18-أكتوبر-2022
احتجاجات ومواجهات بالتزامن مع أزمة اقتصادية عميقة في تونس (Getty)

احتجاجات ومواجهات بالتزامن مع أزمة اقتصادية عميقة في تونس (Getty)

تجدّدت الاحتجاجات والاشتباكات لليوم الرابع على التوالي بين محتجين غاضبين وقوات الأمن في حي التضامن أكبر الأحياء الشعبية بضواحي العاصمة تونس، على خلفية وفاة الشاب مالك السليمي، متأثرًا بإصابات جرّاء اعتداءات بالعنف تعرّض لها منذ شهر ونصف من قبل أمنيين، وفق ما أكده أفراد من عائلته وشهود عيان، ونُقل على إثرها إلى العناية المركزة، قبل أن يعلن عن وفاته الخميس الماضي.

تأتي هذه الاحتجاجات في ظل تزايد منسوب الاحتقان، وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، والانسداد السياسي الذي تمر به البلاد

وأظهرت مقاطع الفيديو الواردة من المنطقة اشتباكات بين مجموعة من المحتجين الذين قاموا بإشعال العجلات المطاطية، وإغلاق بعض الشوارع، فيما حاولت قوات الأمن التدخل، إلا أن المحتجين قاموا برشقها بالحجارة، بينما ردّت قوات الأمن باستعمال الغاز المسيل للدموع، ما تسبب في حالات اختناق بين المواطنيين، وسط حضور أمني كثيف لمحاولة تفرقة المجموعات المحتجة خوفًا من تصاعد رقعة الاحتجاجات.

فيما حاولت السلطات التونسية نزع الشرعية عن هذه الاحتجاجات، حيث قال رئيس مكتب الإعلام بوزارة الداخلية فاكر بوزغاية في تصريح إعلامي إن "عددًا من المندسين شاركوا في الاحتجاجات بحي التضامن، وحي الانطلاقة لغايات سياسية ولتنفيذ عمليات سرقة". وأضاف أنه "تم حجز أموال لدى عدد من الأشخاص كانوا ينوون توزيعها على المحتجين"، مؤكدًا أن "ما يتم ترويجه بخصوص تعرض السليمي إلى العنف من قبل رجال الأمن فيه كثير من المغالطات"، وتابع "دورية أوقفت مالك السليمي وصديقيه كإجراء روتيني، إلا أنه عمد إلى الفرار وقفز من جدار عالٍ وسقط، وقد تم اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة، واستشارة النيابة العمومية والتدخل لنقل الشاب على جناح السرعة إلى المستشفى". وادعى بوزغاية أن "الداخلية تملك تسجيلات مالك السليمي قبل وفاته، والشبان الذين كانوا معه شهدوا بعدم تعرضه إلى العنف".

وكان حي التضامن قد شهد مناوشات بين شبان وقوات الأمن، وذلك أثناء تشييع جنازة الشاب مالك السليمي. وطالبت عائلة الشاب بمحاسبة الأمنيين المتورطين في الاعتداء عليه، وفق ما أكده عم الفقيد محمد السليمي في تصريح لإذاعة "ديوان أف أم"، حيث قال "نحن نطالب بتحقيق العدالة ومحاسبة المعتدين، لسنا دعاة فوضى، لكننا نريد حقّ مالك". وتابع "نأمل أن ينصفنا القضاء، ولو أننا نرى دائمًا أنه يقع الإفلات من العقاب كلّما تعلّق الأمر بوزارة الداخلية التونسية".

وقد أخذت حادثة وفاة الشاب مالك السليمي حيزًا كبيرًا من التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد ندد نشطاء بالعنف المفرط الذي تمارسه الأجهزة الأمنية، مقابل تواصل سياسة الإفلات من العقاب وعدم المحاسبة، مطالبين بالأخذ بحق مالك.

وغالبًا ما يتعرض الأمن التونسي لانتقادات كونه يلجأ إلى القوة المفرطة، وتقول "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان" إن "14 شابًا قتلوا خلال السنوات الماضية إثر مواجهات مع الأمن"، منتقدة سياسة الافلات من العقاب. كما تتهم منظمات غير حكومية قوات الأمن باعتماد أساليب تذكر بالدولة البوليسية في عهد نظام زين العابدين بن علي، منذ أن احتكر الرئيس الحالي قيس سعيّد كل السلطات بيده في البلاد عقب انقلابه على مؤسسات الدولة.

وتأتي هذه الاحتجاجات في ظل تزايد منسوب الاحتقان، وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، والانسداد السياسي الذي تمر به البلاد، فقد تظاهر الآلاف من التونسيين في العاصمة  تونس، بدعوة من حزبين في المعارضة، ضد ارتفاع الأسعار، ولمقاطعة الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها  في 17 كانون الأول/ ديسمبر القادم. حيث نظمت جبهة الخلاص الوطني في الأيام الماضية مظاهرة حاشدة في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة للاحتجاج على تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية. وخرج الآلاف في مظاهرة شارع الحبيب بورقيبة التي أطلقوا عليها اسم "مسيرة الإنقاذ الوطني"، ورفعت فيها شعارات مثل "حريات حريات دولة البوليس وفات"، "لا خوف لا رعب الشارع ملك الشعب"، "أوفياء أوفياء لدماء الشهداء"، "شعب تونس لا يهان"، "الشعب يريد إسقاط الانقلاب"، "ارحل"، "بالروح بالدم نفديك يا جرجيس"، "الشعب يريد عزل الرئيس.."، "اليوم اليوم يرحل قيس"، و"يسقط يسقط الانقلاب".

واستنكرت الجبهة محاولات التضييق التي تعرض لها أنصارها في مختلف أنحاء البلاد، في محاولة لمنعهم من الالتحاق بالمسيرة، وحمّلت الجبهة في بيان لها "وزير الداخلية شخصيًّا، مسؤولية هذه الانتهاكات، وما قد ينتج عنها من توتر وتعبير عن الغضب"، معلنة عزمها "مقاضاة وزير الداخلية، وكل من يثبت تورّطه في تعطيل حق التّظاهر المكفول بدستور الثورة".

وخلال كلمة له أمام المتظاهرين قال رئيس "جبهة الخلاص الوطني" أحمد نجيب الشابي، إن "قيس سعيّد الآن في عزلة، وكل المسارات التي نظمها من استشارة وطنية واستفتاء على الدستور كانت فاشلة". وأضاف أن "الآلاف من التونسيين خرجوا اليوم بصوت واحد لكي يقولوا كفى مهانة، وكفى انقلابًا"، مشيرًا إلى أن "تونس في حالة غليان في مناطق عدة في حي التضامن، والانطلاقة وجرجيس وفي كل مدينة". وتابع الشابي أنه "بعد سنة ونصف السنة من الانقلاب، لم يجن التونسيون سوى الخراب، والبطالة وغلاء الأسعار"، موضحًا أنّ "جلّ هذه التحركات التي قد يرى البعض أن لا طائلة منها، هي في الحقيقة تتصدى للانقلاب، ولوضع حد لمغالطاته، وجبهة الخلاص بفضل تحركاتها تحولت إلى القوة الأولى في تونس". وشدد  الشابي على أن "الأحداث تتسارع، وسيكونون بالمرصاد لأي مستجدات، وسيتم إكمال المشوار، وسيسقط الانقلاب، وتونس تحتضن كل أبنائها".

وتستمر سردية النظام التونسي التي تحاول نزع الشرعيىة عن أي حراك معارض. حيث أعلن الرئيس قيس سعيّد خلال إشرافه بمدينة بنزرت على إحياء الذكرى 59 لعيد الجلاء (خروج آخر جندي فرنسي من تونس) أنه "سيحصل جلاء جديد في تونس، حتى يتم التخلص من كل من يريد أن يضرب استقلالها، أو يتعامل مع الخارج، أو يكون خائنًا وعميلًا للاستعمار"، وأضاف أنه "لن يقبل إلا بالنجاح، وإنقاذ الدولة من براثن الذين يعبثون بها".

في سياق متصل، توصلت السلطات التونسية وصندوق النقد الدولي، يوم السبت الماضي، إلى اتفاق على مستوى الخبراء لتمكين تونس من قرض بقيمة 1,9 مليار دولار، على 4 سنوات. وذكر صندوق النقد الدولي، في بيان صحفي، أن "الاتفاق النهائي بشأن الترتيب يخضع لموافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، والذي من المقرر أن يناقش طلب برنامج تونس في كانون الأول/ ديسمبر 2022".

من جهته أكد الخبير المحاسب والقيادي بالتيار الديمقراطي هشام العجبوني، أنه "تم الاتفاق المبدئي مع خبراء صندوق النقد الدولي في إطار الآلية الموسّعة للقروض، وذلك في انتظار المصادقة النهائية للمجلس التنفيذي للصندوق في  كانون الأول/ديسمبر المقبل، ويعني أنّ تونس لن تتحصّل على أيّ ملّيم قبل ذلك". وتابع العجبوني خلال منشور في صفحته غلى فيسبوك، أنّ "تونس طلبت 4 مليار دولار، ولكنها لم تتحصّل مبدئيًا إلاّ على 1,9 مليار دولار على مدى 4 سنوات، وهو مبلغ لا يفي بالغرض وبعيد جدًا عن احتياجات المالية العمومية، وحاجة الاقتصاد التونسي لتمويل الاستثمارات، وخلق الثروة واستيعاب نسبة البطالة المرتفعة ودعم ميزان الدفوعات".

غالبًا ما يتعرض الأمن التونسي لانتقادات كونه يلجأ إلى القوة المفرطة، وتقول "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان" إن "14 شابًا قتلوا خلال السنوات الماضية إثر مواجهات مع الأمن"

وتعيش تونس وضعًا ماليًا واقتصاديًا صعبًا مع ارتفاع في معدلات التضخم، وفقدان المواد الأساسية من الأسواق، واستياء شعبي من ذلك، مقابل مساعٍ لمحاولة إنقاذ البلاد من الانهيار المالي.