09-ديسمبر-2016

استعارة من لوحة غويا لـ فيلما فارغاس/ الإكوادور

تندلع الاحتجاجات لتعترض على سياسات السلطة الحاكمة، وتعمل على إسقاطها، لكن سوء حساباتها يجعلها تشارك في تسليم زمام المبادرة إلى قوى وتحالفات أكثر استبدادًا وفسادًا، ومع بداية تمكنهم من مقاليد الحكم يمارسون القمع وانتهاك الحريات ضد الجميع، بما فيهم من كانوا سببًا في وصولهم للسلطة، وتدخل الجماهير في مرحلة هزيمة المعنويات، وربما تكون فائدة هذه الأحداث أنها تؤكد على أن من خلال التجربة ستتمكن الجماهير من اكتشاف حقيقة الدعاية الكاذبة التي يروجها مناهضي التغيير والثورة، وتتغلب على شكوكها وتذبذبها في الكثير من القضايا التي لم تحسمها من قبل.

دائمًا يتم استغلال الغضب الشعبي لتمرير أهداف وممارسات تتنافى مع ما كان يطالب به المتظاهرون!

وإذا عدنا لما حدث سابقا في الإكوادور عام 2000، ثم ماحدث في مصر عام 2013، سنكون أمام وقائع متشابهة تلتقي في نقطة أساسية، وهي كيف تم استغلال الغضب الشعبي لتمرير أهداف وممارسات تتنافى مع ما كان يطالب به المتظاهرون.

اقرأ/ي أيضًا: "حالة الاستثناء".. نظرية في القانون والديمقراطية

شهدت الإكوادور عام 2000 غضبًا شعبيًا كبيرًا أجبر الرئيس على التخلي عن منصبه، بعد استمرار المظاهرات الحاشدة التي ضمت الآلاف، في ذلك الوقت تعهد "الكولونيل" لوتشو غوتيريز ومعه الجيش بعدم إطلاق الرصاص على المتظاهرين، ليقدم "غوتيريز" نفسه للجماهير أنه حليف لهم يرفض ما يرفضوه من سياسات النيوليبرالية والتبعية لأمريكا، ويدعي أن هدفه محاربة الفساد وتحقيق حياة أفضل للشعب، ليخوض الانتخابات الرئاسية عام 2002 مدعومًا من بعض القوى السياسية والشعبية بعدما نجح في خداعهم، ثم يخلع القناع عن وجهه بعد 3 أشهر من فوزه بمنصب الرئيس ليتخلى عن وعوده السابقة، ويستمر في تطبيق نفس السياسات الاقتصادية ويكثف الروابط مع أمريكا.

بعد مرور 3 سنوات على حكمه، وتنفيذه لشروط صندوق النقد الدولي، واعتماده على الممارسات الاستبدادية القمعية كإعلان حالة الطوارئ، خرجت الجماهير للتظاهر ضده في 13 نيسان/أبريل 2005 وبعد أسبوع من المظاهرات الحاشدة، اجتمع البرلمان لسحب الثقة منه وقيادات الجيش أيضًا أعلنوا عن سحب دعمهم له.

في 30 حزيران/يونيو 2013، يحدث في مصر سيناريو مماثل لما حدث في الإكوادور، فالغضب الشعبي كان يتصاعد في ظل سلطة تتصرف باستهانة غير مقبولة تجاه المتظاهرين، من الجهة الأخرى خطط "أعداء الثورة" جيدًا للاستفادة من الحراك الشعبي الذي يتصف بالعفوية، ويفتقد للرؤى السياسية الواضحة التي تمكنه من الحفاظ على مكتسبات "ثورة 25 يناير"، ليثق قطاع من الجماهير في وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي الذي كان يتحدث بعبارات ديماغوغية لاستمالة الجماهير نحوه، ليستغل هو وحلفائه هذه الحالة وينجحوا في عملية الاستيلاء على السلطة.

التغيير للأفضل لا يحدث بمجرد تظاهرات تندلع ليذهب المتظاهرون بعدها سريعًا إلى حال سبيلهم

اقرأ/ي أيضًا: الجفاء بين الكاميرا وبيروت القديمة

الدروس المستفادة من ماحدث في الإكوادور، ثم مصر بعد ذلك، أن التغيير للأفضل لا يحدث بمجرد تظاهرات تندلع ليذهب المتظاهرون بعدها سريعًا إلى حال سبيلهم، بعد تصديقهم لسلة من الوعود التي لا يتم الوفاء بها بعد لك، حتى لا تضيع جهودهم عليهم التمسك بالحفاظ على استمرارية "حراكهم" وتنظيم صفوفهم وعدم الاستماع للشعارات الزائفة التي يتم ترويجها لكبح نضالهم.

ولعل ما حدث في الإكوادور من حراك شعبي استطاع أن يعود من جديد للتصدي للكولونيل غوتيريز، ثم إسقاطه يؤكد أن الجماهير لا تعرف المستحيل، وأنها قادرة دائمًا على هزيمة الدكتاتورية، وتكشف ضعف حجج الذين يقولون من المستحيل عودة الحراك الشعبي بقوة في مصر من جديد، وعدم وجود قدرة للوقوف في وجه السلطة الحالية، مع التنبيه أن إذا كانت القوى الثورية في الوقت الحالي ضعيفة من الناحية التنظيمية لكن يجب عليها أن تكون حريصة على قوتها من ناحية الأفكار والمعنويات، وهنا أرى ضرورة التذكير بنصيحة الكاتب البريطاني والمفكر الثوري آلان وودز للشعب المصري: "النضال من أجل الديمقراطية في مصر فقط عندما تصمم الجماهير على خوض الصراع حتى النهاية، وسوف يواجه الجماهير أعداء أقوياء، يصرون على الحفاظ على السلطة بأيدي أقلية مستفيدة، وعلى الجماهير أن تخوض الصراع بقوة من أجل تجريد أعدائها ونزعهم من السلطة ودفعهم للخضوع لقرار الأغلبية بالتغيير".

اقرأ/ي أيضًا:

الجفاء بين الكاميرا وبيروت القديمة

لماذا لن تنتهي "داعش" بعد الموصل؟