14-يناير-2024
(الأناضول) شولتز ونتنياهو

(الأناضول) شولتز ونتنياهو

أعاد إعلان ألمانيا عزمها التدخل لدعم "إسرائيل" في القضية المرفوعة ضدها، في محكمة العدل الدولية، مواقف الدول الأوروبية الكبيرة من الحرب على غزة، وما مارسته من قمع وإسكات لكل ما يتعلق بفلسطين في سياق حملة ممنهجة لنزع الشرعية عن الفلسطينيين، إلى المشهد مرة أخرى. 

ليس تهميش القضية الفلسطينية داخل ألمانيا بالظاهرة الجديدة، بل هو أمر راسخ. فقبل وقت طويل من 7 تشرين الأول/أكتوبر، كانت الإجراءات المعادية للفلسطينيين التي تقوم بها السلطات الألمانية في تصاعد مستمر.

إجراءات ألمانية لدعم الإبادة الإسرائيلية

منذ العدوان على غزة، منعت الحكومة الألمانية المظاهرات الداعمة لفلسطين في أرضها على أساس مكافحة معاداة السامية، ومُنع الطلاب من ارتداء الكوفية الفلسطينية، كما مُنعت الملصقات التي تحمل الأعلام الفلسطينية، وحُظر شعار: "فلسطين ستتحرر من النهر إلى البحر" في ولاية بافاريا على أساس أنه "معادٍ للسامية".

وكان أولاف شولتس أول ممثّل لدولة أجنبية يزور "إسرائيل" بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي. كما أعلن سفير "إسرائيل" في برلين، رون بروسور، أن ألمانيا أصبحت أفضل حليف في أوروبا لتل أبيب، وذلك بعد الدعم غير المشروط وغير المحدود الذي قدمته منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

ولتبرير موقفها، سعت السلطات الألمانية إلى تصوير المسلمين عمومًا، والعرب خصوصًا، على أنهم يمثلون خطرًا على المجتمع الألماني. ففي الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر، دعا الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، الألمان من أصل فلسطيني وعربي إلى الابتعاد عن "حماس" ومعاداة السامية، واضعًا بذلك مجموعة سكانية كاملة تحت شبهة الإرهاب.

اعتبرت الحكومة الألمانية، في ردها على القضية المرفوعة في محكمة العدل الدولية، أن إسرائيل "تدافع عن نفسها" بعد الهجمات التي شنتها "حركة حماس" يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي

وبعد مدة من ذلك، تم تقديم مشروع قانون إلى البرلمان الألماني يربط بين الحصول على الجنسية الألمانية والالتزام الرسمي للمتقدمين بـ"حق إسرائيل في الوجود". وبعد شهر، أصدرت ولاية ساكسونيا أنهالت مرسومها الخاص، الذي يطالب المتقدمين للحصول على الجنسية بالإعلان عن دعمهم لـ"حق إسرائيل في الوجود" بشكل خطي.

ويوم الجمعة الفائت، أعلنت الحكومة الألمانية عن رفضها للقضية التي رفعتها جمهورية جنوب إفريقيا أمام محكمة العدول الدولية، واتهمت فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة، وحذرت ألمانيا من "الاستغلال السياسي" لهذه التهمة، كما أعلنت أنها ستتدخل كطرف ثالث أمام محكمة العدل الدولية.

وقال الناطق باسم الحكومة الألمانية، شتيفان هيبيستريت، في بيان، إن إسرائيل "تدافع عن نفسها" بعد الهجمات التي شنتها "حركة حماس" يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، التي وصفها بأنها "غير إنسانية".

وقال البيان إن الحكومة الألمانية: "ترفض بشدّة وبصراحة اتهامات الإبادة الموجهة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية"، معتبرةً أن هذا الاتهام: "لا أساس له من الصحة".

وأكد البيان: "بالنظر إلى تاريخ ألمانيا وللمحرقة التي شكّلت جريمة ضد الإنسانية، تشعر الحكومة الألمانية أنها ملتزمة بشكل خاص باتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها".

وأوضح البيان أن هذه الاتفاقية هي أداة مركزية للقانون الدولي تهدف إلى ضمان عدم حدوث إبادة مرة أخرى، من هنا تعارض الحكومة الألمانية بقوة "كل استغلال سياسي للاتفاقية".

ولم يكن إجراء تدخل طرف ثالث أمام محكمة العدل الدولية، المنصوص عليه في المادتين 62 و63، مستغلًا بالقدر الكافي في الوقت السابق، لكن الوضع تغير لاحقًا بشكل كبير، حيث تضمنت ثلاث قضايا حديثة أمام المحكمة تدخل طرف ثالث.

لماذا تؤيد ألمانيا إسرائيل إلى هذه الدرجة؟

هناك أربعة أسباب وراء اتباع ألمانيا هذه السياسة المتطرفة المؤيدة لـ"إسرائيل"، على الرغم من الانتهاكات المستمرة لدولة الاحتلال لحقوق الإنسان والقانون الدولي، ويمكن إيجاز هذه الأسباب في: عبء ماضي المحرقة النازية، وقوة اللوبي الإسرائيلي في البلاد، ونفوذ الولايات المتحدة، وخط الحكومة الائتلافية الحالية.

لا شك أن الإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد اليهود في ألمانيا النازية رهنت سياسة ألمانيا لصالح "إسرائيل" حتى يومنا هذا.

ويلعب اللوبي الإسرائيلي دورًا كبيرًا في ألمانيا، من خلال التغطية المستمرة لموضوع المحرقة في التلفزيون والصحف الألمانية، وتذكير الألمان بأنه على الرغم من أن الجريمة ارتكبها أسلافهم فإن الأجيال الحالية تتحمل القدر نفسه من المسؤولية.

ونتيجة لذلك، يصف الساسة الألمان دائمًا حماية إسرائيل بأنها "مصلحة وطنية"، إذ يعتقدون أنه بغض النظر عما تفعله إسرائيل، فإنه من واجب ألمانيا أن تدعمها.

السبب الآخر وراء سياسة ألمانيا المتطرفة المؤيدة لإسرائيل هو علاقتها مع الولايات المتحدة، التي تعتبر أكبر داعم لإسرائيل في العالم.

هناك أربعة أسباب وراء اتباع ألمانيا  السياسة المؤيدة لـ"إسرائيل"، وهي: عبء ماضي المحرقة النازية، وقوة اللوبي الإسرائيلي في البلاد، ونفوذ الولايات المتحدة، وخط الحكومة الائتلافية الحالية

نشأت العلاقة بين برلين وواشنطن بعد الحرب العالمية الثانية، وهي علاقة غير متكافئة، لأن ألمانيا لا تخرج عن خط الولايات المتحدة في السياسات الخارجية والأمنية.

لكن بعض القادة الألمان، مثل جيرهارد شرودر، وضعوا استثناءات لهذا الأمر. ومع ذلك، يبدو أن المستشار شولتز، العضو في الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني، الذي كان شرودر زعيمًا له في الماضي، قد مضى باتجاه التبعية لواشنطن، خاصة مع الحرب الروسية الأوكرانية.

ويتنافس الشركاء الصغار في الائتلاف، الحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر، على مجاراة السياسة الأمريكية والتماهي معها.

وقد وصلت وزيرة الخارجية، أنالينا بيربوك، وهي عضو في حزب الخضر، إلى مستوى كبير من التوافق مع السياسة الخارجية الأمريكية، ما أدى إلى تدمير التزام حزبها العميق بحماية حقوق الإنسان والدفاع عن السلام العالمي.

ناميبيا: ألمانيا ارتكبت أول إبادة جماعية

أعلنت دولة ناميبيا رفضها لموقف ألمانيا دعم إسرائيل ضد المدنيين الأبرياء في غزة، في بيان صدر عن الرئاسة الناميبية، قال: "على أرض ناميبية، ارتكبت ألمانيا أول إبادة جماعية في القرن العشرين في الفترة من 1904 إلى 1908، حيث لقي عشرات الآلاف من الناميبيين الأبرياء حتفهم في أشد الظروف وحشية وفظاعة".

وأضاف البيان: "وما زالت حكومة ألمانيا تفشل في تكفير ذنبها بشكل كامل عن الإبادة التي ارتكبتها على أرض ناميبية. ولذلك، في ضوء عدم قدرة ألمانيا على الاستفادة من تاريخها الرهيب، يعبّر الرئيس هاكه كينكوب عن قلقه العميق إزاء القرار المروع الذي أعلنته حكومة جمهورية ألمانيا الاتحادية يوم أمس، 12 كانون الثاني/يناير 2024، الذي رفض فيه التوبيخ الأخلاقي الذي قدمته جنوب أفريقيا أمام المحكمة الدولية بأن إسرائيل ترتكب جريمة إبادة ضد الفلسطينيين في غزة".

ردود فعل أخرى

أثارت خطوة ألمانيا عددًا كبيرًا من ردود الفعل السلبية من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مقررو الأمم المتحدة.

كتب بالاكريشنان راجاجوبال، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في السكن الملائم، على منصة "إكس": "يجب على ألمانيا أن تدعم الجهود الرامية إلى فرض اتفاقية الإبادة الجماعية، لا أن تعارضها".

وانتقدت تلالنغ موفوكينغ، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحق في الصحة، على منصة "إكس" أيضًا موقف ألمانيا بقولها: "الدولة التي ارتكبت أكثر من إبادة جماعية طوال تاريخها تحاول تقويض جهود بلد ضحية الاستعمار والفصل العنصري، لحماية إبادة جماعية أخرى وقوة نووية محتلة. ألمانيا؟ هل أنت حقيقي؟ نأمل أن تتمكن من القيام بعمل أفضل".