20-فبراير-2021

انقسام أمريكي أمريكي بشأن بنود الصفقة الجديدة مع طهران (Getty)

ردت الولايات المتحدة على الاستفسارات المرتبطة بفرض إجراءات إضافية للضغط على طهران من أجل العودة للاتفاق النووي مع مجموعة الدول الست بالتأكيد على أنها لا تعتزم اتخاذ المزيد من الإجراءات اتجاه إيران، وذلك بالتزامن مع إعلان الإدارة الأمريكية الجديدة إلغاء قرار إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بخصوص إعادة فرض العقوبات الأممية على طهران.

ردت الولايات المتحدة على الاستفسارات المرتبطة بفرض إجراءات إضافية للضغط على طهران من أجل العودة للاتفاق النووي مع مجموعة الدول الست بالتأكيد على أنها لا تعتزم اتخاذ المزيد من الإجراءات اتجاه إيران

خطوتان أمريكيتان لإحياء الاتفاق النووي

في خطوتين متقاربتي التوقيت تعكسان سياسة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بما يخص إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة الدول الست، أكد القائم بأعمال السفير الأمريكي لمجلس الأمن الدولي ريتشارد ميلز على إلغاء إدارة بايدن تأكيد إدارة ترامب إعادة فرض جميع العقوبات الأممية على إيران في أيلول/سبتمبر الماضي، وهو الأمر الذي ردت عليه إيران عبر وزير خارجيتها جواد ظريف مؤكدةً عزمها "التراجع فوريًا" عن الإجراءات التي اتخذتها بشأن برنامجها النووي عند رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.

اقرأ/ي أيضًا: مناورة الجمهوريين.. التيار الترامبي يقود المحافظين إلى مواجهة داخلية

فيما كانت الخطوة الثانية من خلال المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي بإشارتها إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تتخذ "خطوات إضافية" اتجاه البرنامج النووي الإيراني قبل إجراء "حوار دبلوماسي" مع طهران، موضحةً أن الاتحاد الأوروبي اقترح إجراء محادثات تجمع إيران من طرف، ومجموعة الدول الست من طرف آخر، وهو ما يتناسق مع حديث مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي حول عملهم على "تنظيم اجتماع غير رسمي مع جميع المشاركين في الاتفاق الإيراني والولايات المتحدة".

ودخلت إيران في أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة بعد انسحاب إدارة ترامب الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني، وأعاد فرض العقوبات الأمريكية على قطاعات ومؤسسات حكومية تمثل شريان الاقتصاد الإيراني، وصفت بأنها الأقسى في تاريخ الأزمة الدبلوماسية الإيرانية – الأمريكية منذ عام 1979، وبلغت ذروتها باستهداف الطائرات المسيّرة الأمريكية موكب قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد مطلع العام الماضي.

من جهتها قابلت طهران الضغوطات الإيرانية بإعلانها استئناف عملية تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمائة متجاوزة بذلك مستوى التخصيب الذي حدده الاتفاق النووي بنسبة 3.75 بالمائة، حيثُ عملت على تخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من النقاوة الانشطارية وتركيب أجهزة طرد مركزي متقدمة لتسريع الإنتاج، فضلًا عن إقرار البرلمان الإيراني قانونًا في كانون الأول/ديسمبر الماضي، يُلزم الحكومة الإيرانية الانسحاب من الاتفاق النووي بعد شهرين من تاريخ صدوره.

وفي تصريحات تمثل تحولًا في موقف طهران من العودة لطاولة المفاوضات، كشف مسؤول إيراني عن دراسة المسؤولين الإيرانيين عرض واشنطن حول إعادة إحياء الاتفاق النووي، لكنها تشترط أولًا عودة الإدارة الأمريكية للاتفاق، مؤكدًا على أنه "ليس من عقيدة (إيران) الدفاعية امتلاك أسلحة نووية"، وفي رسالة مباشرة موجهة للولايات المتحدة طالب إدارة بايدن برفع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، و"منح الدبلوماسية فرصة ".

أدلة جديدة على أنشطة نووية إيرانية غير معلنة

التطورات الأخيرة المرتبطة بموقف إدارة بايدن من إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، جاءت بالتزامن مع التقارير التي تحدثت عن عثور الوكالة الدولية للطاقة الذرية على جزيئات يورانيوم في موقعيّن إيرانييّن غير نشطين منذ عقدين تقريبًا، ونقلت وكالة رويترز البريطانية أن دبلوماسيين أشاروا إلى أن الأدلة على الأنشطة النووية الإيرانية غير المعلنة تدل على عدم رغبة طهران التصرف بـ"حسن نية"، مضيفين بأن الوكالة ستنتهز فرصة صدور تقريرها ربع السنوي لـ"توبيخ" إيران بشأن القضية ذات الصلة.

وبحسب ما أوضح الدبلوماسيون فإن المواد عثر عليها خلال عملية التفتيش المفاجئة التي أجرتها الوكالة للموقعيّن في آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر من العام الماضي، بعد سبعة أشهر من منع الحكومة الإيرانية وصول مفتشي الوكالة الأممية إليهما، وأظهرت العينات التي حصل عليها المفتشون أن اليورانيوم الذي عثر عليه في الموقعيّن لم يتم تخصيبه، إلا أن وجودها يدل على احتوائهما لمواد وأنشطة نووية لم يتم الكشف عنها سابقًا.

وأضاف الدبلوماسيون الذين تحدثوا للوكالة البريطانية بأن طهران قدمت إجابات غير مرضية عندما واجهتها الوكالة الأممية بنتائج العينات، فقد أشارت الحكومة الإيرانية في ردها إلى أن الآثار الموجود على العينات ناتجة عن تلوث بمعدات مشعة انتقلت من موقع آخر إلى هناك، غير أن الوكالة الأممية رفضت إجابة طهران بعدما أظهرت الفحوصات عدم تتطابق الجسيمات الموجود في الموقعيّن، وفيما لا يزال غير معروف إن كان مجلس محافظي الوكالة الأممية سيتخذ إجراءات تدين طهران، فإن أحد الدبلوماسيين علق على مضمون التقرير بأن "الجميع ينتظر الأمريكيين"، في إشارة على انتظار عودة إدارة بايدن للاتفاق.

انقسام أمريكي – أمريكي بشأن بنود الصفقة الجديدة

لكن تقرير نشر أول الخميس أشار إلى وجود انقسام داخل الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض بشأن ما إذا كانت العودة إلى الاتفاق النووي قد تكون الطريقة الأمثل أم أنها ملزمة باتخاذ إجراءات أخرى، قد تكون أكثر تعقيدًا في حال قررت واشنطن عدم العودة إلى شروط الصفقة الأصلية التي وقع عليها الجانبان عندما كان بايدن نائبًا للرئيس السابق باراك أوباما في عام 2015، ووصفت حينها بأنها من أفضل الصفقات التي يمكن لواشنطن أن تحصل عليها فيما يخص البرنامج النووي الإيراني.

إذ وفقًا لما ذكر موقع بوليتيكو الأمريكي فإن مؤيدي الاتفاق في الإدارة الأمريكية لا يجدون أن هناك عجلة لعودة بايدن لشروط الاتفاق الأصلية، لكنهم يخشون من استغلال معارضي الاتفاق نهج بايدن الحذر اتجاه العودة إلى الاتفاق، بالأخص بعد تحذيرات الحكومة الإيرانية الأخيرة المرتبطة بدخول قرار البرلمان الإيراني الذي يحظر عمليات التفتيش المفاجئة لوكالة الطاقة الذرية حيز التنفيذ بحلول يوم 23 شباط/فبراير الجاري، في حال رفضت الولايات المتحدة رفع العقوبات المفروضة على إيران.

وكان مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية قد وصف دعوة الاتحاد الأوروبي لتنظيم اجتماع مع طهران بأنه "خطوة  للأمام أكثر من كونه اختراقًا أو تغييرًا نوعيًا للموقف الحالي"، وتعليقًا على ذلك يتساءل الموقع الأمريكي حول ما إذا كان هدف البيت الأبيض العودة إلى الاتفاق النووي الأصلي أم أنه يريد إبرام اتفاق جديد أوسع نطاقًا من السابق؟ قبل أن يضيف موضحًا أن الاتفاق الأوسع نطاقًا قد يشمل جوانب إضافية غير مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.

ومن ضمن ذلك يبرز خيار يجري نقاشه داخل الإدارة الأمريكية حول إذا ما كان يمكن للجانب الأمريكي والإيراني التوصل لاتفاق مؤقت يكون ممهدًا لاستعادة الثقة بينهما، إلا أن الأشخاص المطلعين على النقاشات أوضحوا للموقع الأمريكي أن الاتفاق المؤقت لن يكون بالضرورة مثل الاتفاق الأصلي، بالنظر لأنه قد يشمل منح بعض التخفيفات للعقوبات المفروضة على إيران، مثل السماح لها ببيع منتجاتها النفطية شريطة أن توقف بعض الخطوات التي اتخذتها بشأن برنامجها النووي، كما الحال مع قرار رفع نسبة تخصيب اليورانيوم لـ20 بالمائة.

ويوضح الموقع الأمريكي أن الانقسام داخل الإدارة الأمريكية حول العودة إلى الاتفاق يتمثل في هدف الفريق المؤيد بالعودة إلى الاتفاق الأصلي إذا وافقت إيران على الالتزام بشروطه، وبحسب مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية فإن هذه الخطوة لا تزال موضع نقاش، في حين يطالب الفريق الثاني بأن يكون الاتفاق الجديد أوسع نطاقًا من السابق، وفي كلا الحالتين فإن المؤكد لدى الإدارة الأمريكية وفقًا لمستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان هو احتواء البرنامج النووي الإيراني الذي يوصف بأنه من الأولويات "الحرجة والمبكرة" للإدارة الأمريكية الجديدة.

ما الخطوات التي على إدارة بايدن اتخاذها من أجل العود للاتفاق؟

يعيد الخبير الأمريكي جو سيرينسيون التذكير بأن بايدن أعرب عن رغبته خلال حملته الانتخابية العودة بسرعة إلى الاتفاق النووي إذا ما فاز بانتخابات الرئاسة الأمريكية، لكن ما حصل عكس ذلك إذ أنه لم يحرز أي تقدم يذكر بشأن الاتفاق، إضافة لموقف إدارته المتشدد الذي يطالب طهران بالعودة إلى الاتفاق النووي أولًا، وهو ما يراه الخبير الأمريكي بأنه نهج يمنح إدارة بايدن "نفوذًا" لاستخدام العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب لعرقلة عودة إدارة بايدن للاتفاق قبل أن تعمل طهران على تقديم تنازلات بشأن برنامجها النووي.

ويشير سيرينسيون في مقاله التحليلي المطول إلى أنه يسود حالة من الاعتقاد أن إدارة بايدن قد تبدو على أنها في موقف ضعيف إذا ما قررت أن تكون المبادرة في البداية، مع بروز ترجيحات من أن ذلك قد يؤدي لغضب مستشاري بايدن من الضغوطات الإيرانية، ويضاف إلى ذلك الضغوط التي يواجهها بايدن كذلك من المانحين والتيار المحافظ في الحزب الديمقراطي الذين يطالبون بفرض المزيد من العقوبات على إيران.

ويرى الخبير الأمريكي أن الوقت ليس في صالح تأخر إدارة بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي، موضحًا في هذا السياق بأنه كلما طال انتظار إعادة إحياء الاتفاق النووي مرةً أخرى زادت احتمالية نشوب حرب في المنطقة، والتي تعززها الهجمات الصاروخية التي تشنها المقاتلات الإسرائيلية على مواقع عسكرية إيرانية في سوريا، أو حتى الهجمات الصاروخية لفصائل الحشد الشعبي على المواقع العسكرية العراقية التي تضم القوات الأمريكية، وكان آخرها قبل أيام عندما استهدفت مطار أربيل الدولي بقصف صاروخي، مما أسفر عن مقتل مقاول أمريكي، وإصابة خمسة مقاولين آخرين وجندي أمريكي بجروح.

 يبرز خيار يجري نقاشه داخل الإدارة الأمريكية حول إذا ما كان يمكن للجانب الأمريكي والإيراني التوصل لاتفاق مؤقت يكون ممهدًا لاستعادة الثقة بينهما،

ويختم سيرينسيون مقاله التحليلي يالإشارة إلى أن 75 بالمائة من خبراء الشرق الأوسط الذين شاركوا في استطلاع للرأي أجرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أكدوا على أن العودة إلى الاتفاق النووي ستقلل من احتمالية حصول طهران على قنبلة نووية في العقد القادم، في حين قال اثنان بالمائة إن العودة للاتفاق قد تزيد من احتمالية حدوث ذلك، ورأى 67 بالمائة أن العودة الفورية للصفقة دون تطرق للقضايا الأخرى ستخدم مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، في حين طالب 23 بالمائة بإبرام اتفاق أوسع نطاقًا عن السابق.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 "كابوس الجمهوريين".. ساندرز رئيسًا للجنة المالية في مجلس الشيوخ