20-يوليو-2023
كاريكاتير لـ مكايل جيفتجي/ تركيا

كاريكاتير لـ مكايل جيفتجي/ تركيا

لم يكن موضوع التضامن الإنساني من الموضوعات التي تقع في دائرة الاشتغال الفلسفي لكونه يُشتق، غالبًا، من موضوعات أخرى. ولذلك، بقي مفهوم التضامن متعدد الأوجه والآثار اعتمادًا على السياق الذي ظهر فيه ضمن فروع الموضوعات الفلسفية، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ موضوع التضامن أخذ أبعادًا أخرى لا تزال تقع في منطقة الفراغ غير المبحوث فيه، كالتضامن مع الحيوانات والأشجار والأماكن التي تمثل ذاكرة البلاد وغيرها من أشكال التضامن التي يضج بها العالم الآن، مما يعطي لهذا المفهوم بذور تطوره واتساع دلالته.

لا يكاد مفهوم التضامن يخرج من عباءة نظرية العقد الاجتماعي للفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو. فحين يجد الإنسان نفسه في إطار علائقي مع الآخرين، يضطر لوضع معايير تنظّم وتحكم علاقته معهم لكونه وإياهم في مركب واحد. ومن هنا انبثق مفهوم التضامن الذي يجعل هذا المركب في أمان، فما يحصل للفرد سيحصل للجميع، وبهذه الطريقة تستمر الحياة ويكبح الإنسان شروره وصراعه مع الآخر، ويستبدل حريته الطبيعية بحريته المدنية.

لم يكن موضوع التضامن الإنساني من الموضوعات التي تقع في دائرة الاشتغال الفلسفي لكونه يُشتق غالبًا من موضوعات أخرى

يمكن كذلك أن نرى بعض جذور مفهوم التضامن في موضوع الصداقة عند أرسطو الذي يرى أنّ الصداقة تدفع الأفراد لتمني الخير لبعضهم البعض وتبادل مشاعر الحب. كما يعتبر أنّ مثل هذه الصداقة لا تتحقق إلا بين الأشخاص الخيّرين الذين يتشاركون القيم الفضيلة نفسها، ذلك أن هؤلاء الأشخاص هم وحدهم من يملكون القدرة على حب الآخر لشخصه فقط، دون النظر إلى مصلحة أو منفعة.

ونجد أن مفهوم الصداقة عند أرسطو هو ذاته عند باروخ سبينوزا، الذي تقوم الصداقة من وجهة نظره على مبدأ تمني الخير للآخرين. فالإنسان بالأحوال العادية يحب الخير ويتمناه لنفسه، ولكن ارتباطه بعلاقات صداقة مع الآخرين يوسع من نطاق تمني الخير والمنفعة، ويُخرجه من دائرة الفرد إلى الجماعة المتمثلة بالأصدقاء.

أما عند إميل دوركهايم (1858 – 1917)، فنجد أن موضوع التضامن قد تطور قليلًا بحيث أصبح عندنا التضامن "الميكانيكي" و"العضوي". وهو تقسيم أراد دوركهايم من خلاله الإجابة على سؤال: كيف يجتمع المجتمع معًا، على الرغم من أننا جميعًا لدينا اهتمامات مختلفة؟ فالتضامن الميكانيكي عند دوركهايم يكون في المجتمعات الصغيرة التي تكون على درجة عالية من الالتزام الديني، وتكون الوظائف والمسؤوليات في هذه المجتمعات متشابهة، بمعنى أنها مجتمعات خالية من التعقيد تنخفض فيها نسبة تقسيم العمل مع وجود هامش من المشاعر والمسؤوليات المشتركة.

في حين أنّ المجتمعات التي تتميز بالتضامن العضوي، والتي تتسم بكونها أكثر علمانية وفردية، وتختلف فيها المسؤوليات والوظائف؛ يأخذ التضامن فيها مكانه عن طريق تقسيم العمل والاعتماد المتبادل بين الناس. وهكذا نجد أنّ التضامن الاجتماعي عند دوركهايم جوهره المصلحة وتبادل المنفعة، الأمر الذي يجعل الضمير الاجتماعي أضعف لأنه تضامن ليس بداعي التماثل وإنما بداعي الاعتماد المتبادل.

ومع حنة أرندت (1906 – 1975)، يمكن أن نلمس موضوع التضامن من خلال تنظيرها لمفهوم المواطنة، الذي تقوم بإعادة بنائه من خلال ما يُعرف بالمجال العام والقوة السياسية والهوية الجمعية. فبحسب أرندت، يشتمل المجال العام على بعدين؛ يتمثل الأول في فضاء الظهور الذي يتسم بالحرية والمساواة ويتصرف فيه أعضاء المجتمع بشكل منسجم من خلال التعبير والإقناع.

أما البعد الثاني، فيتمثل في عالم مشترك وعام تتوفر فيه إرادة وطنية، ومؤسسات، وهيئات تفصلنا عن عالم الطبيعة. وعليه، فإن إعادة تنشيط المواطنة في العالم الحديث يعتمد بالدرجة الأساس على خلق عالم مشترك وفضاءات للظهور تمكّن الأفراد من كشف هوياتهم وإنشاء علاقات تبادلية وتضامنية.

تُعد المشاركة السياسية وملأ الفضاء من الأمور المهمة عند أرندت إذًا، ذلك أنها تُتيح للمواطنين أن يلتقوا مع بعضهم البعض، وأن يتبادلوا الآراء وإطفاء الخلافات والبحث عن حل جماعي لمشاكلهم. ما يعني أن التضامن عند أرندت يستمد حضوره من المشاركة السياسية في عالم يذوّب الخلافات، وينمّي الهم المشترك في سبيل الخلاص.

في المقابل، يرفض الفيلسوف الأمريكي ريتشارد رورتي (1931 – 2007) كل أُسس التضامن القائمة على تبادل المنفعة والتي تدور في حلقات ضيقة، كما يصف هذه الأُسس بأنها فاشلة لا تستطيع اكتشاف أُسس موحدة لطريقتها في الحياة، فهي تغط بحسب وصفه في سبات عميق.

كان طرح رورتي للتضامن تقدمًا أخلاقيًا في اتجاه التضامن الإنساني الأكبر، لكن ليس على أُسس جوهرية مشتركة في كل الكائنات البشرية، إذ ينظر إليها رورتي كقابلية لرؤية أنّ الاختلافات التقليدية مثل القبيلة والدين والعرق والتقاليد وما شابه ذلك، هي اختلافات غير مهمّة متى قُورنت مع التشابهات بين البشر، مثل احترام الألم ونبذ القسوة. بل هي قدرة على التفكير بالناس على اختلاف شاسع عن ذواتنا وكما هو مدرج في مجموعة (نحن)، وأن هذه الأوصاف التفضيلية للاختلافات التي تخصّ نبذ الألم والاضطهاد والإذلال، هي مساهمات ثقافية أولية حديثة للتقدم الأخلاقي.

لا يبدو اختلاف البشر الديني والعرقي والقبلي أمرًا مهمًا حين يُقارن مع الأمور الكثيرة المشتركة بينهم، ومنها الألم

وهكذا نجد أنّ رورتي يقدم مفهومه عن التضامن بديلًا عن الانسجام الكوني الذي غاب معناه في الفلسفة، كما أنه يطرحه بديلًا أخلاقيًا وسياسيًا للموضوعية وللطبيعة الإنسانية المشتركة التي قادت، من وجهة نظره، إلى أنظمة شمولية وأيديولوجيات سحقت عجلاتها رأس الانسان. ومن هنا يرى رورتي أنّ هذا التضامن يحققه المجتمع الديمقراطي، الذي يرفض النظر إلى بعض الكائنات البشرية على أنهم "سادة الطبيعة" والآخرين "عبيد". أو أن بعض الناس أخيارًا والبعض الآخر برابرة لا يمكن إصلاحهم.

هذا الاشتغال الفلسفي في فهم التضامن نجد صداه عند الروائي الفرنسي – التشيكي ميلان كونديرا الذي غادر عالمنا قبل أيام، إذ يقول في إحدى رواياته: "إن الألم يوحّد الكائنات الحيّة كلها، فهو اللّغة السرية للوجود، ذلك أن ألم الإنسان هو ذاته ألم القطة".

وعلى الرغم من كتابات الفلاسفة وعلماء الاجتماع حول موضوع التضامن، فإنه يبقى مفهومًا يطفو فوق سطح اللغة، خصوصًا أن هناك أشكالًا أخرى للتضامن لم يُبحث فيها بعد بالشكل الذي يمكّن الإنسان من الإجابة على سؤال: لمَ أتضامن؟

التضامن سينمائيًا ودراميًا

تُعلّمنا السينما والدراما دروسًا تطبيقية عن معنى التضامن الإنساني، تمامًا كما لو أن النصوص الفلسفية حول هذا الموضوع تنزل من عليائها لتتجسد في الشاشات.

في فيلم "الشاي مع موسوليني" للمخرج فرانكو زفيريللي، نجد شكلين للتضامن الإنساني الذي يؤدي إلى إنقاذ الآخر من الموت المحتم. ففي المشهد الأخير من الفيلم، يأمر أحد الضباط النازيين جنوده بتدمير أبراج "سان جيمنيانو" وسط جو من الارتباك والتوتر، الذي لم يمنعهم من تنفيذ أوامره والبدء في توصيل الأسلاك بعبوات الديناميات التي زُرعت عند مدخل الأبراج.

وأثناء ذلك، تظهر إحدى شخصيات الفيلم وتقوم بلف جسدها بأسلاك الديناميت محاولةً عرقلة التفجير حتى لو تشظى جسدها مع طابوق البرج. ورغم تهديد الضابط لها وتصويب مسدسه نحو صدرها، إلا أنها كانت تحمل من الإصرار ما يكفي لتبقى مكانها.

يتجسد التضامن في هذا الفيلم بانضمام مجموعة من النساء الأخريات لمساندة تلك المرأة. وقبل أن يُطلِق الضابط الألماني رصاصته نحو صدرها، وقبل أن يُباشر جنوده بنسف الأبراج، يدخل الجيش البريطاني إلى القرية فينسحب الضابط النازي وجنوده وهم يجرون أذيال الخيبة والذل وسط هتافات وترحيب السكان بإنقاذ معلم من معالم مدينتهم يمثّل تاريخًا كاد أن يتذرى مع الرياح. هكذا أنقذ التضامن في هذا الفيلم التاريخ وحياة السيدة التي كانت على مشارف الموت.

الشكل الآخر من التضامن في هذا الفيلم يتمثل في تجاوز موضوع الهوية ومشاركة الهم الإنساني. فبعد وضع النساء الإنكليزيات في الإقامة الجبرية في إيطاليا، وسعيهن المستمر للحفاظ على هويتهن وثقافتهن بعد أن كن متعاطفات مع موسوليني، تقوم سيدة أمريكية ثرية بزيارتهن للاطمئنان على أحوالهن، فيتصرفن حينها بطريقة تُشعر المرأة بأنه غير مرحب بها حتى بعد أن تم وضعها في الإقامة الجبرية بعد انضمام الولايات المتحدة إلى الحرب. لكن روح التضامن والتعاطف توقدت في صدور النساء الإنكليزيات بعد أن حكت لهن السيدة الأمريكية قصة حبيبها الإيطالي الذي استولى على ثروتها، فتقوم السيدات بتوحيد جهودهن للانتقام منه واسترجاع حقها.

وفي فيلم "V For Vendetta" (2006) للمخرج جيمس ماكتيغ، نجد تضامنًا يمتد لأربعمائة عام. يبدأ الفيلم بهذه العبارة: "أتذكر.. أتذكر الخامس من نوفمبر، مؤامرة البارود والمكيدة". وهكذا يبقى فعل التذكر الثيمة الأساسية للفيلم. التذكر الذي يضمر خلفه وجود ثأر لأرواح أُزهقت ظلمًا. والتذكر هنا يُعتبر وقود حركة الشعوب التي يذكي فيها روح التمرد. يقول ميلان كونديرا: "إنّ كفاح الإنسان ضد السلطة هو في جوهره السعي لنشر الحقائق وتوثيقها كي لا تُنسى".

تعود مؤامرة البارود لعام 1605. فبعد أن أصبح جيمس الأول ملكًا، قام بتشريع قوانين تسمح باضطهاد الكاثوليك، الأمر الذي دفع مجموعة من الشباب إلى التخطيط للاستيلاء على مقاليد الحكم عن طريق تدمير مبنى البرلمان بالكامل. وعلى إثر ذلك، قاموا بإدخال براميل البارود في سراديب البرلمان، واستعدوا في 5 نوفمبر 1605، عندما اجتمع الملك واللوردات والأعيان في البرلمان. لكن المؤامرة اكتُشفت عن طريق الخيانة، وتم القبض على الثوار وإعدامهم.

في هذا الفيلم، نحن أمام تضامن يمتد لأربعمائة عام. فبطله "V" يرتدي القناع نفسه الذي كان يرتديه "جاي فوكس" الذي كان مسؤولًا عن إشعال البراميل داخل البرلمان. هكذا نجد "V" في سعي مستمر لتذكير الشعب البريطاني بهذه الحادثة في ظل وجود حكومة ترعى الظلم والمؤامرات، وتريد أن تمحوا تلك الحادثة من أذهان الناس. إذًا هي لعبة التذكر، والنسيان لعبة الثورة واللامبالاة وتحرير الذاكرة المقموعة من أصفاد النظام السياسي.

يقوم التضامن العابر للحدود والهوية والعرق والدين على احترام الألم ونبذ القسوة

لموضوع التضامن في هذا الفيلم وجهان: تضامن "V" مع أبطال مؤامرة البارود، وتضامن الشعب مع "V" الذي أنعش عن طريقهم قلب الثورة على الظلم، التي تأخذ خطًا سهميًا لا يوقفه شيء غير تحقيق العدالة، فهو تضامن مع الذاكرة والفكرة والروح. واللافت في هذا السياق تعرض "V" لإطلاق نار كثيف من مكان قريب دون أن يموت. وحين يُسأل عن سبب ذلك، يقول: "تحت هذا القناع فكرة، والأفكار لا يقتلها الرصاص". وحينما تُسأل "إيفي" عن هوية "V" تُجيب: "لقد كنا جميعًا".

ينتهي الفيلم بتفجير البرلمان وسط فوضى عارمة وموسيقى بتاريخ 5 نوفمبر، ثم يخرج الناس إلى الشوارع وهم يرتدون قناع "V"، فيما يعجز رجال الأمن عن التعامل معهم، ففكرة البطل تسربت إلى مسامات الجسد الاجتماعي وأصبحت في كل مكان، ولذلك لن يستطيعوا فعل شيء غير رفع رؤوسهم إلى الأعلى وهم ويشاهدون بناية البرلمان وقد أكلتها النيران.

ولا يذهب وضع التضامن بعيدًا في فيلم "Snowden" (2016) للمخرج أوليفر ستون، إذ سنكون أمام نموذج آخر يجسده بطل الفيلم "إدوارد سنودن"، الذي يعمل في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، لكنه سرعان ما ينقلب عليها ويكشف أسرارها التي تُبيّن دور الحكومة الأمريكية في انتهاك خصوصية مواطنيها دون أمر قضائي.

انقلب سنودن على الوكالة بعد اكتشافه بأنه وزوجته قد وقعا في شباك المراقبة، الأمر الذي دفعه لمغادرة البلاد. ومن محل إقامته الجديد، يعترف بدوره بكشف الأسرار ويُبدي استعداده لمحاكمة عادلة. ورغم ذلك، يعبّر سنودن عن فخره بما فعله لأجل إيقاظ الشعب وحثّه على محاسبة الحكومة التي تتجسس على الناس حتى في غرف نومهم.

وفي نهاية الفيلم، تحصل عملية تضامن معه من خلال ارتداء قناع يمثل شخصيته في احتجاجات كبيرة انطلقت في الولايات المتحدة وبعض دول العالم.

أما في مسلسل "La Casa De Papel" (2017)، فنحن أمام ثلاثة أشكال من التضامن: تضامن الآخرين مع البروفسور ليصبحوا جسدًا واحدًا في مواجهة النظام، وتضامن الشعب معهم عبر ارتداء قناع الرسام السريالي سلفادور دالي والبدلة الحمراء التي تُميّز فريق البروفسور، والتضامن العالمي أخيرًا. فعندما تسأل طوكيو البروفسور عما حققاه، يعرض لها على الشاشة صورًا لاحتجاجات في دول مختلفة تضامنًا معهم.

يقول لها حينها: "لن تسيروا وحدكم أبدًا، إننا ألهمنا الكثير من الناس ليناضلوا معنا". وبهذه الطريقة، ينجو هو وفريقه في كل مرة وتعود الحياة إلى أفكارهم وصولًا إلى تحقيقها.

في فيلم "Joker" (2019) للمخرج تود فيليبس، سنكون أمام أوضح أشكال التضامن، حيث سنجد الممثل الكوميدي الفاشل "آرثر" وقد أغلقت الحياة أبوابها في وجهه ليصبح منبوذًا اجتماعيًا، ومادة للسخرية والضحك والتعنيف من قبل الآخرين، الأمر الذي يقلص خياراته في عيش يومه ويدفعه إلى ممارسة العنف وإثارة الفوضى كرد فعل على مجتمع طبقي ونظام سياسي لا يكترث للموتى والمشردين على الأرصفة، لكن تقوم قيامته إن مس الضرر أحد أبناء الطبقة العليا.

يقول آرثر في واحد من أجمل حوارات الفيلم: "إذا كنت أنا ميتًا على الرصيف فستمرون وكأنكم لم تشاهدوني، وأمر من أمامكم كل يوم ولا تلاحظوني.. لا أحد يفكر في أن يكون مكان الشخص الآخر".

أصبح آرثر بعد عمليات الانتقام والدفاع عن النفس التي قام بها مطلوبًا للشرطة، الأمر الذي دفع أبناء مدينته التي تتسم بالتفاوت الطبقي وانتشار الجريمة والبطالة للنزول إلى الشارع، وارتداء قناع المهرج الذي يرتديه آرثر. وأثناء مطاردته من قبل الشرطة، يدخل آرثر في قطار مليء بالمحتجين ويضيع وجهه وسط زحمة الأقنعة، الأمر الذي دفع رجال الشرطة إلى إطلاق النار بشكل هستيري في الوقت الذي استطاع فيه آرثر الهرب والنجاة.

نجد صدى الاشتغال الفلسفي في فهم التضامن عند ميلان كونديرا الذي يقول في إحدى رواياته: "إن الألم يوحّد الكائنات الحيّة كلها"

وفي نهاية الفيلم، يظهر آرثر قائدًا للجموع المهمشة التي تضامنت معه وأدركت أن صوتها لا يُسمع إلا بإثارة الفوضى وإطلاق الرصاص ومشاركة الألم، الأمر الذي يجعل آرثر يلطخ وجهه بالدم ويبتسم ويرقص على هتافات الحشود التي ثأرت لكرامتها المهدورة.

من يشاهد هذه الأعمال السينمائية يجد أنها تشترك في عدة خصائص، فالقناع الذي يرتديه البطل هو رمز الفكرة التي تخشاها السلطة وتكافح انتشارها مهما كانت النتائج. وتضامنك مع الفكرة لكونها تزعج السلطة، حتى وإن لم تكن مقتنعًا بها، لا يستبطن العبودية أو الدوغمائية بل موقفًا أخلاقيًا قد ينقذ أحدهم من الموت المحتم.

وتتمثل الخصوصية الأخرى في فكرة أن التضامن ينقذ البطل والجماعة التي تضامنت معه أيضًا في آن واحد، على العكس من التضامن العاطفي والبكائي الذي هو بمثابة تلويحة لرجال السلطة مفادها أن اقتلوا هذا الذي يغرد خارج سرب الجموع. أما الخصوصية الأخيرة، فتكمن في أن التضامن الذي يكون عابرًا للحدود والهوية والعرق والدين، يتفق مع قراءة الفيلسوف ريتشارد رورتي لكونه يقوم على احترام الألم ونبذ القسوة.