06-مايو-2019

وليد جنبلاط (روسيا اليوم)

في مقابلة وليد جنبلاط المتلفزة مع الإعلامي سلام مسافر، في برنامجه "قصارى القول" على قناة روسيا اليوم التابعة لمعهد الاستشراق في موسكو، التابع بدوره للكرملين، تعمّد الرجل في حديثه اللجوء إلى اتباع سياسة حافة الهاوية مع حزب الله، وهي سياسة مزدوجة تحمل في ثنايها الضغط على الطرف الآخر بقصد دعوته للبحث عن حل وسط للمشاكل العالقة بين الطرفين. كما تحمل في نفس الوقت خطر الانحدار نحو خصومة طويلة الأمد معه لا أمل في تسوية قريبة لها، وما كل ذلك إلا للقيام بمحاولة علنية عبر الإعلام والناس والطوائف لردع حزب الله من التمادي في سياسة التطويق الميداني، التي يعتمدها عبر تلزيم شركة فتوش بافتتاح معمل لصناعة الإسمنت في منطقة الجبل التي تعتبر بمثابة المعقل الرئيسي لوليد جنبلاط، دون الأخذ بعين الاعتبار بأحقية حزبه في أن يكون شريكًا في إدارة هذا المصنع مع الشركة المنتجة المقربة من حزب الله والنظام السوري معًا. كما في سياسة التطويق السياسي المتمثلة في الاستثمارالسياسي في النائب الدرزي السابق وئام وهاب، لناحية تشجعيه من قبل الحزب على القيام بدور المعارض والمشاكس لزعامة وليد جنبلاط، بقصد شق الصف الدرزي والتشويش على زعامته فيها ولو على نحو هامشي وضيق.

يربط جنبلاط بين الأسد وبين الكذب لنفي أي رابط يربطه بشرف مقاومة الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية

لا يعكس موقف جنبلاط الجديد القائل بعدم لبنانية مزارع شبعا، جرأة معهودة لجنبلاط في تسجيل النقاط على الخصوم مهما علا شأنهم وقوتهم، وإنما يعكس حال الارتباك الذي وصلت إليه حالة الحزب. بما يعكس ردة الفعل القاسية والعنيفة المليئة بعبارات التخوين التي جوبه بها الموقف الجنبلاطي المأزقَ العميق الذي وجد حزب الله نفسه فيه أمام الإعلان الجنبلاطي، فلا هو قادر على انتزاع اعتراف دبلوماسي سوري رسمي مصادق عليه من قبل الأمم المتحدة بلبنانية مزارع شبعا، ولا هو قادرعلى الإتيان بوثائق رسمية لبنانية تؤكد لبنانية تلك المزارع، الأمر الذي ينسف مصداقية روايته عن لبنانيتها، ومن ثم يبطل قدرته على احتكار قرار السلم والحرب مع إسرائيل، كما سيضعف موقفه في الداخل اللبناني أمام خصومه السياسيين. 

اقرأ/ي أيضًا: خطاب بشار الأسد... النور ضد العتمة

أن يقوم جنبلاط بنقد النظام السوري والتعريض به عبر العديد من وسائل الإعلام اللبنانية والعالمية، خلال الفترة الماضية من تاريخ الخصومة السياسية بينه وبين النظام أمر يمكن تفهمه وتبريره، أما أن يقوم بوصف بشار الأسد بصفة الكذّاب الأكبر في حضرة قناة روسيا اليوم فهو أمر يدعو للتساؤل عن الغاية، التي رغبت روسيا بوتين بتوجيها للأسد عبر خصمه اللدود جنبلاط، هي التي كانت تحرص على إبقاء صورته نقية لا لبس فيها، كونه مصدر شرعيتها في الدخول والبقاء في سوريا. فهل أزعجتها محاولته بالنأي بنفسه عن صفقة تسليم رفات الجندي الإسرائيلي زخاريا باومل، التي رعتها روسيا بينه وبين إسرائيل وكان على اطلاع كامل فيما يتعلق بتفاصيلها، في محاولة منه بإظهار روسيا بموقع الطرف الذي أرغمه على القيام بتلك الصفقة المشينة؟ أم أزعجها تنصله من جهودها في تسويقه له لدى الإسرائيليين الذين لا يدخرون جهدًا في إعادة تظهير صورته كرئيس دولة متحضر، بعد أن فقدها لصالح رجل المافيا الذي لا يتورع عن ارتكاب أشبع الجرائم في سبيل البقاء على سدة السلطة؟

يربط جنبلاط بين الأسد وبين الكذب لنفي أي رابط يربطه بشرف مقاومة الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية، ويظهره بمظهر الشخص السلطوي الذي لا يقيم اعتبارًا لكل هذا الهراء، إذ أن جل جهده منصب على إنقاذ الحكم السلالي الذي يعتبر نفسه جزءًا حميمًا منه، الذي لا يجد غضاضة بالاستعانة بأعدائه التاريخين المفترضين في سبيل تحقيق هذا الهدف، حين يسرد على مسامعنا وقائع الرسائل الدبلوماسية التي تم تبادلها بين الجانب الأسدي والجانب الإسرائيلي عبر أحد دبلوماسي السفارة الروسية في بيروت، والتي تضمنت في طياتها رجاء أسديًا حميمًا لعدم اعتبار "الدولة العلوية "التي كان يفكر الأسد بإقامتها عام 2012 دولة عدوة لإسرائيل.

يعيش بشار الأسد على تحوير وقائع الحياة اليومية إلى مجموعة من الأخيلة، من خلال إصراره العنيد على وصفة السوريين الذي ثاروا عليه بالإرهابيين

يعيش بشار الأسد في أعماق نفسه على الأكاذيب، وعلى تحوير وقائع الحياة اليومية الصلبة إلى مجموعة من الأخيلة التي تشوه وجودها وتمسخها، من خلال إصراره العنيد على وصفة السوريين الذي ثاروا على نظام حكمه الفاسد بالإرهابين. قدرة هذا الرجل على معاقرة الكذب رهيبة فهو يستطيع أن يكذب عليك حتى ولو كنت تقف على بعد ياردة واحدة منه، الأمر الذي سبق أن مارسه على وزير الخارجية الامريكي السابق جون كيري في معرضه إجابته على سؤال يتعلق بمدى صدقية الأخبار التي تتحدث عن رغبة الحكومة السورية في سعيها لبناء منشأة الخبر النووية.

اقرأ/ي أيضًا: لبنان الوحيد.. لبنان العنيد

يكذب الأسد حين يُمني الايرانيين باستخدام الأراضي السورية كنمصة لمهاجمة إسرائيل، ذلك أن موافقته على مثل هذا المشروع، يعني موافقته الواعية بالتخلي عن السلطة التي ورثها عن السيد الوالد، تلك السلطة التي قام بقتل مليون سوري للاحتفاظ بها، تحت وطأة نيران الترسانة العسكرية الإسرائيلية، وهو الأمر الذي لا يرغب به ولا يتمناه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حين أصبح بشار الأسد أيقونةً لليمين المتطرف في الولايات المتحدة

ماذا لو بقي بشار الأسد في السلطة؟