18-أبريل-2017

أحد البرامج الثقافية في الجزائر (فيسبوك)

احتكر التلفزيون الحكومي الجزائري المشهد السّمعي البصري، منذ فجر الاستقلال الوطني في عام 1962، إلى غاية مطلع العشرية الحالية، حين سمحت السلطات للجهات الخاصة بتأسيس قنوات تلفزيونية، من غير اعتمادها رسميًا، ذلك أنها تسجل برامجها في الجزائر، لكنها تبث من الخارج، وهي بهذا تعدّ مؤسساتٍ أجنبية في نظر القانون.

رغم انفتاح المشهد السمعي البصري الجزائري، لا نزال نسجل غياب قنوات فنية وثقافية، لتبقى الثقافة توابلَ ضمن البرنامج العام لأي قناة

رغم ذلك، فإن حماس نخبة من الإعلاميين ورجال الأعمال للاستثمار في هذا الباب كان كبيرًا، فظهرت عشرات القنوات ذات التوجه السياسي والديني والرياضي والاجتماعي، متفاوتة في جودة مادتها واحترافية وجوهها ونسبة استقطابها للجزائريين، الذين ظلّوا موزّعين بين القنوات الفرنسية والقنوات العربية.

اقرأ/ي أيضًا: الإعلام المرئي في الجزائر.. تجربة في صعود

أكثر هذه القنوات شهرة وتأثيرًا هي قناة النهار وقناة الشروق ذواتا التوجه الإخباري، وقناة الهدّاف الرياضية وقناة الأنيس الدينية وقناة سميرة المتخصّصة في الطبخ، مع تسجيل غياب قنوات فنية وثقافية، لتبقى الثقافة، مثلما هو عليه الحال في القنوات الحكومية، توابلَ ضمن البرنامج العام المعتمد من طرف هذه القنوات، في شكل برامج حوارية ونشرات تحاول أن تضيء على النشاطات الثقافية المقامة في البلاد.

عن هذا الواقع، يقول الكاتب والإعلامي احميدة عياشي، الذي حوّل قناة "الجزائرية تي. في" إلى قناة شبه ثقافية حين كان يتعاون معها، إنه "برغم الحديث الاستهلاكي من قبل السلطة وقادة الأحزاب السياسية عن دور الثقافة في ترقية الوعي الجماعي وتربية الذوق إلا أن الحديث عن الثقافة ظل دائمًا يتسم بالديماغوجيا والسطحية، حيث ارتبط مفهوم الثقافة بالفلكلورية، التي تجلت بشكل صارخ خلال التظاهرات التي أنفقت عليها أموالًا طائلة دون جدوى تذكر".

يعطي احميدة عياشي صاحب رواية "متاهات" أمثلة عن هذه المتاهة بالقول: "خلال السنوات الأخيرة شهدت البلاد مناسبات الجزائر وقسنطينة عاصمتا الثقافة العربية، وتلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية ومرور خمسين سنة على استقلال الجزائر، إلا أن الاهتمام بالثقافة ظل بائسًا بل ومعاديًا لروحها، ومن المفارقة أن ظهرت مثل هذه النظرة في ظل انبثاق التعددية الإعلامية والسياسية، وذلك عكس ما كان عليه الوضع في ظل الحزب الواحد، فالصحف المسماة مستقلة استغنت عن الصفحات والملاحق الثقافية الحقيقية والدولة تخلت عن مجلاتها الثقافية، وعن مكتباتها المنتشرة في أرجاء البلاد، وعن شبكات التوزيع في مجال الكتاب والفضاءات الثقافية، وتخلت عن دور السينما، وعن ترقية العمل الثقافي كخدمة عمومية".

حضور الثقافة في القنوات الجزائرية كان مرتبطًا بمبادرات الأشخاص المتورطين في الهمّ الثقافي لا برؤية عامة لذلك لم يستمر

كل هذه المعطيات، أثمرت، بحسب محدث "ألترا صوت" احميدة عياشي إنسانًا لا مباليًا بالثقافة، "وهذا الإنسان نلتقيه في مواقع المسؤولية وفي مجال صناعة القرار، ومن هنا ورثنا في فترة ما بعد الحرب التسعينية وعيًا بائسًا بالثقافة وتنكرًا لها، وهو الوضع الذي يخرج لنا أصحاب مبادرة لخلق قنوات ثقافية، سواء كان هؤلاء المبادرون من القطاع العام أو من القطاع الخاص. ويمكن إضافة عامل آخر يرتبط بسوق الإعلان، حيث لا يوجد لدينا رجال أعمال يهتمون بالاستثمار في القطاع الثقافي، لأنهم لا يمتلكون لا الزاد الثقافي ولا المنشأ أو الخلفية الثقافية؛ إنهم أثرياء لكنهم ليسوا بورجوازية لها تقاليد ونظرة وثقافة حضرية".

اقرأ/ي أيضًا: الصحف الجزائرية.. صراع البقاء

من جهته، يقول الإعلامي محمد شماني، الذي قدّم للتلفزيون الحكومي برنامجين ثقافيين، هما "ساعة ثقافة" و"ليلة الشعراء"، إن "حضور الثقافة في القنوات الحكومية والخاصّة معًا، كان مرتبطًا بمبادرات الأشخاص المتورطين في الهمّ الثقافي، لا برؤية تعي أهمية الفعل الثقافي في صناعة وعي مدني عام. لكن الفرديات في النهاية لا تصنع الفارق في الثقافة والإعلام، لأن الأمر يتطلب جهدًا ونضالًا مستمّرًين مع الجميع من أجل صناعة برامج تترك أثرًا".

هنا وجب أن أشير، يقول محمد شماني لـ"الترا صوت"، إلى سلبية تعاطي المثقف نفسه مع برامج التلفزيون الثقافية، من خلال صنع جدار ذاتي ونقد شخصي قبلي لمشاركته، وهذا راجع إلى تكرار نفس الضيوف بنفس اللغة، لكن بمجرد تغيير الضيوف ومنحهم الراحة في التعاطي مع الملفات المطروحة، يتغير كل شيء وهذا ما عشته شخصيًا، لذا أجدني أفخر بكون التلفزيون الجزائري قدم برامج ثقافية هامة جدًا، بالعربية والفرنسية والأمازيغية، وهو لا يقيّدك ما لم تقيّد نفسك.

وعن ملاحظة اقتصار تغطية الأحداث الثقافية على المشهد العاصمي، في أحيان كثيرة، يقول الصحفي ومقدم النشرة الثقافية في قناتي "الدزاير تي. في" و"الدزاير نيوز" الخاصّتين مليك سليماني إن "هناك محاولاتٍ لتغطية الحدث الثقافي الفني، لكن حال الأقسام الثقافية في الفضائيات الجزائرية من حال الأقسام الثقافية في كل الوسائل الإعلامية مكتوبة كانت أو مسموعة، دائمًا على الهامش، وهو المعطى الذي يقف في وجه متابعة الفعاليات في مختلف الولايات". ويضيف: "المراسل الوحيد الذي يكلف بمتابعة أخبار ولاية ما غالبًا ما يُوجه إلى تغطيات الأحداث السياسية والاجتماعية المحلية".

هذا الفراغ الثقافي في الواقع السمعي البصري الجزائري، خلق يتمًا صارخًا في المشهد الثقافي، بحسب نور الدين ثامر، رئيس جمعية "أفكار لتنشيط الشباب والطفولة" في محافظة تيارت، إلى الجنوب الغربي من الجزائر العاصمة، والتي بادرت بإطلاق "مقهى دار النقادي الأدبي" قبل أيام، من غير أن تحظى مبادرتها بإضاءة من هذه القنوات. يقول: "ألم ينص الدستور الجديد على الحق في الثقافة؟ لماذا إذًا لا تفرض سلطة ضبط السمعي البصري على المنابر الإعلامية الخدمة الثقافية؟ لماذا تربط الدولة منح الإشهار بالولاء للسياسة لا للثقافة والخدمة العمومية الحقيقية؟".

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر..الحكومة تهدد عشرات القنوات بالإغلاق

مقهى دار النقادي الأدبي.. انبعاث الرّوح الجزائرية