23-أغسطس-2020

دعوات للانفصال عن الاتحاد الأوروبي تظهر في إيطاليا (بلومبيرغ)

عرفت إيطاليا نهاية الشهر الماضي إطلاق أول حملة لخروجها من الاتحاد الأوروبي، في شكل حزب إيطاليكسيت، الذي أعلن عنه السياسي والوجه الإعلامي؛ جيانلويجي باراغوني. خطوة لم يتجرأ على الإقدام عليها أكثر المتشككين الإيطاليين في الاتحاد الأوروبي، على رأسهم ماتيو سالفيني زعيم "لا ليغا" اليميني المتطرف، والذي تعاني شعبيته إشاكلات عويصة في الأيام الأخيرة. ها هو يخرج إيطاليكسيت من قلب كلّ هذه الأزمات، معلنًا مطالبه، بدعم من نظرائه "البريكسيتيين" على الجهة الأخرى من القارة.

عرفت إيطاليا نهاية الشهر الماضي إطلاق أول حملة لخروجها من الاتحاد الأوروبي، في شكل حزب إيطاليكسيت، الذي أعلن عنه السياسي والوجه الإعلامي؛ جيانلويجي باراغوني

لا إيطاليا لأوروبا.. قصة الميلاد

كان يوم الجمعة، 23 تموز/يوليو الماضي، يومًا فارقًا في الاستقطاب السياسي الإيطالي، حين أعلن السياسي والوجه الإعلامي الإيطالي، جيانلويجي باراغوني، عن إطلاق حزبه الخاص "إطاليكسيت"، بشعار "لا إيطاليا لأوروبا"، والذي يهدف إلى دفع بلاده إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي، على غرار ما قام به الإنجليز سابقًا سنة 2016. تأثيرُ التجربة الإنجليزية على الحزب الإيطالي واضحة، وعلى قائده الذي لم يقم بإعلان نواياه تلك إلا بعد يومين من لقائه المطوّل مع نايجل فاراج، زعيم حزب البريكسيت البريطاني.

اقرأ/ي أيضًا: صعود المقتصدين وإطاليكسيت.. أسئلة أوروبية لما بعد خطة "الإنعاش"

"أقول لا لهذا الشكل من الاتحاد الأوروبي، وبدأت من بلدي إيطاليا كونها تملك كل السيادة والقوة للمنافسة في كلّ الأسواق"، صرّح باراغوني إبان إعلانه ميلاد الحزب، مضيفًا أن "الاتحاد هو اتحاد جرماني" في إشارة إلى ما وصفه بمركزية مصالح ألمانيا وسط الاتحاد على حساب مصالح الدول الأخرى. ليختم حديثه متفائلًا أنه "مع الأكاذيب التي ما فتئ الاتحاد الأوروبي يمنحنا إياها، حتمًا ستتوسع قاعدة الذين يودون الاصطفاف معنا في نفس الخط".

وبصيغة تشبه صيغ الأحزاب اليمينية القومية، يرتكز مشروع الحزب بالأساس على نقطة السيادة، هذا ما يظهر من بيانه التأسيسي إذ يضعها على رأس الأولويات قائلًا: "الإيطاليون يستحقون بلدًا مستقلًا، مسترجعًا لكامل سيادته، وقادرًا على تقرير مصيره الخاص". ويسترسل معللًا بأنه " في وجه فشل النيوليبرالية وتعثر العولمة، الآن أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى بديل راديكالي. نحن بحاجة إلى وضع حد لثلاثين سنة من السياسات المعادية للشعب تحت غطاء الحق العام والقيم الدستورية".

هذه السيادة التي لن تقوم دون سيادة اقتصادية، يفصل فيها ذات البيان قائلًا: "السيادة المالية هي عماد استقلال البلاد.. واسترجاع سيادتنا المالية يلزمه ثورة حقيقية في السياسات المالية العامة، بحيث لا يمكن أن تستمر في نفس الاعتباطية والرضوخ لقرارات المؤسسات الخارجية". كما يطالب ذات البيان باسترداد السيادة الصناعية الإيطالية، التي انتزعت منه بعدَ أن دفع الشعب ثمنها من جيبه، لذلك يعد الحزب بإعادة إحياء الصناعة الوطنية ببرنامج وطني. هذا ويرفع البيان شعار "الشغل للجميع!"، منتقدًا الفكرة القائلة بأن القطاع الخاص وحده ما يصنع فرص الشغل. يقدم البيان بدائل عامة تتيح فرصًا كبيرة للتوظيف كقطاع التعليم والصحة، التحول الإيكولوجي، تهيئة البنى التحتية والرعاية الاجتماعية.

فيما يخص مسألة الهجرة، لا يختلف الحزب كثيرًا عن نظرائه اليمينيين الشعبويين. ومع اعتباره في خطاب هجين أن الهجرة نتيجة من نتائج "النيوكولونيالية"، يرى القضية كقضية حماية للهوية الوطنية وإثبات سيادة على حدود البلاد. يقول:" الصراع من أجل استرجاع سيادة البلاد يمر عبر سيادتها على حدودها، حماية لخيرات الشعب وهويته الثقافية، ودفاع عن حق العيش بسلام لكل إنسان في بلاده".

جذور الشكوكية تجاه الاتحاد الأوروبي

تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة ارتفاع نسبة التشكيك في الاتحاد التي تعم أوروبا بأسرها، وإيطاليا على وجه التحديد. حيث 44 في المئة من الإيطاليين يعتقدون أن للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي أثرٌ سلبي على بلادهم، و31 في المئة منهم يقولون إنهم سيصوتون بـ "نعم" على أي استفتاء للخروج من الاتحاد. هذا التشكك الذي يراهن عليه باراغوني وحملته في نجاحهما، تزامنًا مع الميلاد العسير لاتفاق الإنعاش الاقتصادي الأوروبي، والتطاحن الذي شهدته المفاوضات حول حزمة مساعداته. 

"بمتابعة مجريات اتفاق الإنعاش الاقتصادي الأوروبي، ومفاوضاته العسيرة، جعلَ خطاب النقد يتصاعد اتجاه الاتحاد الأوروبي. لكن سرعان ما انخفضت وتيرته وإيطاليا تنجح في تحصيل حزمة مساعدات مهمة"، توضح الباحثة الإيطالية في العلوم الإنسانية، لوكريسيا بوتون، في حديثها لـ "ألترا صوت". وتضيف أن "هذا التشكيك منتشرٌ أساسًا عند الجناح اليميني الشعبوي من الساحة السياسية الإيطالية والمتعاطفين معه؛ إذن هو توجه سياسي محدد أكثر منه إرادة شعبية".

بالمقابل تجد هذه القضية جذورها في تناقضات مزدوجة، اقتصادية ومجالية، بين شمال إيطاليا الصناعي وجنوبه الفلاحي والسياحي، وبين إيطاليا والاتحاد الأوروبي. هذا ما توضحه بوتون في تصريحها قائلة إن "هؤلاء اليمينين يحملون أيضًا أحكامَ قيمة اتجاه الجنوب: أن الجنوب لا ينتج مردودًا مادي بالقدر الذي ينتجه الشمال، وأن الجنوبيين يحتلون الشمال مستفيدين من الوظائف والخدمات الصحية.. إلخ. فيما ينتشرُ اليمين الشعبوي في الجنوب كذلك، الذي يعدُّ المستقبلَ الأول لموجات الهجرة السرية".

يوافق أليسيو سورينتينو، الناشط السياسي الإيطالي في حديثه لـ "ألترا صوت"، بالقول إن "إيطاليا عرفت خلال العقدين الأخيرين حدثين في غاية الأهمية: أولهما، دخولها منطقة اليورو ما أثّر على تنافسية صادراتها. والثاني تلقيها لأكبر موجة هجرة ولجوء عرفها القرن". هذان الحدثان، يسترسل أليسيو، " أثرا بدرجة أولى على الطبقة الوسطى الإيطالية والملاك الصغار، خاصة في الشمال حيث يتمركز رأس المال الصناعي، الذي بالأساس ورغم وسعه فالمؤسسات التي تديره صغيرة مقارنة بصناعات الدول الأوروبية الأخرى". خالصًا إلى أن "المشكل في الأساس ليس فقط اليورو، بل السياسة الاقتصادية الأوروبية التي فشلت في إدماج النموذج الإيطالي داخلها، مانحين الفرصة الأنسب لليمين الشعبوي ليلوم الاتحاد الأوروبي في ذلك وليس الإيطاليين".

"نفس الشيء بالنسبة لموجة الهجرة واللجوء، التي ليس المشكل فيها المهاجر أو اللاجئ بل الأسباب التي جعلته يغادرُ بلده. مرة أخرى، فإن الاتحاد الأوروبي لم يبد اهتمامًا بالأمر، واليمين الشعبوي ألقى اللوم على الاتحاد الأوروبي، وكلاهما لم يفعلا شيئًا لتغيير هذا الوضع الإنساني الخطير"، يوضح الناشط الإيطالي، مضيفًا أن "هذه هي لعبة اليمين الشعبوي: نشر الكراهية، فقط الكراهية، دون إيجاد حلول".

كورونا سالفيني وإيطاليكسيت باراغوني

صنعت إيطاليا الحدث خلال الجائحة الوبائية التي ضربت وتضرب العالم هذه السنة، بتصدرها ترتيب انتشار حالات العدوى والوفيات منها لأشهرَ طويلة، وبحصيلة عامة فاقت الـ 257 ألف إصابة ووفاة 35.5 ألف مصاب. ثقل هذا الواقع الذي كابده البلد الأوروبي حلّ، في جنبه الآخرَ، على شكل أزمة اقتصادية قاسية. حيث انهار الناتج الداخلي العام الإيطالي بـ 10 في المئة، ممثلًا ثاني أقصى انهيارٍ بمنطقة اليورو، وبلغت نسبة الدين العام الإيطالي إلى 160 في المئة من الدخل العام. مع توقف قطاع  السياحة الذي يساهم فيه سنويًا بـ 13 في المئة، وقطاع الصناعة الذي عرف هو الآخر مشاكل كبيرة، فيما 51 في المئة من العمال يواجهون تهديد خسارة وظائفهم.

كل هذه المعطيات خلطت الأوراق السياسية داخلَ إيطاليا، فمن ناحية ظهر التحالف الحكومي في صورة البطل المنقذ من الأزمة. هو الذي مُنح ضربة جزاء في الدقيقة التسعين على شكل إعانات أوروبية للإقلاع الاقتصادي، خرج رئيسه جوزيبي كونتي منتصرًا من مفاوضاتها. ومن جهة أخرى لا تبدو المعارضة اليمينية، متمثلة في حزب الرابطة وزعيمه ماتيو سالفيني، في أحسن أيامها.

"خلال الأشهر الأولى للجائحة عرفت شعبية اليمين انحدارا كبيرًا، راجعًا للطريقة التي قاربت بها الأزمة الصحية. بينما شعبية رئيس الحكومة جوزيبي كونتي ارتفعت لنفس السبب، أي لإدارته الجيدة لمرحلة الحجر وما بعدها"، تصرح ستيفانيا دينيوتي، الصحفية الإيطالية المختصة في قضايا الهجرة واليمين الشعبوي، لـ "ألترا صوت". لكن سرعان ما عاد هذا اليمين إلى الساحة " دمع نهاية الحجر وصعود مخاوف الآثار الاقتصادية للفيروس وعودة موجات الهجرة تستهدف شواطئ لامبيدوزا وغيرها من مدن الشمال" كما توضح المتحدثة.

اقرأ/ي أيضًا: كورونا من منظور أوروبي.. أسئلة الوحدة والتفكك

"مع ذلك سالفيني يخسر أرض المعركة السياسية، هذا ما أظهرته الأشهر الأخيرة، وتؤشرُ عليه سحب الحصانة البرلمانية منه ومتابعته قضائيًا في تشرين الأول/أكتوبر القادم، حول إدارته أزمة المهاجرين وقت كان وزيرًا للداخلية"، تضيف دينيوتي، ما يدفع للسؤال: هل باراغوني هو الوجه البديل لسالفيني في قيادة اليمين الشعبوي الإيطالي؟

بصيغة تشبه صيغ الأحزاب اليمينية القومية، يرتكز مشروع الحزب بالأساس على نقطة السيادة، هذا ما يظهر من بيانه التأسيسي إذ يضعها على رأس الأولويات

تجيب الصحفية الإيطالية: "صحيح في هذه الظروف ولدَ حزبُ إيطاليكسيت، وفي هذا الوقت القصير استطاع رفع شعبويته إلى 4 في المئة، لكنّ الأمر مبكرٌ جدًا لاستشعار أي منافسة أو تبادلِ أدوار بين الحزبين على قيادة الطيف اليميني الشعبوي بالبلاد". فيما تظهرُ معالم تقارب بين الحزبين يمكن له أن يؤدي في المستقبل إلى تحالف بينهما، أبرزها معارضة باراغوني الشرسة لسحب الحصانة من سالفيني ومتابعته قضائيًا. فيما تبرزُ معالمُ شقاق، على رأسها أن باراغوني يرى أن حزب الرابطة لم يعبر عن موقف صريح فيما يخص مغادرة الاتحاد مع أنه كان داخل الحكومة الإيطالية، وأن الجرأة نقصت قيادته للدفع في ذلك المسار.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 اتحاد أوروبي بلا أوروبيين.. كورونا والقوميّة المتخيّلة