10-أكتوبر-2016

(Getty) يد إحدى ضحايا مجزرة قاعة العزاء في صنعاء

الحديث كان عن غارتين لطيران التحالف استهدفتا صالة عزاء لأسرة الرويشان جنوب صنعاء، وهم من وجهاء قبائل "خولان الطيال" ما بين صنعاء ومأرب، وإنكار التحالف لمسؤوليته تسبب بجدل. لكن الأكثرية دانت المجزرة المروعة بما فيها وزير خارجية الحكومة الشرعية عبدالملك المخلافي، وكذلك التحالف الذي تقدم بالتعازي لأسر الضحايا، فالعزاء الذي أقيم برحيل والد وزير داخلية المليشيا جلال علي الرويشان، وقريب وزير الثقافة الأسبق والمؤيد للشرعية خالد الرويشان، حظي بحضور شخصيات مهمة محسوبة على الانقلابيين، بينهم قادة عسكريون كبار وسياسيون، لكن الغالبية كانوا محسوبين على صالح فيما لم يعترف الحوثيون بقتلى من قياداتهم.

لم يكن متوقعًا أن يدين مناهضو الانقلابيين في تعز المجزرةَ، سيما بعد أن أدت الحرب الطائفية إلى شرخ اجتماعي

الضحايا بالمئات بين قتلى وجرحى، وهناك مدنيون كثيرون قضوا في المجزرة المروعة. نشطاء كثر في المقاومة وإعلاميون وقادة رأي مناهضون للانقلابيين في تعز سبقوا في إدانة المجزرة، وهو ما لم يكن متوقعًا بعد أن أدت الحرب الطائفية للحوثيين وصالح إلى شرخ اجتماعي متعدد الاتجاهات في المجتمع اليمني ازداد معه منسوب التعصب والشماتة.

اقرأ/ي أيضًا: مذكرات من غريق في مركب "رشيد"

المجزرة صاحبتها جريمة أخلاقية أخرى كونها استهدفت تجمعًا بشريًا غفيرًا في مناسبة اجتماعية لا شأن لها بالأنشطة العسكرية. كالعادة، الحوثيون وحليفهم صالح اغتنموا الفرصة للدعاية ضد خصومهم، ضمن مشروع حشد المقاتلين إلى جبهات الموت. لكن الشواهد تقول إن المليشيات الانقلابية التي تتباكى اليوم على أخلاق الحرب وشيم الفرسان، لا تختلف جرائمها في أسلوبها ووحشيتها ولا أخلاقيتها عن هذه الجريمة.

في تعز، توقفت أغلب الأسر عن إقامة مجالس العزاء في قتلاها أو موتاها منذ قرابة 13 شهرًا، بعد أن أدّت مشاركة قيادي في المقاومة في عزاء قريب له إلى قصف الحي والحي المجاور قرابة الشهر، وفي فترة عيد الأضحى إلى مجازر بحق نساء وأطفال كانوا يتبضعون للعيد، وأمثالهم في المنازل والمحال وحتى الشوارع، وخلّفت عشرات الضحايا، بالإضافة إلى تدمير عدد من المنازل، باستثناء المنزل الذي أقيم فيه العزاء فيما يشبه الانتقام لفشلهم في إصابة الهدف.

وهذه ليست المرة الوحيدة التي لجأ فيها الحوثيون إلى قتل المدنيين بهدف الاغتيال، فقد قصف الحي نفسه بحجة اختباء رجل دين شهير فيه، وقصفت منازل أخرى بسبب حضور قيادي آخر في المقاومة مجلس عزاء لطفل! وأبيدت أسرة مكونة من 14 فردًا جميعهم نساء وأطفال بالكاتيوشا لأن قياديًا في المقاومة مر في الشارع المتاخم للمنزل ليلًا، فيما قصفت أهم أسواق المدينة وقتل العشرات في كل عملية لأن قادة في المقاومة يقيّلون في أحد الفنادق المجاورة!

الحوثيون وحليفهم صالح بارعون في التبجح وتسويق المفاهيم المقلوبة بالكيفية المناسبة لمآربهم

الحوثيون وحليفهم صالح بارعون في التبجح وتسويق المفاهيم المقلوبة بالكيفية المناسبة لمآربهم، وما دامت خطتهم لتوظيف المجزرة في الانتقام من تعز لم تجد فرصتها في التسويق، بعد إدانة معارضيهم للمجزرة وهو ما سجل تفوقًا أخلاقيًا على الانقلابيين، جعلهم يتراجعون عن تصرفاتهم الرعناء عقب المجزرة ومنها إغلاق صنعاء في وجه زوارها المنتمين إلى تعز، "وهو انتهاك بسيط مقارنة بانتهاكاتهم الانتقامية المناطقية مع كل هزيمة عسكرية أو قصف جوي".

اقرأ/ي أيضًا: روسيا تهدد الأمريكيين من سوريا

مع ذلك، لم يفوت الانقلابيون الفرصة كما توقع كثير من الحالمين، الذين اعتقدوا أن حدثًا كهذا قد يسجل نهاية الحرب مع ازدياد الضغوط الدولية لإيقافها وبدء تسوية شاملة لإنهاء الأزمة. فقد دعا صالح في خطاب متلفز القوات العسكرية التابعة له، خصوصًا تلك التي كان الرئيس هادي قد بدأ بهيكلتها قبل الانقلاب إلى الرد المزلزل على حد قوله، وطالب أنصاره بالانتقام من "العدوان السعودي"، ومثله فعل عبد الملك الحوثي الذي دعا بدوره إلى الانتقام من "اليزيديين" من الأمريكيين والصهاينة وقرن الشيطان السعودي، في فرز مذهبي مبتكر لـ"أمريكا وإسرائيل" بالتبعية ليزيد بن معاوية!

غير أن الماثل من تلك الدعوات للانتقام من مجزرة القاعة الكبرى بصنعاء، والتي اتهمت فيها السعودية التي حرض عليها صالح والحوثي كثيرًا لحشد المقاتلين بحجة الثأر؛ هو اشتداد القصف على المدنيين في تعز اليمنية ما يشرح بوضوح مستوى الابتذال الفوري الفج لدى الانقلابيين في توظيفهم لهذه المجزرة ضد سكان تعز، ويفصح عن العنّة البيولوجية والقيمية بافتقارهما للرجولة والشجاعة، في عكس عجزهم وانتهازيتهم وتوقهم لتسوية تضمن لهم الاستفراد باليمنيين دون تدخل الجوار مقابل أي ثمن يطلبه الخارج، بالقصف الجنوني على تعز ظنًا منهم أنها الجدار القصير والورقة الرابحة لتنفيذ رغبتهم بالاتفاق مع السعودية بدلًا من إثارة حنقها.

كما سيضمن لهم ذلك تركيع تعز التي لطالما كانت النقيض الطليعي لمشاريعهم المتخلفة والظلامية في الماضي والحاضر، وهو ما يجعل تناقضهم مع تعز "اليمنية" أكثر واقعية من "الرياض" السعودية التي تهدد أناشيدهم وهتافاتهم بإسقاطها ليل نهار فيما لا تسقط قذائفهم إلا على رؤوس المدنيين في تعز.

اقرأ/ي أيضًا:

فلسطينيو سوريا والمستقبل الغامض

"عاش المَعْطي".. أول رئيس مدني حَمَّال