06-أكتوبر-2019

خرجت احتجاجات الإكوادور ضد رفع الدعم عن الوقود (الغارديان)

تشهد الإكوادور موجًة واسعة من الاحتجاجات الشعبية على خلفية إعلان الحكومة الإكوادورية رفع أسعار الوقود في عموم البلاد، بعد إلغاء الدعم الحكومي على الوقود، في الوقت الذي تعاني البلاد شحًا في السيولة المالية نظرًا لاتساع العجز المالي، وتراكم الدين الخارجي الضخم عليها، ما دفعها لإعلان انسحابها من منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) بدءًا من مطلع العام القادم.

اندلعت الاحتجاجات الشعبية في الإكوادور يوم الخميس بعد سريان مفعول قرار إلغاء الإعانات الحكومية للوقود التي جرى تقديمها منذ نحو 40 عامًا

الإكوادور تعلن حالة الطوارئ لـ60 يومًا

اندلعت الاحتجاجات الشعبية في الإكوادور يوم الخميس بعد سريان مفعول قرار إلغاء الإعانات الحكومية للوقود التي جرى تقديمها منذ نحو 40 عامًا، وبدأت الاحتجاجات في العاصمة كيتو، ومدينة غواياكيل أكبر مدن الإكوادور المطلة على المحيط الهادئ، بعدما قام سائقو سيارات الأجرة والحافلات والشاحنات بإغلاق الشوارع بالحجارة والإطارات المشتعلة، قبل أن تتوسع رقعة الاحتجاجات بانضمام المجموعات النقابية، وطلاب الجامعات، والسكان الأصليين.

اقرأ/ي أيضًا: عودة الحرب الباردة.. في الشرق الأوسط وفنزويلا أيضًا!

ونقلت وكالة رويترز عن الحكومة الإكوادورية الجمعة أن الاحتجاجات الشعبية تسببت بحالة من الشلل الكبرى لليوم الثاني على التوالي، وأضافت أن الحكومة ألقت القبض على 370 شخصًا شاركوا بالاحتجاجات بسبب أحداث العنف، وقام الطلاب في العاصمة كيتو برشق قوات مكافحة الشغب بالحجارة، بعد استخدامهم الغاز المسيل للدموع لمنع مئات المحتجين من الوصول إلى قصر الرئاسة.

وتقول وزارة الداخلية إن 28 فردًا من قوات الشرطة أصيبوا في الاشتباكات التي دارت خلال الاحتجاجات بين الطلاب وقوات مكافحة الشغب، بينما أشارت تقارير أخرى إلى أن قوات الشرطة هاجمت الصحفيين الذين كانوا يقومون بتغطية الاحتجاجات، وتعرض عدد منهم للإصابات بعدما قامت الشرطة بالتعرّض لهم بالضرب.

وأعلن الرئيس الإكوادوري لينين مورينو في كلمة مسجلة الجمعة فرض حالة الطوارئ في أرجاء البلاد "بهدف حماية النظام والهدوء وأمن المواطنين والسيطرة على هؤلاء الذين يحاولون بث الفوضى"، وقالت الحكومة إن حالة الطوارئ ستستمر لـ60 يومًا، ومن الممكن تمديدها لفترة 30 يومًا أخرى، فيما قال المتحدث باسم نقابات عمال النقل أبيل جوميز، في وقت لاحق، إن النقابات وافقت على تعليق الاحتجاجات.

وأدانت منظمة العفو الدولية استخدام الحكومة الإكوادورية العنف المفرط في قمعها للاحتجاجات الشعبية الأكبر منذ عام 1999، وقالت مديرة المنظمة في الأمريكيتين إريكا جيفارا روساس إن نشر قوات مكافحة الشغب للسيطرة على المظاهرة يزيد من مخاطر انتهاكات حقوق الإنسان، ودعت الحكومة الإكوادورية لفتح تحقيق بشكل فوري، بعد استخدام الشرطة العنف المفرط في قمع الاحتجاجات، وتنفيذها عمليات اعتقالات تعسفية طالت المحتجين.

أسباب إلغاء الدعم الحكومي للوقود

تبلغ قيمة إلغاء الدعم الحكومي على الوقود 1.3 مليار دولار أمريكي، واعتبارًا من يوم الخميس الماضي ارتفعت أسعار الوقود في البلاد بنسبة 120 بالمائة، فقد ارتفع سعر ليتر الديزل من 1.03 دولار أمريكي إلى 2.30 دولار أمريكي، فيما ارتفع سعر ليتر البنزين العادي من 1.85 دولار أمريكي إلى 2.40 دولار أمريكي، وتسعى الإكوادور من خلال هذا الإجراء للحصول على قروض من صندوق النقد الدولي لتسديد ديونها الخارجية.

ويرى الخبراء أن مورينو من خلال استهدافه إلغاء الدعم الحكومي للوقود عوضًا عن رفع قيمة الضريبة المضافة، يكون حصل على دعم النخبة الاقتصادية في الإكوادور، وتقول الحكومة وفقًا لتقاريرها إن الدعم الحكومي المقدم للوقود كلف البلاد قرابة 60 مليار دولار منذ سبعينات القرن الماضي بعد تعاقب الديكتاتوريات العسكرية على الحكم.

وتأمل الحكومة الإكوادورية من خلال إلغاء الدعم على الوقود، فضلًا عن الإصلاحات الضريبية التي تقوم بها بتوفير 2.27 مليار دولار في العام الواحد، كما أنها تسعى لخفض العجز المالي من 3.6 مليار دولار خلال العام الجاري إلى أقل من مليار دولار في العام القادم.

وتعاني الإكوادور من عجز كبير بالموازنة وعبء ثقيل من الديون الخارجية، ما دفعها للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في شباط/فبراير الماضي للحصول على قرض بقيمة 4.2 مليار دولار، أتاح لها تلقي شريحة فورية حجمها 652 مليون دولار، وفتح الباب أمامها للحصول على قروض أخرى بنحو ستة مليارات دولار من مؤسسات دولية أخرى.

وكانت وزارة الطاقة الإكوادورية قد أعلنت في تموز/يوليو الماضي أن الإكوادور ستنسحب من منظمة أوبك اعتبارًا من كانون الثاني/يناير من العام القادم بسبب مشاكلها المالية، وانضمت الإكوادور للمرة الأولى للمنظمة في 1974، لتنسحب منها عام 1992، قبل أن تعود وتنضم إليها مع وصول الرئيس الأسبق رفائيل كوريا في عام 2007.

الإكوادور.. تاريخ من الاضطرابات السياسية

تملك الإكوادور تاريخًا طويلًا من عدم الاستقرار السياسي، فقد أطاحت الاحتجاجات الشعبية الناجمة عن الاضطرابات الاقتصادية التي شهدتها ما بين عامي 1996 – 2007 بثلاثة رؤساء، قبل أن تشهد استقرارًا سياسيًا مع وصول كوريا للسلطة الذي تبنى نهجًا يساريًا من خلال تحالفه مع الرئيس الفنزويلي الأسبق هوغو تشافير، وإلغائه الاتفاقيات السياسية التي كانت موقعة مع الولايات المتحدة.

إذ أطيح بالرئيس المنتخب عبد الله بوكرم في 1997 من قبل المؤتمر الوطني الإكوادوري بسبب عدم أهليته للمنصب بعد اختلاسه الملايين من الأموال العامة، وتولت مهام الرئاسة لفترة وجيزة حينها نائبته روساليا أرتيغا، وعيّن بعدها رئيسًا مؤقتًا فابيان ألاركون الذي دعى بدوره لإجراء انتخابات مبكرة، وبعد إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة وصل للسلطة جميل معوض في عام 1998، بالتزامن مع الأزمة المالية التي كانت تعصف بالإكوادور بين عامي 1998 – 1999.

فقد كانت البلاد تعيش حالًة من عدم الاستقرار السياسي نجم عنها أزمات مصرفية مشتركة، وديون سيادية، فضلًا عن أزمة في تأمين فرص العمل، وأدى ارتفاع نسبة التضخم لاعتماد معوض الدولار كعملة وطنية، الأمر الذي زاد من حدة احتجاجات شعبية واسعة، مما أدى لتنفيذ انقلاب على معوض من قبل العقيد في القوات المسلحة لوسيو جوتيريز، وتولى مهام الرئاسة بدلًا عنه نائبه غوستافو نوبوا حتى منتصف كانون الثاني/يناير 2003.

وفي الانتخابات التي أجريت في العام عينه فاز لوسيو غوتيريز بالانتخابات الرئاسية، لكنه لم يستمر بمنصبه سوى عامين بعد أن تم عزله من قبل المؤتمر الوطني، نتيجة الاحتجاجات الشعبية التي خرجت ضده بسبب إسقاط تهم الفساد عن الرئيس السابق بوكرم، وحل المحكمة العليا في البلاد، ما دفعه للهرب إلى البرازيل لطلب اللجوء السياسي، وتولى مهام الرئاسة حينها ألفريدو بالاسيوس حتى عام 2007.

خيارات مورينو مع واشنطن

اتسمت الفترة التي حكم بها رفائيل كوريا الإكوادور 2007 – 2017 بنهج عدائي للمعسكر الأمريكي مقابل التقارب مع حكومة الرئيس الاشتراكي تشافيز في فنزويلا، رافقها استقرار سياسي في منصب الرئاسة، وبدأ عهد كوريا بإعلانه تخلف بلاده عن سداد الديون الخارجية المقدرة بمليارات الدولارات بحجة أنها "غير مشروعة"، ثم رفض تمديد استخدام القوات الأمريكية لقاعدة مانتا الجوية المطلة على المحيط الهادئ، والتي كانت تستخدمها لمراقبة رحلات تهريب المخدرات، وفرض قانونًا جديدًا يسمح للدولة بالسيطرة على إنتاج النفط والغاز 100 بالمائة.

وكاد نهج كوريا العدائي للولايات المتحدة أن يكلفه منصبه في عام 2010 حين تعرض لمحاولة انقلاب قبل أن تدخل قوات النخبة لإنقاذه، رد عليها بعد عام بتغريم شركة شيفرون الأمريكية العملاقة بمبلغ 5.3 مليار إسترليني بحجة تلويثها غابات الأمازون، وألحقها بطرد السفير الأمريكي بعد تسريب موقع ويكيليكس لوثائق تشير لفساد مزعوم في قوات الشرطة.

ومع وصول لينين مورينو للرئاسة في عام 2017 بدأت الإكوادور تدريجيًا تعود لـ"الحظيرة الأمريكية"، وتبلورت جيدًا معالم هذه العودة بزيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس للعاصمة كيتو، تبعها إعلان الإكوادور انسحابها من معاهدة ألبا المعروفة بـ "التحالف البوليفاري لشعوبنا الأمريكية"، بسبب الصدام مع فنزويلا على خلفية قدوم المهاجرين من الجارة المنكوبة، ويرى محللون أن مورينو باعتماده على سياسة التعاون مع الغرب لمنع التغلغل الفنزويلي السياسي في البلاد يجعله يبدو مثل ميخائيل غورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفييتي.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعرف عن المعتقلات الأمريكية السرية في المحيط الهادئ؟

كما أن مورينو منذ استلامه مقاليد الحكم عمل على اتخاذ سلسلة من الإجراءات مدعومًا من النخبة الاقتصادية في البلاد، كان من ضمنها إلغاء القوانين التي أُقرت في عهد كوريا الداعمة للطبقات الفقيرة، واستبدلها بسياسات اقتصادية تقشفية نيوليبرالية، كان من بينها إلغاء الضرائب على الشركات الكبرى، كما عمد على خصخصة القطاع العام، وإلغاء الإعانة التي كان يحصل عليها العمال، وأخيرًا إلغاء الدعم الحكومي الذي استمر قرابة 40 عامًا على الوقود.

نقلت وكالة رويترز عن الحكومة الإكوادورية أن الاحتجاجات الشعبية تسببت بحالة من الشلل الكبرى لليوم الثاني على التوالي

وتشير التقاير إلى تراجع شعبية مورينو لأقل من 30 بالمائة بعد أن كانت أكثر من 70 بالمائة عقب انتخابه في 2017، إلا أن موقفه السياسي قوي على ما يبدو في ضوء الدعم الذي يحظى به من صفوة قطاع الأعمال وولاء الجيش وعدم وجود معارضة قوية في البلاد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إشكالية خطاب ترامب ضد فنزويلا.. إعادة إنتاج النظام عبر تهديده

 هل ستصمد الديمقراطية أمام شعبوية ترامب؟