10-يناير-2024
تلويث غزة من الجيش الإسرائيلي

(Getty) ما نسبته 99% من التلوث الكربوني في العدوان على غزة جاء نتيجة القصف الجوي والغزو البري

كشفت دراسة جديدة أن الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، الناتجة خلال الشهرين الأولين من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كانت أكبر من البصمة الكربونية السنوية لأكثر من 20 دولة من أكثر دول العالم عرضة للمخاطر المناخية، وفق ما ورد في صحيفة "الغارديان" البريطانية.

وأضافت الصحيفة البريطانية: "يمكن أن تعزى الغالبية العظمى، بما نسبته 99% من 281,000 طن متري من ثاني أكسيد الكربون، التي تشير التقديرات إلى أنها تم توليدها في أول 60 يومًا من العدوان الإسرائيلي، للقصف الجوي الإسرائيلي والغزو البري"، وفقًا لتحليل هو الأول من نوعه أجراه باحثون في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

تسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بانبعاثات كربونية، تعادل حرق ما لا يقل عن 150 ألف طن من الفحم

ووفقًا للدراسة، التي تعتمد على عدد قليل فقط من الأنشطة كثيفة الكربون، وبالتالي ربما تكون أقل من الواقع بشكل كبير، فإن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ينعكس على المناخ خلال الأيام الستين الأولى من الرد العسكري الإسرائيلي بشكلٍ كبير، ويعادل حرق ما لا يقل عن 150 ألف طن من الفحم.

ويشمل التحليل، ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الطائرات والدبابات والوقود من المركبات الأخرى، بالإضافة إلى الانبعاثات الناتجة عن صنع وتفجير القنابل والمدفعية والصواريخ. ولا يشمل الغازات الأخرى المسببة للاحتباس الحراري مثل الميثان. 

وأوضح التحليل: "ما يقرب من نصف إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون كان بسبب طائرات الشحن الأمريكية التي تنقل الإمدادات العسكرية إلى إسرائيل".

وتوفر البيانات، التي تمت مشاركتها مع صحيفة "الغارديان"، أول تقدير، وإن كان متحفظًا، لتكلفة الكربون في الحرب الحالية على غزة، والذي يسبب معاناة إنسانية غير مسبوقة، وأضرارًا في البنية التحتية وكارثة بيئية.

getty

وقال بنجامين نيمارك، أحد كبار المحاضرين في جامعة كوين ماري: "هذه الدراسة ليست سوى لقطة من البصمة العسكرية الأكبر للحرب.. صورة جزئية لانبعاثات الكربون الهائلة والملوثات السامة الأوسع التي ستبقى لفترة طويلة بعد انتهاء القتال".

وتشير الدراسات السابقة إلى أن البصمة الكربونية الحقيقية، يمكن أن تكون أعلى بخمسة إلى ثمانية أضعاف، إذا تم تضمين الانبعاثات الناتجة عن سلسلة التوريد الحربية بأكملها.

وأضاف المحاضر نيمارك: أن "الاستثناء البيئي الذي تتمتع به الجيوش يسمح لها بالتلويث مع الإفلات من العقاب، كما لو أن انبعاثات الكربون المنبعثة من دباباتهم وطائراتهم المقاتلة لا تحتسب".

ويقدر البحث الجديد، أن تكلفة الكربون خلال عملية إعادة إعمار 100 ألف مبنى متضرر في غزة باستخدام تقنيات البناء المعاصرة سوف تولد ما لا يقل عن 30 مليون طن متري من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وهذا يعادل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية في نيوزيلندا وأعلى من 135 دولة وإقليمًا آخر بما في ذلك سريلانكا ولبنان وأوروغواي.

getty

وقال ديفيد بويد، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان والبيئة: "يساعدنا هذا البحث على فهم الحجم الهائل للانبعاثات العسكرية الناتجة عن الاستعداد للحرب، وتنفيذ الحرب، وإعادة البناء بعد الحرب. إن الصراع المسلح يدفع البشرية إلى شفا كارثة مناخية".

وحذر الخبراء من أن الوضع البيئي في غزة أصبح الآن كارثيًا، حيث تم تدمير أو تلويث جزء كبير من الأراضي الزراعية والبنية التحتية للطاقة والمياه، مع ما يترتب على ذلك من آثار صحية مدمرة ربما تستمر لعقود قادمة.

يضاف إلى أن تدمير "ما بين 36% إلى 45% من المباني في غزة، ويعتبر البناء محركًا رئيسيًا لظاهرة الاحتباس الحراري".

وتقول محللة السياسات زينة آغا: إن "الهجوم الجوي الكارثي على غزة لن يتلاشى عندما يحصل وقف إطلاق النار. ستستمر المخلفات العسكرية في العيش في التربة والأرض والبحر وأجساد الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة، تمامًا كما يحدث في سياقات ما بعد الحروب الأخرى، مثل العراق".

واستمر التقرير في القول: "العواقب المناخية للحرب والاحتلال ليست مفهومة بشكل جيد. وبفضل الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة إلى حد كبير، أصبح الإبلاغ عن الانبعاثات العسكرية أمرًا طوعيًا، وتقدم أربع دول فقط بعض البيانات غير الكاملة إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، التي تنظم محادثات المناخ السنوية".

ومن دون بيانات شاملة، وجدت دراسة حديثة أن الجيوش مسؤولة عن ما يقرب من 5.5% من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم سنويًا، أي أكثر من صناعات الطيران والشحن مجتمعة. وهذا يجعل البصمة الكربونية العسكرية العالمية، حتى من دون الأخذ في الاعتبار الارتفاعات الحادة في الانبعاثات المرتبطة بالصراع، رابع أكبر أثر بعد الولايات المتحدة والصين والهند.

getty

بروباغندا المناخ الإسرائيلية

وبينما كانت إسرائيل تقصف غزة، وتنتج كل هذا الدمار والضحايا، كان الوفد الإسرائيلي في "كوب 28" المنعقد في الإمارات، يروج لصناعة التكنولوجيا المناخية الإسرائيلية.

وقال ران بيليج، مدير العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية في الشرق الأوسط، لصحيفة "الغارديان" إن مسألة حساب انبعاثات "الغازات الناجمة عن عمليات الجيش الإسرائيلي، الحالية أو السابقة، لم تتم مناقشتها. هذه في الواقع المرة الأولى التي تثار فيها هذه القضية، ولست على علم بوجود أي طرق لحساب هذا النوع من الأشياء".

وقالت هديل خميس، رئيس مكتب تغير المناخ في سلطة جودة البيئة الفلسطينية: "نحن نحاول القيام بدورنا بشأن أزمة المناخ، ولكن حتى قبل الحرب في غزة، كان من الصعب التكيف والتخفيف من آثارها عندما لا نستطيع الوصول إلى المياه أو الأرض أو أي تكنولوجيات دون إذن إسرائيل".

وتقدر الدراسة الجديدة أن البصمة الكربونية العسكرية السنوية لإسرائيل -دون مراعاة الحرب الحالية- كانت حوالي 7 ملايين طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2019. وهذا يعادل تقريبًا ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الدولة بأكملها، مثل قبرص، و55% انبعاثات أكثر من الضفة الغربية وقطاع غزة.

getty

وقد ساهم بناء الجدار الحديدي الإسرائيلي، الذي يمتد لمسافة 65 كيلومترًا على طول معظم حدودها مع غزة ويتميز بكاميرات مراقبة وأجهزة استشعار تحت الأرض وأسلاك شائكة وسياج معدني بارتفاع 20 قدمًا وحواجز خرسانية كبيرة، في إطلاق ما يقرب من 274 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون. ويعادل هذا تقريبًا إجمالي انبعاثات عام 2022 الصادرة عن جمهورية أفريقيا الوسطى.

وتلعب الولايات المتحدة دورًا ضخمًا في الانبعاثات الكربونية الناجمة عن الأنشطة العسكرية، وتزود إسرائيل بمليارات الدولارات من المساعدات العسكرية، والأسلحة وغير ذلك من المعدات التي تنشرها في غزة والضفة الغربية.

بحلول 4 كانون الأول/ديسمبر، ورد أن ما لا يقل عن 200 رحلة شحن أمريكية قد سلمت 10000 طن من المعدات العسكرية إلى إسرائيل. ووجدت الدراسة أن الرحلات الجوية استهلكت حوالي 50 مليون لتر من وقود الطائرات، مما أدى إلى إطلاق ما يقدر بنحو 133 ألف ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، أي أكثر من جزيرة غرينادا بأكملها في العام الماضي.

ما يقرب من نصف إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون كان بسبب طائرات الشحن الأمريكية التي تنقل الإمدادات العسكرية إلى إسرائيل

وفي عام 2022، أفاد الجيش الأمريكي أنه أنتج ما يقدر بنحو 48 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون ، وبحسب بحث منفصل أجرته نيتا كروفورد، مؤلفة كتاب "البنتاغون وتغير المناخ والحرب"، كانت هذه البصمة الكربونية العسكرية الأساسية -التي تستبعد الانبعاثات الناتجة عن الهجمات على البنية التحتية النفطية لتنظيم الدولة الإسلامية في عام 2022- أعلى من الانبعاثات السنوية لـ150 دولة ومنطقة بما في ذلك النرويج وأيرلندا وأذربيجان .

ووفقاً لكراوفورد، فإن حوالي 20% من الانبعاثات التشغيلية السنوية للجيش الأمريكي تذهب نحو حماية مصالح الوقود الأحفوري في منطقة الخليج، وهي نقطة ساخنة لتغير المناخ، حيث ترتفع درجة حرارتها بمعدل أسرع مرتين من بقية العالم المأهول. ومع ذلك، تركز الولايات المتحدة، مثلها في ذلك كمثل دول حلف شمال الأطلسي الأخرى، في الأغلب على أزمة المناخ باعتبارها خطرًا يهدد الأمن القومي، بدلًا من التركيز على مساهمتها فيها. مضيفةً: "بكل بساطة، نحن نستعد للمخاطر الخاطئة من خلال وضع الكثير من بيضنا في السلة العسكرية، في حين أن لدينا في الواقع حالة طوارئ أكثر خطورة تواجهنا جميعا".