01-مايو-2022
غرافيتي لـ بانسكي

غرافيتي لـ بانسكي

لم يكن كلب البقاع الغربي، شرق لبنان، الذي أردي بالرصاص بهدف التخلص منه، أول كلب ولن يكون آخر كلب يتم التخلص منه بهذه الطريقة.

أذكر حين كنت طفلة صغيرة، كيف كان جارنا الضخم يخرج من منزله أيام الصيف عاري الصدر وحاملًا سلاحه ليطارد كلاب الحي ويرديها. كان يبدو بطلًا ومخلصًا، يبيد هذه الكائنات بطلقة لتنتهي جثثًا متعفنة يتناوب عليها الذباب والدود أيامًا. ثقافة ليست دخيلة على مجتمعنا اللبناني، فالتخلص من الكلاب الشاردة إما عن طريق القتل أو السم أمر متعارف عليه، يطال القتل كل الحيوانات البرية التي قد تصادف الناس في مناطقهم، مثل الضباع والخنازير البرية، كذلك الطيور المهاجرة التي تمر فوق سماء البلاد أسرابًا بحثًا عن أرض أكثر دفئًا كان أهل البلاد يلاحقونها بطلقات رشاشاتهم، ويقتلونها بلا أي سبب.

كانت الطيور المهاجرة التي تمر فوق سماء لبنان أسرابًا، خلال بحثها عن أرض أكثر دفئًا، تجد أهل البلاد يلاحقونها بطلقات رشاشاتهم، ويقتلونها دون أي سبب

كنا كأطفال نتلقى عمليات القتل هذه، بشكل اعتيادي. لم يكن ليعترض أحد، بل كانت محل ترحيب. لم تسلم القطط من القتل أيضًا، كان نصيبها كبيرًا من القتل المتعمد على يد الأطفال واليافعين من ذكور الحي، الذين كانوا يلجأون إلى ربطها وخنقها أو حرقها بعد ساعات من التعذيب. قتل لا رحمة فيه على يد أطفال لم يروا من الحياة غير هذا الفعل بابا لإظهار القوة. كانت جراء الكلاب أيضًا تواجه الطريقة عينها من التعذيب والقتل. أما حفلات القتل الأشد غرابة فكانت من نصيب الصيصان حديثة الولادة حيث كان الأولاد يعمدون إلى إلى نفخها حتى تنفجر لمجرد التسلية.

لم تسلم الكائنات البحرية من هذا الأذى، ربما خفت استخدام أصابع الديناميت في عمليات صيد السمك والتي كانت تقضي على كل الكائنات في محيطها بشكل عشوائي، أضف إلى ذلك خطرها على الصيادين الذين كانوا يتعرضون للموت أو لبتر أحد أطرافهم في أحيان كثيرة.

والحال، ماذا يعني قتل كلب شارد أو كلب شارع واحد، أو حتى مجموعة كاملة من الكلاب أو القطط في بلاد تسقط فيها أرواح الناس دون حساب؟

لا شيء سوى التخلص من عدو بريء خشية توحشه. أو لأنه أصبح مصدر إزعاج بسبب عوائه.

هناك قانون في لبنان لحماية البيئة البرية والبحرية ولحماية الحيوان، لكنه قانون عاجز عن تحقيق الحماية للحيوانات التي تعيش في البيئة البرية والبحرية على حد سواء.

جاءت حادثة الكلب مصورة ومسموعة، لم أتمكن من مشاهدة الفيديو لأنني لا أرغب باعتياد ما ليس هو عادة.

تقول المرأة في مقابلة معها بأنها طالبت بإبعاد الكلب عن ساحة البلدة ولم يستجب لها أحد. تقول إنها أرادت أن تزيل سبب خوف ابنتها بعد هجوم الكلب الشرس على الطفلة. جاء سلوك المرأة طبيعيًا، إذ لطالما تم التخلص من الكلاب بالطريقة التي أقدمت عليها. كان هناك أطفال يشاهدون ما تفعله كما كنا أطفالًا نشاهد ما يفعله الآخرون بكلاب الأحياء التي كنا نعيش فيها. هل حقا زال خوف الطفلة؟ هل فعلت الأم ما فعلته بدافع تحقيق عدالة ما؟ ما دور المصور والذين شهدوا الواقعة؟ أسئلة لا حاجة للإجابة عليها. ما قامت به المرأة فعل مستمر منذ عقود ويعتبر الوسيلة الوحيدة المعتمدة للتخلص من أي حيوان يهدد سلامة وحياة الناس.

متى ينتهي القتل ومتى يسترد المجني عليه، إنسانًا أم حيوانًا كان، حقه في أن يعيش ولا تصادر حياته؟ متى يصير للقانون يد تكف عنا هذا العنف اليومي والعادي؟

يبقى ذلك الشق الإنساني الذي غاب عن الذين جعلوا قتل الكلب بهذه الطريقة غير ذي أهمية أمام جرائم تحدث هنا وهناك، آخرها مقتل أم وبناتها، وغيرها من جرائم لا مبرر لها غير الوحشية التي تغذت من انعدام القانون وموت الأخلاق. بدا مشهد المرأة قاتلة الكلب كما لو أنه حلقة تدريب للأطفال على القتل. والذين شاهدوا الفيديو سمعوا أصواتهم وهم يضحكون بينما يسمع نباح الكلب الذي استقبل الموت وهو غير مدرك لمعناه.

تبقى في الذاكرة قصة ذلك الحمار الذي شارك في الاحتجاجات دعمًا لفلسطين وقضية فلسطين. في واحدة من تلك المناسبات أُشعلت إطارات السيارات وارتفعت ألسنة الدخان الأسود لتعبر عن الغضب الفلسطيني على ما جرت العادة في مخيمات جنوب لبنان. في المبنى قيد الإنشاء المكون من طبقتين والذي اتخذته شلة صبية ويافعين من المخيم القريب من البلدة، مركزًا لهم، حملوا الإطارات إلى سطح المبنى، وأضرموا فيها النيران ثم قاموا بإلقائها إلى الأرض لتتدحرج وتكمل طريقها بين البيوت. جاؤوا بحمار وصعدوا به طبقتين ثم ألقوا به في احتفالية لا تخص المناسبة  قطعًا، لكنها تخص عادة القتل السائدة في هذا البلد لكل الكائنات.

متى ينتهي هذا القتل ومتى يسترد المجني عليه، إنسانًا أم حيوانًا كان، حقه في أن يعيش ولا تصادر حياته؟ متى يصير للقانون يد تكف عنا هذا العنف اليومي والعادي؟