فداء لتعزيز كراهية الأجانب من أجل كسب الأصوات في الانتخابات.

\

اقرأ/ي أيضًا:

الشعبوية وسؤال التطبيع

لماذا عادت الشعبوية إلى صدارة المشهد العالمي؟.. إجابات لاتينية