28-أبريل-2022
inequality

هناك عدة أنواع من أشكال عدم المساواة تتسبب في اعتراض البشر وامتعاضهم (GETTY)

قوبل نجم الكرة العالمية محمد صلاح بهجوم عنيف عندما أعلن عن نيته، العام الماضي، وضع أحد قمصانه مع فريق ليفربول الإنجليزي في مزاد علني، على أن تذهب العوائد المالية إلى إحدى جمعيات الرفق بالحيوان في مصر. اعتبر البعض تصرف صلاح تملقًا للغرب الذي يولي حقوق الحيوان اهتمامًا  كبيرًا، واعتبره البعض الآخر انفصالًا عن الواقع وعن المجتمع والشعب المصري الذي يعيش أكثر من ثلثه تحت خط الفقر، فمن الأولى الاهتمام بقضايا البشر والتبرع بالأموال إلى جمعيات خيرية تقدم خدماتها للأيتام أو المسنين أو المرضى، أو تدفع عن الغارمين والغارمات وتنقذهم من خطر السجن، أو حتى التبرع إلى شعوب الدول العربية المجاورة التي تعاني من أزمات إنسانية ضخمة كاليمن وسوريا، أو إلى الجمعيات التي تتبنى مشاريع تنموية، أو ببساطة التبرع بتلك الأموال إلى أي عمل خيري أو نشاط له علاقة بالإنسان وليس الحيوان، انطلاقًا من مبدأ الأولويات، ولكن هل مبدأ الأولويات صحيح وما دونه غير أخلاقي؟ كأن يختار صلاح الاهتمام بقضايا حقوق الحيوان ويسقط حقوق الإنسان تمامًا من حساباته ومن أولوياته، هل يمكن أن يُلام في هذه الحالة ونتهمه بالتقاعس وبلاأخلاقية أفعاله؟

اعتبر وضع محمد صلاح قمصانه في مزاد علني تذهب عوائده لى إحدى جمعيات الرفق بالحيوان تملقًا للغرب، واعتبره البعض الآخر انفصالًا عن الواقع وعن المجتمع والشعب المصري

أصدر قسم الصحافة بجامعة أوكسفورد كتابًا في عام 2018 للفيلسوف الأمريكي تي. إم سكانلون بعنوان "Why does inequality matter"، وتُرجم إلى العربية ضمن سلسلة عالم المعرفة بعنوان "لماذا اللامساواة ضرورية؟" يستعرض سكانلون في الفصل الثاني من الكتاب فكرة في غاية الأهمية، وقد تسهّل علينا تفهم الضيق الذي يشعر به البعض عندما يرى الآخرين يهتمون بقضايا أخرى غير تلك التي تهمه فيبدأ في مهاجمتهم والتسخيف منهم والتجريح فيهم، أو عندما يجد الشخص المعوز نفسه في مرتبة أدنى من الحيوان، لأن أحدهم قرر أن يولي الحيوان أهمية أكبر من الإنسان، فيصب جام غضبه على هؤلاء الأشخاص الذين لا يعطون الأولوية للبشر، يشعر بنوع من الاضطهاد، يشعر بعدم مساواة في الاهتمام؛ ففكرة الفصل الذي أشرنا إليه هي "المساواة في الاهتمام".

هناك عدة أنواع من أشكال عدم المساواة تتسبب في اعتراض البشر وامتعاضهم، من بين هذه الأشكال التي يركز عليها الكتاب، "انتهاك المساواة في الاهتمام"، فعلى سبيل المثال، تقوم البلدية بتقديم خدمات للبعض بمستوى أعلى من الآخرين، كأن تهتم برصف الشوارع في الأحياء الغنية على نحو متكرر بينما تهمل الأحياة الفقيرة، أو تهتم بجودة الصرف الصحي في منطقة على حساب منطقة أخرى، أو تهتم بخدمات المناطق التي يسكنها أصدقاء رئيس البلدية وأصدقاء الموظفين بينما تهمل باقي المناطق، هذا الشكل من عدم المساواة في الاهتمام يدفع الناس إلى الغضب والاعتراض.

تشمل عدم المساواة في الاهتمام أيضًا أن تكون الوحدات الصحية والمدارس الحكومية في منطقة ما أكثر من غيرها، أو الجودة الصحية والتعليمية في هذه المنطقة أعلى من منطقة أخرى، أو أن تلجأ الحكومة إلى إقامة بعض المنشآت التي لن تستطيع أن تحقق فيها المساواة، مثل الحداثق العامة والأندية ومراكز الشباب والمسارح وقصور الثقافة، تلك الأماكن التي تقدم منفعة عامة للجميع لكن لا يمكن تحقيق المساواة في توزيعها الجغرافي. قد يكون أيضًا هناك حاجة لبناء منشآت حكومية تخدم جميع المواطنين، كالمقرات الإدارية، أو المصانع والشركات، وهي أماكن تقدم منفعة عامة للجميع لكنها توفر منافع إضافية للمقيمين في الأحياء المجاورة لها، كتوفير فرص عمل، وتسهيل الإجراءات الإدارية.

نرى أن وجود المنشآت العامة التي تقدم منفعة للجميع لا تعتبر شكلًا من أشكال التمييز أو عدم المساواة في الاهتمام، إلا إذا استمرت الحكومة في تمركز خدماتها في منطقة معينة دون تبرير، ففي هذه الحالة سيعكس الأمر سياسة تغليب مصالح المواطنين في هذه المنطقة على مصالح الآخرين المماثلة، وبذلك تصبح هذه الممارسة انتهاكًا لمطلب المساواة في الاهتمام.

كما أن الظرف التاريخي له عامل كبير، فيضرب سكانلون مثالًا بأنه إذا كانت المدارس في الشطر الغربي من ألمانيا اليوم أفضل تمويلًا وأفضل حالًا من المدارس الواقعة في الشطر الشرقي، فسوف يثير هذا الأمر اعتراضًا على عدم المساواة، لكن هذا الاعتراض لم يكن ممكنًا عندما كانت ألمانيا الشرقية والغربية بلدين منفصلين.

كما يرى ساكنلون أن هذا النوع من الالتزامات لا يقتصر على الحكومات فقط، بل يشمل الآباء والأمهات، فهم أيضًا لديهم التزامات بالمساواة في الاهتمام تجاه أبنائهم.

هناك عدة أنواع من أشكال عدم المساواة تتسبب في اعتراض البشر وامتعاضهم، كأن تقوم البلدية ما بتقديم خدمات للبعض بمستوى أعلى من البعض الآخر

بينما هناك رأي آخر يعبر عنه الفيلسوف الإسرائيلي جوزيف راز، الذي يعارض فكرة المبدأ المساواتي من أساسه، ويرى أنه من المستحيل توفير المنفعة للجميع على حدٍ سواء، ربما يرجع ذلك إلى عدم وجود ما يكفي منها لتوزيعه، يقول جوزيف راز أن "المبدأ المساواتي سيتسبب بعدم إعطاء المنفعة لأحد".

فكرة عدم المساواة في الاهتمام تلك ليست ببعيدة عمّا تعرض له محمد صلاح من هجوم، فالأمر أن الأشخاص الذين اعترضوا على سلوك صلاح في تبرعه لجمعيات الرفق بالحيوان، وضعوا أنفسهم في مقارنة طبقًا للمبدأ المساواتي، وأدركوا أن هناك انتهاك للمساواة في الاهتمام، فصلاح يهتم بالحيوانات ويقدم لها المساعدة، بينما هم الأحق بهذه المنفعة، وبالتالي فإن الأمر غير مرتبط بترتيب الأوليات بقدر ماهو مرتبط بالشعور بانعدام القيمة وعدم الاهتمام، كأن تطلب من أبيك شراء مبرد للهواء في المنزل في فصل الصيف، فيشتري بقيمة المبرد مثلجات ويوزعها على أطفال الحي، فينتابك شعور بأنك غير مرئي، بلا قيمة، لا أحد يهتم لأمرك.